دموع التماسيح

دموع التماسيح

المغرب اليوم -

دموع التماسيح

توفيق بوعشرين

اجتمع قادة الاتحاد الأوروبي الأسبوع الماضي، وذرفوا الدموع على 1000 مهاجر سري قضوا نحبهم في عرض البحر الأبيض المتوسط في أقل من أسبوع، وبالضبط في شواطئ إيطاليا.. أطلقوا كلاما جميلا في الهواء حول هذه المأساة وأسبابها وصورها الصادمة، لكنهم عندما مروا إلى الحلول مسحوا دموع التماسيح، وبلعوا ألسنة الرحمة، ونزعوا معاطف الرهبان، وقرروا اتخاذ إجراء واحد فعال وقوي لمنع المهاجرين السريين من ركوب أهوال البحر، وللحفاظ على أرواحهم على الشاطئ. ماذا قرر زعماء أكبر وأغنى تجمع إقليمي في العالم؟ قرروا قصف مراكب الهجرة السرية قبل إقلاعها محملة بالنفوس البشرية!

يا سلام.. كم هي أوروبا إنسانية وحنونة ومتفهمة لمشاكل الجنوب ولآلام الآخرين! لم يتخذوا قرارا لصرف 10 أو 20 مليار أورو لمساعدة البلدان المصدرة للهجرة، ولم يقرروا تسهيل إجراءات الحصول على التأشيرات، وتخفيف الحصار المضروب على المهاجرين العرب والأفارقة الراغبين في الانتقال إلى الضفة الأخرى، ولم يقرروا التدخل لإخماد الحروب وبؤر التوتر التي تدفع البشر إلى مغادرة مسقط رأسهم بحثا عن الأمان ولقمة العيش… لم يفكروا في كل هذا لأنهم لا يستمعون إلا لرجال الأمن وحرس الحدود، لهذا قرروا قصف المراكب المعدة لنقل المهاجرين إلى عرض سواحل الإلدورادو الأوروبي، حتى لا يموت أحد في مياههم الإقليمية، وحتى لا تضغط صور المأساة على صانع القرار، وحتى لا يهتم الرأي العام في أوروبا بمشكل لا أحد من السياسيين يريد تحمل كلفة حله… الحل أن يموت المهاجرون واللاجئون والفقراء والجوعى والخائفون في بلدانهم، وألا يصدروا أزماتهم إلى الاتحاد الأوروبي. هنا لا أحد يسمع صوتهم ولا أحد يدافع عنهم، إذن، ليموتوا في شواطئهم لا في شواطئنا…

هذا الحل الجبان هو نفسه الحل الذي تقترحه النكتة الفرنسية كعلاج للعنصرية.. تقول: «هناك حل جذري للعنصرية في أوروبا، وهو حل سهل وعملي ونهائي ولن يكلف شيئا.. لنرحل كل الأجانب من أوروبا إلى بلدانهم الأصلية، وعندها لن يجد اليمين المتعصب مبررا ليكون عنصريا.. لن يجد المبرر في اليوم الموالي لتنفيذ هذا القرار. لن يعثر اليمينيون على مسلم أو أسود أو أجنبي ليحرضهم على أن يكونوا عنصريين…».

هذا هو الحل الذي يقترحه الاتحاد الأوروبي اليوم، بعد أن جرب الهجرة الانتقائية، وبعد أن جرب الأسوار الشائكة، والترحيل القسري، والإبعاد المؤدى عنه، وإغراق المهاجرين في عرض البحر، وتعزيز ترسانة كاملة لحماية حدوده… ها هو الآن يمر إلى السرعة القصوى.. سيقصف المراكب التي تنوي حمل المهاجرين إلى أوروبا، وكأن هذه المراكب مسجلة باسم شركة دولية متخصصة في الهجرة السرية تحمل أعلاما خاصة وأسماء خاصة ورقما دوليا لرحلاتها! هذا ضحك على الذقون، وضوء أخضر لاستعمال القوة العسكرية لقتل المهاجرين في موطنهم وقبل أن يقلعوا صوب الجنة الأوروبية.

أوربا عاجزة عن حل مأساة قوارب الموت، ومأساة عشرات الآلاف الذين يهربون من الحرب والجوع والفوضى والفقر وعدم الاستقرار قاصدين القارة العجوز. إذا كنا نعيش في قرية واحدة، وإذا كنا نغني كل يوم للتضامن الدولي والتعايش الإنساني والمسؤوليات المشتركة، وإذا كانت الدول كلها وقعت على ميثاق الأمم المتحدة ودخلت إلى البيت الزجاجي في نيويورك كأسرة واحدة متضامنة في السراء والضراء، فعلى الجميع أن يتحمل جزءا من فاتورة الحفاظ على حياة وكرامة البشر، وعلى الغني والقوي أن يقدما المثال عن التحضر البشري، وأن يمدا يد العون إلى المحتاج… كل القوانين الوطنية تعاقب الشخص الذي لا يمد يد العون إلى المحتاج، وتجرم هذه الأنانية، لكن في مجتمع الدول لا يوجد قانون ولا أعراف ولا إنسانية ولا رحمة…

الهجرة ظاهرة بشرية لها تاريخ عريق، وهي أقدم من الدول والحدود والتأشيرات وجوازات السفر. أوروبا التي تبني أسوارا من حديد على نفسها اليوم هي أكثر قارة استفادت من الهجرة إلى أمريكا واستراليا وآسيا وحتى إفريقيا. لقد رحلت أوروبا قبل قرنين ونصف مئات الآلاف من غير المرغوب فيهم لأسباب عدة، دينية واجتماعية واقتصادية وحتى إجرامية، إلى أمريكا، وحلت مشاكل كثيرة بهذه الهجرة، ومن بريطانيا لوحدها هاجر بين الحربين العالميتين الأولى والثانية أكثر من 11 مليون إنجليزي إلى أمريكا واستراليا ونيوزيلندا وغيرها. إسبانيا هي آخر بلد في أوروبا استفاد من هجرة ملايين مواطنيها الذين هربوا من فقر بلدهم وقمع فرانكو وتعصب الكنيسة، والآن نسوا كل هذا التاريخ، واتفقوا على حظر الهجرة في وجه الأفارقة والعرب. هذا ليس له اسم غير النفاق والأنانية والعجز الأخلاقي والسياسي عن تحمل المسؤولية.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

دموع التماسيح دموع التماسيح



GMT 19:41 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

الاهتمام بلبنان في ظلّ إعادة تأسيسنا صاروخيّاً!

GMT 19:39 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

ثلاثية الكويت

GMT 19:36 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

محاكمة لجنة التحقيق!

GMT 19:35 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

فكرة بديلة فى الرى!

GMT 19:32 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

ما نعرفه حتى الآن

GMT 12:34 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

الشخصية اللبنانية كمزحة

GMT 12:32 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

لماذا يكره المتطرفون الفنانين؟

GMT 12:29 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

ارفع معنوياتك!

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 11:14 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم الإثنين 9 تشرين الثاني / نوفمير لبرج القوس

GMT 15:51 2020 الإثنين ,05 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم الجمعة 30 تشرين الأول / أكتوبر لبرج العذراء

GMT 11:04 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم الإثنين 9 تشرين الثاني / نوفمير لبرج العذراء

GMT 00:58 2020 الثلاثاء ,28 كانون الثاني / يناير

دراسة تحدّد الأطفال الأكثر عرضة لخطر السكري من النوع الثاني

GMT 19:55 2019 السبت ,07 أيلول / سبتمبر

رشيد دلال مساعدا للكيسر في تدريب أولمبيك آسفي

GMT 05:10 2016 السبت ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران تستضيف أعمال الفن العربي الحديث في متاحفها

GMT 07:35 2020 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

غوايدو يدعو الفنزويليين للاحتجاجات ضد مادورو

GMT 17:50 2019 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

وهبي يراسل وزير الصحة بشأن غياب دواء مرضى السرطان
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya