زينة الحياة الدنيا

زينة الحياة الدنيا

المغرب اليوم -

زينة الحياة الدنيا

توفيق بو عشرين


المناظرة التي نظمتها وزارة الصحة حول الإجهاض، وجمعت حول طاولتها الطبيب والوزير والفقيه والحقوقي والجمعوي والمثقف والإسلامي والسلفي وجل الأطياف الفكرية والسياسية، مبادرة تستحق التشجيع، وهذه المناظرة تمرين فكري وسياسي مهم بين أبناء الوطن الواحد لتعلم الحوار الهادئ، واستماع كل طرف إلى الآخر، وفهم موقفه ومبرراته بحثا عن توافق موجود إزاء موضوع حساس، تتداخل فيه الاعتبارات الطبية والدينية والحقوقية والسياسية…

الإجهاض موضوع حساس وخلافي، ويثير إشكالات كثيرة في جل دول العالم، سواء التي تبيحه بإطلاق، أو التي تمنعه بإطلاق.

الإجهاض موضوع واقع في منطقة رمادية بين من يطالب بحرية المرأة في التخلص من الحمل لأي سبب من الأسباب، وبين من يدعو إلى حماية الحق في الحياة للكبير والصغير، للطفل والجنين، وأن هذه الحياة ليست في يد البشر ليقرر فيها برأي.. إنها إرادة الله ولا معقب لإرادته.

الذين يعارضون توسيع مجال الإجهاض في المغرب وتغيير القانون الجنائي ليشمل حق المغتصبة، والتي حملت من زنا المحارم، والتي تخاف على مولودها من التشوهات الخلقية، في الإجهاض، لا ينتبهون إلى الواقع، ولا يفتحون أعينهم على أكثر من 300 حالة إجهاض غير قانوني تقع يوميا على أقل تقدير في المغرب، وتعرض حياة الأمهات للخطر. هؤلاء يدققون فقط في النصوص، وجلها نصوص فقهية قديمة إن لم نقل متقادمة، أي أنها رأي فقهاء القرون الماضية الذين لم يعيشوا مشاكلنا ولا واقعنا، في حين أن هؤلاء يهملون مقاصد الدين، ولا يتعبون أنفسهم في إعادة استخراج أحكام الفقه من القرآن والسنة مباشرة.. دائماً هناك وسطاء.. دائماً هناك سلف يعرف أكثر منا، ويفهم أكثر منا، وقوله ناجز وحكمه نافذ…

والذين يطالبون بإباحة الإجهاض بإطلاق، من منطلق حرية المرأة في اتخاذ قرار أن تنجب أو لا تنجب، ويدعون إلى نسخ قوانين دول أوروبية في المغرب، هم أيضا لا يدققون في الواقع ولا في النصوص الدينية التي تؤطر مرجعية المغاربة في مجتمع محافظ.. نعم محافظ أكثر مما يتوقع الكثيرون. هؤلاء يحاولون فرض قناعة الأقلية على الأغلبية، وهذا أيضاً لا يستقيم مع الحرية ولا مع الديمقراطية. التشريع يجب أن يكون موافقا لرأي الأغلبية حتى يكتسب قوة الشيء المقضي به، وإلا ظل حبراً على ورق، نصا بدون تطبيق، كما هو حال نصوص قانونية كثيرة في بلادنا لا تطبق ولا تحترم…

المُشَرِع، أي البرلمان وقبله الحكومة التي تعد مشاريع القوانين، يجب أن يستمعا إلى كل الآراء، ويجب أن يدرسا الواقع والنص معا، وأن يستفتيا فقهاء الدين وفقهاء الدنيا، أي فقهاء النصوص وفقهاء الواقع، أي الأطباء والحقوقيين ورجال ونساء القانون والباحثين في علم النفس والاجتماع… يجب الاستعانة بالاجتهاد لا بالتقليد، وباليسر لا بالعسر، وبالوسطية والاعتدال لا بالتشدد وفقه البداوة. أصلا، التشدد والتحريم المطلق لا يحتاج إلى فقه أو علم أو استنارة أو حكمة.. شعار التشدد: كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار، و«مريضنا ما عندو باس».

لقد صدمت في آراء الفقيه مصطفى بنحمزة الذي اعتبر أن الحمل الناتج عن زنا المحارم يمكن أن يستمر لأن الجنين لا ذنب له في ما وقع بين أم وأبيها أو أخيها… هذه حالة مستفزة فعلا، فكيف يقبل العقل أو الشرع، أو الذوق حتى، أن تلد ابنة من أبيها أو أخيها.. هذه الحالة بالضبط هي التي يجب التنصيص القانوني فيها على وجوب الإجهاض، وليس حق الإجهاض فقط، لأن ذلك يحمي صحة المجتمع قبل صحة الأم والأسرة…

قبل أكثر من 15 سنة أصدر الشيخ يوسف القرضاوي فتوى بجواز إجهاض النساء البوسنيات اللواتي تعرضن للاغتصاب أثناء الحرب الأهلية في البلقان، واعتبر الفقيه المصري أن من حق المغتصبة أن تتخلص من هذا الجنين لأنه جاء من فعل اغتصاب وحشي ودون إرادة الأم…

الإنجاب في الإسلام، كما في كل الشرائع السماوية، ليس عملا ميكانيكيا.. إنه إرادة ومقصد ورغبة وثمرة وعاطفة وعلاقة شرعية وأسرة مستقرة، الغرض منه تعمير الأرض، وترك الخلف الصالح، والتمتع بالبنين والبنات.. زينة الحياة الدنيا… قال تعالى: «المال والبنون زينة الحياة الدنيا والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير أملا» (الآية).

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

زينة الحياة الدنيا زينة الحياة الدنيا



GMT 19:41 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

الاهتمام بلبنان في ظلّ إعادة تأسيسنا صاروخيّاً!

GMT 19:39 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

ثلاثية الكويت

GMT 19:36 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

محاكمة لجنة التحقيق!

GMT 19:35 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

فكرة بديلة فى الرى!

GMT 19:32 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

ما نعرفه حتى الآن

GMT 12:34 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

الشخصية اللبنانية كمزحة

GMT 12:32 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

لماذا يكره المتطرفون الفنانين؟

GMT 12:29 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

ارفع معنوياتك!

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 11:14 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم الإثنين 9 تشرين الثاني / نوفمير لبرج القوس

GMT 15:51 2020 الإثنين ,05 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم الجمعة 30 تشرين الأول / أكتوبر لبرج العذراء

GMT 11:04 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم الإثنين 9 تشرين الثاني / نوفمير لبرج العذراء

GMT 00:58 2020 الثلاثاء ,28 كانون الثاني / يناير

دراسة تحدّد الأطفال الأكثر عرضة لخطر السكري من النوع الثاني

GMT 19:55 2019 السبت ,07 أيلول / سبتمبر

رشيد دلال مساعدا للكيسر في تدريب أولمبيك آسفي

GMT 05:10 2016 السبت ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران تستضيف أعمال الفن العربي الحديث في متاحفها

GMT 07:35 2020 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

غوايدو يدعو الفنزويليين للاحتجاجات ضد مادورو

GMT 17:50 2019 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

وهبي يراسل وزير الصحة بشأن غياب دواء مرضى السرطان
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya