دستور حزين في ذكراه الرابعة

دستور حزين في ذكراه الرابعة

المغرب اليوم -

دستور حزين في ذكراه الرابعة

توفيق بوعشرين

في مثل هذا اليوم، قبل أربع سنوات، ولد دستور الملك محمد السادس، الذي أزاح دستور الملك الراحل الحسن الثاني الذي وُضع في سنة 1962، وظل يكبل النمو السياسي والديمقراطي للمملكة منذ ذلك الحين وإلى 2011، رغم ما أدخل عليه من تعديلات ورتوش لم تغير أبدا من طبيعته كدستور يعكس موازين القوى بين الحاكم والمحكوم…س

دستور 2011 لم يكن وثيقة قانونية لتنظيم السلطة في البلاد فقط.. كان أكثر من هذا. الدستور كان وعدا مكتوبا بمداد الربيع العربي بين الملك والشعب.. وعد يقضي بوضع المملكة على سكة تحول ديمقراطي حقيقي.. وعد بإدخال مطالب الشارع الذي تحرك في 20 فبراير إلى منظومة الحكم تحت شعار الإصلاح في ظل الاستقرار… دارت عجلة السياسة، وصودق على الدستور بنسبة 98.4٪ من الأصوات المعبر عنها، حسب أرقام وزارة الداخلية، وعرف المغرب انتخابات تشريعية سابقة لأوانها وبرلمانا جديدا وحكومة جديدة وأول رئيس للحكومة، بعد أن كان المسؤول عن الجهاز التنفيذي يسمى وزيرا أول.. فقط إمعانا في التقليل من شأنه وتقزيم صلاحياته.

بعد أربع سنوات من كتابة هذا النص الدستوري خرج رئيس الحكومة، عبد الإله بنكيران، حديثا ليقول للمغاربة: «إنني أطبق الدستور وفي الوقت نفسه أراعي الواقع، والواقع أقوى من الدستور»… هذه الجملة الصغيرة التي خرجت من لسان رئيس الحكومة تلخص كلاما كثيرا عن موقع الوثيقة الدستورية في البلاد.. المملكة مازالت تحت تأثير الدستور غير المكتوب وموازين القوى وحقائق الأمر الواقع.

قبل المصادقة على الدستور الحالي في فاتح يوليوز سنة 2011، كانت هناك ثلاثة مواقف من هذا المشروع الذي وضعته، لأول مرة، لجنة استشارية مغربية عينها الملك محمد السادس. كان الموقف الأول يصفق للدستور بدون تحفظ، باعتباره أسمى ما يمكن أن يعطيه ملك لشعبه، وهذا موقف جل الأحزاب السياسية والقوى المحافظة التي لم تكن تطالب أصلا بتغيير دستور الحسن الثاني، وكانت ترى في الدستور القديم وثيقة صالحة لكل زمان ومكان. وكان الموقف الثاني رافضا للدستور من منطلق أنه وضع خارج الآلية المتعارف عليها ديمقراطيا، أي لجنة تأسيسية منتخبة من قبل الشعب، وأصحاب هذا الموقف كانوا يرون أن الدستور الحالي قلص من نفوذ الملكية التنفيذية لكنه لم يؤسس للملكية البرلمانية ولا للفصل بين السلط بشكل واضح، ومن ثم فإن هذا الدستور لن يدخل البلاد إلى عهد الديمقراطية ودولة الحق والقانون. أما الموقف الثالث الوسط بين هاذين الموقفين، فهو ذلك الذي اعتبر أن الدستور الجديد حقق قفزة نوعية في التطور الدستوري للمملكة، وأن هذا الدستور، الذي تنازل فيه الملك عن سلطات مهمة لرئيس الحكومة، يعتبر دستورا صالحا لإدارة المرحلة الانتقالية، في انتظار أن تنضج الظروف للوصول إلى دستور الملكية البرلمانية على الطراز الأوروبي. هؤلاء كانوا يرون أن النص الدستوري الحالي مفتوح على التطوير والتأويل الديمقراطي الذي سيدفع مضامينه الإصلاحية إلى الأمام، وسيرجع جوانبه المحافظة إلى الوراء. هذه، باختصار، كانت المواقف الثلاثة التي عبر عنها الطيف السياسي المغربي من الوثيقة الدستورية، لكن المفارقة أن أحدا لم يلتفت إلى أن دستور محمد السادس وضع في أيدي نخبة الحسن الثاني، أشخاصا وثقافة وتقاليد ومزاجا، وأن هؤلاء هم من كلفوا بتطبيقه رغم أنهم غير مقتنعين به، أو غير متحمسين له.

دستور 2011 لم يكن محظوظا في المغرب الرسمي.. في وسط الدولة ظهر اتجاه مناوئ لهذا الدستور. منذ الأيام الأولى اعتبر هذه الوثيقة فلتة ونتيجة تسرع في قراءة الربيع المغربي، وأن المخزن ما كان عليه أن يقدم كل هذه التنازلات في مواجهة سحابة صيف سرعان ما مرت. ووسط الحكومة أيضاً لم يكن الدستور محظوظا، ذلك أن السيد عبد الإله بنكيران، الذي أصبح أول رئيس حكومة ما بعد الدستور الجديد، لم يكن من الداعين إلى تغيير الدستور القديم، وكان مستعدا قبل الربيع العربي لأن يتعايش معه، حتى إنه كأمين عام لحزب العدالة والتنمية كان ضد تشكيل لجنة داخلية للتفكير في المسألة الدستورية، وعندما تشبث حزب المصباح بهذه اللجنة، جمدها الأمين العام للحزب، ولم يدع إلى انعقادها طيلة 3 سنوات، إلى أن جاء خطاب الملك في التاسع من مارس 2011، ودعا الأحزاب إلى تقديم مقترحات للجنة المنوني حول تعديل الدستور.. عندها فقط اجتمعت لجنة التعديلات الدستورية في حزب العدالة والتنمية… بقية قصة هذه الحكومة مع الدستور معروفة، فقد اعتبرت أن الأصل هو التطبيع مع القصر، والابتعاد عن أي جدل أو نقاش في الصلاحيات بين المؤسسات، أما الدستور فليس أكثر قوة من الواقع.

الدستور المسكين لم يكن له حظ حتى مع المعارضة البرلمانية، التي كان من المفروض أن تتشبث بنصوصه وبالتأويل الديمقراطي لتوثيقه. المعارضة عندنا تعارض الحكومة وتوالي الحكم، وتبلع لسانها عندما ترى بنكيران يتنازل عن صلاحياته، أما عندما يملأ رئيس الحكومة بعضا من مكانته الدستورية فالمعارضة تطلق النار عليه، وآخر مهازل هذه المعارضة هي تقديم شكوى إلى القصر ضد بنكيران، ودعوة لشكر والباكوري وشباط الملك إلى التدخل لإغلاق فم بنكيران، وكأن هذا الأخير تلميذ في الفصل، وليس رئيس حكومة منتخبا ويعبر عن إرادة الأمة التي انتخبته.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

دستور حزين في ذكراه الرابعة دستور حزين في ذكراه الرابعة



GMT 19:41 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

الاهتمام بلبنان في ظلّ إعادة تأسيسنا صاروخيّاً!

GMT 19:39 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

ثلاثية الكويت

GMT 19:36 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

محاكمة لجنة التحقيق!

GMT 19:35 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

فكرة بديلة فى الرى!

GMT 19:32 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

ما نعرفه حتى الآن

GMT 12:34 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

الشخصية اللبنانية كمزحة

GMT 12:32 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

لماذا يكره المتطرفون الفنانين؟

GMT 12:29 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

ارفع معنوياتك!

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 19:20 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

حظك اليوم الأربعاء 2 كانون الأول / ديسمبر لبرج الجدي

GMT 06:36 2018 السبت ,08 أيلول / سبتمبر

تمتع بمغامرة فريدة في أجمل مدن "مولدوفا"

GMT 11:44 2017 الثلاثاء ,19 كانون الأول / ديسمبر

المؤجلات… موت التشويق

GMT 22:25 2015 السبت ,12 كانون الأول / ديسمبر

المانجو فاكهة النشاط والتفاؤل

GMT 15:47 2018 الثلاثاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

أفكار مميزة لتجديد حديقة منزلك بدون تكاليف في الشتاء

GMT 18:25 2018 الأربعاء ,27 حزيران / يونيو

لمسات بسيطة تضفي مزيدًا من الجمال على شرفات منزلك
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya