سوريون في المغرب ومغاربة في سوريا

سوريون في المغرب ومغاربة في سوريا

المغرب اليوم -

سوريون في المغرب ومغاربة في سوريا

توفيق بوعشرين

يتابع المغاربة بحزن المأساة السورية عبر شاشات التلفزة العربية والأجنبية، ويشاهدونها أيضا كل يوم عند أبواب المساجد والمحلات التجارية الكبرى، وعند الوقوف أمام الضوء الأحمر في الطرق، حيث يمد السوريون أيديهم طلبا للعون ولسانهم للشكوى من الحرب التي تأكل الشام منذ أربع سنوات، ولا يظهر لنهايتها من أثر. ليس هذا فقط ما يربط المغاربة بالمأساة السورية، هناك أيضا أبناؤهم الذين غرر بهم حتى مشوا بأرجلهم إلى حرب ليست حربهم، ومحرقة لا ناقة لهم فيها ولا جمل، لهذا يحق لنا أن نسلط الضوء على تعقيدات هذه الأزمة وعلى جوانبها المعتمة.

يسأل الناس الذين لا يتعمقون في الأزمات الدولية ولا خلفياتها: أما لهذه الحرب من نهاية؟ كل الأمم تتفاوض وتتنازل وتبحث عن حل للأزمات والحروب، خاصة عندما تتيقن أن النصر مستحيل، إلا العرب يقاتلون إلى آخر رمق على لا شيء.

حصيلة الحرب الأهلية السورية حتى اليوم مخيفة، بل مرعبة. الأرقام الآتية من أرض الحرب تتحدث عن سقوط 350 ألف قتيل إلى الآن، وأكثر من مليون جريح ومعاق، وعن خمسة ملايين لاجئ، وسبعة ملايين نازح، وعن الحاجة إلى 500 مليار دولار لإعادة إعمار ما دمرته الحرب، وعن عشرات السنوات من الجهد لإعادة سوريا إلى ما كانت عليه عشية انطلاق الثورة التي كانت سلمية، فتعسكرت بسرعة فائقة منذ 2011.

الأرقام المفزعة هذه لم تقنع بعد الأطراف الداخلية أو الخارجية للنزاع بضرورة وضع نقطة نهاية لتدفق الدم السوري، والجلوس إلى طاولة البحث عن حل سياسي لا منتصر فيه ولا مهزوم. المشكلة في سوريا الآن أن كل الأطراف ترى أن ما أعطته من دم ومال وخسائر ومآس على مدى أربع سنوات لا يوجد فوق طاولة المفاوضات شيء يستحق أن يقايض به، لهذا فالأطراف جميعها تبحث عن النصر الذي يعني في عرفها القضاء نهائيا على الآخر، لأن ذلك هو الثمن الممكن لما سال من دم إلى الآن، وهنا يغرق الجميع في حمام دم له أول وليس له آخر.

الصراع في سوريا يستحيل أن يحسم عسكريا، فنظام الأسد، الذي لم يعد يسيطر سوى على 20٪ من الأراضي السورية، لا يستطيع القضاء على المعارضة، وفيها الجيش الحر وجبهة النصرة وداعش وعشرات الفصائل المسلحة المدعومة من تركيا وأمريكا ودول الخليج، وكلما ربح نظام الأسد جولة إلا وتحرك الدعم المالي والعسكري والبشري لكي لا يختل الميزان على الأرض، وفي المقابل لا تستطيع المعارضة، وفيها الوطني والأصولي والإرهابي والظلامي، أن تدخل إلى دمشق، أو تقضي على النظام، لأن وراءه أقلية علوية خائفة على مصيرها من تطرف المعارضة، وخلف النظام الأسدي روسيا وإيران وحزب الله، وكلما فقد الأسد موقعا ورجالا وعتادا، تشحن إيران إليه الدعم والمقاتلين من أفغانستان والعراق وباكستان ولبنان حتى لا يسقط، وحتى تظل موازين القوى على حالها.. حرب مفتوحة لا نصر فيها ولا هزيمة.

لا النظام السوري الذي يحكم بالحديد والنار دمشق منذ 50 سنة مستقل في قراره لأن من يدفع له المال والسلاح والدم يشترك معه في القرار، ولا المعارضة، بمختلف أطيافها، مستقلة في قرار الحرب والسلم لأن من يمولها لا يفعل ذلك لوجه الله، بل لتخدم الحرب أهدافه ومراميه. وحده الشعب السوري عالق في هذه المحرقة، وكل يوم يمضي تزداد رقعة الحرب اتساعا، ومشاعر الكره والضغينة والانتقام تأججا.

الأسد يريد تسوية يبقى بمقتضاها حاكما للبلاد، وإيران تريد تسوية تبقي سوريا ورقة في يدها للضغط على الخليج، وحزب الله يريد تسوية بمقتضاها ترجع علاقته مع دمشق إلى ما قبل 2011. في الجهة المقابلة، المعارضة تريد سوريا بلا أسد، وجبهة النصرة تريد الانتقام للسنة والقضاء على العلويين وتنصيب الحكم بعقلية نظام الخلافة، وداعش تريد استمرار الفوضى غير المنظمة لأنها تنعش حربها الدينية، وهي تسعى إلى الاحتفاظ بالرقة وجزء من سوريا على الحدود مع العراق لأنها الامتداد الاستراتيجي لدولتها في الموصل، ولأنها الطريق إلى عبور المقاتلين الأجانب من تركيا للانخراط في الحرب المقدسة.

والنتيجة أن الأطراف جميعها تريد أن تحصل بالمفاوضات السلمية على ما عجزت عن انتزاعه بالحرب، وهذه معادلة مستحيلة. المفاوضات تنجح، والتسويات تتقدم عندما تشعر كل الأطراف بأنها خاسرة إذا استمرت الحرب، وأن التسوية لا تعطيك كل ما تطلبه، لكنها توقف خسائرك ونزيفك، ومادامت الأطراف لم تصل إلى هذه النتيجة، فإننا سنتابع المزيد من أخبار القتل والدمار في نشرات الأخبار، وسنلتقي المزيد من السوريين في الشوارع والمساجد يطلبون الإعانة على متاعب حياة وحرب لم يختاروها.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

سوريون في المغرب ومغاربة في سوريا سوريون في المغرب ومغاربة في سوريا



GMT 19:41 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

الاهتمام بلبنان في ظلّ إعادة تأسيسنا صاروخيّاً!

GMT 19:39 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

ثلاثية الكويت

GMT 19:36 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

محاكمة لجنة التحقيق!

GMT 19:35 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

فكرة بديلة فى الرى!

GMT 19:32 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

ما نعرفه حتى الآن

GMT 12:34 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

الشخصية اللبنانية كمزحة

GMT 12:32 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

لماذا يكره المتطرفون الفنانين؟

GMT 12:29 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

ارفع معنوياتك!

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 19:20 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

حظك اليوم الأربعاء 2 كانون الأول / ديسمبر لبرج الجدي

GMT 06:36 2018 السبت ,08 أيلول / سبتمبر

تمتع بمغامرة فريدة في أجمل مدن "مولدوفا"

GMT 11:44 2017 الثلاثاء ,19 كانون الأول / ديسمبر

المؤجلات… موت التشويق

GMT 22:25 2015 السبت ,12 كانون الأول / ديسمبر

المانجو فاكهة النشاط والتفاؤل

GMT 15:47 2018 الثلاثاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

أفكار مميزة لتجديد حديقة منزلك بدون تكاليف في الشتاء

GMT 18:25 2018 الأربعاء ,27 حزيران / يونيو

لمسات بسيطة تضفي مزيدًا من الجمال على شرفات منزلك
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya