رسالة مفتوحة إلى سعادة السفير

رسالة مفتوحة إلى سعادة السفير

المغرب اليوم -

رسالة مفتوحة إلى سعادة السفير

توفيق بوعشرين

صباح الخير سيدي سفير الجمهورية العربية المصرية بالرباط

بلغني، سيدي السفير، من مصادر متعددة، أنك تطوف بملف صحافي على أجهزة الدولة المغربية ووزاراتها المتعددة، تشكو ما تعتبره مقالات لهذا العبد الضعيف تنتقد النظام المصري ورئيسه، الجنرال عبد الفتاح السيسي، الذي وصل إلى الحكم عن طريق انقلاب عسكري على رئيس منتخب، وبلغني أنك تحرض الحكومة المغربية على التحرك ضد الأقلام الصحفية التي تنتقد نظام بلادك، وتضرب على ذلك مثالا بما فعلته الأجهزة المصرية التي استدعت بعض الصحافيين المصريين الذين أخطؤوا في حق المغرب، ونبهتهم إلى ضرورة الإقلاع عن انتقاد المغرب ونظامه ورموزه في وسائل الإعلام، بمعنى أنك، سيدي السفير، تريد معاملة بالمثل في المغرب، وهذا له وصف واحد: «تصدير القمع خارج الحدود».

سيدي سفير الجمهورية العربية المصرية بالرباط، كاتب هذه السطور لا يتلقى تعليمات من أحد، وخط تحرير هذه الجريدة يصنع الضمير المهني للمشتغلين بها. نكتب بحرية ما نعتقده صوابا، وانسجاما مع مهام الصحافي، وأولاها أن ينتصر للديمقراطية ولحقوق الإنسان ولحرية التعبير ولكرامة البشر. إذا أخطأنا نعتذر، وإذا تجرأنا على الخطوط الحمراء ندفع الثمن وقلوبنا مطمئنة بأن الصحافة مهنة المتاعب، وأن قول الحقيقة واستقلالية الكلمة لهما كلفة…

سيدي السفير، ما كتبته عن انقلاب السيسي على مرسي، وعن مجازر رابعة، وعن أحكام الإعدام بالجملة في حق المعارضين في بلادك، وعن الخروقات الجسيمة لحقوق الإنسان في مصر، وعن تبعية القضاء لأجهزة المخابرات والدولة العميقة، وعن رداءة وسائل الإعلام المصرية في زمن الانقلاب، وخروجها عن المعايير المهنية والأخلاقية… كل هذا معروف، وكتبت مثله وأكثر منه صحف أوروبا وأمريكا وآسيا، بل إن المنظمات الحقوقية (أمنيستي وهيومن رايتس ووتش وفيريدم هاوس…) كلها تجمع على أن مصر دخلت بعد الانقلاب العسكري إلى نفق مظلم، وأن البلاد أصبحت جمهورية خوف من الطراز الأول، وأن الدماء التي سالت في الشوارع وأحكام الإعدام والسجن التي صدرت إلى الآن في حق جماعة الإخوان المسلمين وحركة 6 أبريل، وفصائل كثيرة من الشباب، تعطي النظام المصري الحالي «شرف» دخول تاريخ القمع المصري من أوسع أبوابه.

هل الخارجية الأمريكية والفرنسية والألمانية والإنجليزية والتركية وغيرها ممن تنتقد كل أسبوع سجل بلادك في مجال الحقوق والحريات.. هل كل هذه الدول متحاملة على النظام، كارهة للسيسي عاشقة لمرسي؟ هذه حقيقة لم تعد محل نقاش اليوم، النقاش هو كيف لمصر أن تخرج من هذه الأزمة بأقل الأضرار؟ وكيف السبيل لإبعاد البلاد عن السقوط في الحرب الأهلية؟

أكبر بلد عربي يغرق، للأسف، في الدم كل يوم، والبلاد بلا برلمان ولا مؤسسات ولا إعلام حر ولا قانون ولا حقوق ولا حتى منطق. البلاد، بعد سنتين على الثورة المضادة، مازالت تعيش على إعانات الخليج ومكرماته، ومازالت البلاد غارقة في الانتقام من طرف سياسي له وزنه في المجتمع المصري، ثم إن الانتقام بدأ بالإسلاميين، وامتد إلى العلمانيين، وإلى الشباب، وإلى الإعلام الحر، وإلى المنظمات الحقوقية، وإلى ثوار يناير، وكل هذا من أجل الرجوع بالبلاد إلى زمن ما قبل 2011.

لا أعرف دولة توسع من صفة الإرهاب لتضفيه على كل معارضيها كما تفعل مصر اليوم، هذا يجعل قطاعات واسعة من المجتمع «إرهابية»، والنتيجة أن الدولة، بوعي أو دونه، توسع من رقعة الإرهاب، ومن ثم تعجز عن محاربته، والأخطر أن العنف والقتل والبطش يولد العنف والتطرف في الجهة المقابلة، فتدخل الدولة في دائرة دمار مغلقة. انظروا إلى بريطانيا، حتى عندما تعرضت لضغوط شديدة من قبل اللوبي الصهيوني لاعتبار حماس منظمة إرهابية، ماذا فعلت؟ بالدهاء الإنجليزي العريق، ميزت بين الذراع العسكري لحماس، أي كتائب القسام، وبين حماس كحركة سياسية، فاعتبرت القسام حركة إرهابية ولم تسحب الوصف ذاته على حماس، لتبقي لنفسها خط الرجعة، بل إن توني بلير، مبعوث الرباعية إلى الشرق الأوسط، التقى رئيس المكتب السياسي لحماس خالد مشعل أكثر من مرة…

سيدي السفير، يشهد الله أن كل ما كتبته عن مصر ينطلق من حب هذا البلد، والحرص على سلامته، والخوف على استقراره، وتقدير موقعه الثقافي والحضاري في العالم العربي، لكن الذي يحب شخصا أو بلدا يقول له الحقيقة، والحقيقة اليوم أن مصر انزلقت إلى فتنة كبيرة، وأن زمن الانقلابات انتهى، وزمن الحكم بالحديد والنار انتهى، لهذا فإن مصر تبحر اليوم ضد التيار وضد العصر ومنطق الأشياء.. الثورة المصرية اليوم خمدت لكن شرارتها باقية تحت الرماد، وأكبر من ينفخ فيها اليوم هو النظام وسياساته وقراراته وأحكامه، وبيننا الزمن يا سعادة السفير..

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

رسالة مفتوحة إلى سعادة السفير رسالة مفتوحة إلى سعادة السفير



GMT 19:41 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

الاهتمام بلبنان في ظلّ إعادة تأسيسنا صاروخيّاً!

GMT 19:39 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

ثلاثية الكويت

GMT 19:36 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

محاكمة لجنة التحقيق!

GMT 19:35 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

فكرة بديلة فى الرى!

GMT 19:32 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

ما نعرفه حتى الآن

GMT 12:34 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

الشخصية اللبنانية كمزحة

GMT 12:32 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

لماذا يكره المتطرفون الفنانين؟

GMT 12:29 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

ارفع معنوياتك!

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 11:14 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم الإثنين 9 تشرين الثاني / نوفمير لبرج القوس

GMT 15:51 2020 الإثنين ,05 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم الجمعة 30 تشرين الأول / أكتوبر لبرج العذراء

GMT 11:04 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم الإثنين 9 تشرين الثاني / نوفمير لبرج العذراء

GMT 00:58 2020 الثلاثاء ,28 كانون الثاني / يناير

دراسة تحدّد الأطفال الأكثر عرضة لخطر السكري من النوع الثاني

GMT 19:55 2019 السبت ,07 أيلول / سبتمبر

رشيد دلال مساعدا للكيسر في تدريب أولمبيك آسفي

GMT 05:10 2016 السبت ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران تستضيف أعمال الفن العربي الحديث في متاحفها

GMT 07:35 2020 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

غوايدو يدعو الفنزويليين للاحتجاجات ضد مادورو

GMT 17:50 2019 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

وهبي يراسل وزير الصحة بشأن غياب دواء مرضى السرطان
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya