داعش ابننا الشرعي

داعش ابننا الشرعي

المغرب اليوم -

داعش ابننا الشرعي

توفيق بوعشرين

النار التي أحرقت الطيار الأردني معاذ الكساسبة على يد تنظيم داعش في العراق وسوريا، نار اشتعلت في المنطقة العربية والشرق أوسطية منذ سنوات طويلة، والآن فقط أصبحت ظاهرة للعيان، تصدم الرأي العام، وتزرع الخوف في نفوس البشر، وتذكرهم بتاريخ البربرية الذي عاشوه ولم يعودوا يرونه إلا في كتب التاريخ ومعروضات المتاحف…

داعش ورغم ما قيل عنه، وعن أيدي المخابرات السورية والإيرانية والسعودية في ميلاده، هو ابن شرعي للنظام العربي، خرج مسلحوه ووحوشه من رحم المنطقة دولا ومجتمعات.

داعش نبتة أصلية صاعدة من تربة الاستبداد العربي الذي قتل الحرية والتعددية والديمقراطية، وأعدم الحاسة النقدية تجاه المقدس سياسة ودينا، وجرف الحياة السياسة حتى لم يعد في يد المهمشين والمقصيين سوى آلة الردع الديني في أبشع صورها.

كان منظر الحرب الأبرز في التاريخ الحديث، نابليون بونابرت، يقول حكمة مشهورة ملخصها: «لا تدفع بعدوك إلى الزاوية الضيقة، بحيث لا يستطيع أن يهرب أو يستسلم، عندها سيخرج قوة رهيبة من حس البقاء لديه، وقد يدمرك أو يدمر ذاته. دائماً اترك لعدوك مخرجا يغطي به بعض خساراته، فاوضه على أقل الخسارات، ولا تقاتله على أقل الانتصارات». هذا بالضبط ما لم تأخذ به القوى العربية والإقليمية كلها حيث حشرت شعوبها في مأزق كبير، فلم يعد أمامها سوى الانتحار.

داعش الذي يحرق البشر أحياء، ويأكل قلوب ضحاياه أمام الكاميرا، ويرجم النساء في الشوارع، ويعلن البيعة لأمير المؤمنين البغدادي سمعا وطاعة بلا جدال ولا انتخاب ولا معارضة.. داعش هذا ابننا المسجل في الحالة العائلية للتطرف والتشدد والجمود الديني الذي مازال يقيد فكر وعقل ويد المجتمعات العربية، التي مازالت تطبع كتب فقه الحرب العائدة إلى القرون الوسطى والحروب الصليبية، وتروج فتاوى ابن تيمية وآراء فقهاء من زمن مضى، وتحكِّم الأموات الذين اندثرت قبورهم في شؤون الأحياء الذين يواجهون عصرا آخر وثقافة أخرى، وموازين قوى مغايرة تماماً للتي كانت سائدة أيام الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان وبغير إحسان…

قرأت الكثير عن قصة نشوء داعش وتركيبتها وإيديولوجيتها، وحاورت بالإيميل بعض السوريين الذين يعيشون تحت جحيم الراية السوداء في سوريا، والخلاصة التي خرجت بها هي أن الداعشي مجرم وضحية في الوقت نفسه، فاعل ومفعول به، مقاتل لا يعرف ساحة المعركة، ميلشيا جهادية عابرة للحدود مسلحة بآخر ما أنتجت المصانع الأمريكية والأوروبية من سلاح، لكن عقلها أعزل من أي سلاح فكري أو سياسي، لهذا فإن تنظيم الدولة اليوم أكبر من يضر بالمسلمين وصورتهم حول العالم، وأكبر من يضر بالربيع العربي الذي لاح قبل أربع سنوات، وأعطى الشباب خيارا ثالثا غير الخضوع للاستبداد أو الارتماء في أحضان القاعدة وأخواتها. الربيع العربي أحيى خيار الاحتجاج السلمي في الشارع العام وأدوات التغيير الحضارية التي تحمل بذور فكر متحرر، لكن المحاولة أجهضت بالمال الخليجي وأدوات الدولة العميقة وتآمر إسرائيل وأمريكا والغرب، الذين مسهم الرعب من تحكيم صندوق الاقتراع في موارد وثروات وسياسات منطقة حيوية للمصالح والمطامع الغربية. داعش اليوم، أراد أم أبى، هو أكبر داعم لخطط إسرائيل وأمريكا لتقسيم المنطقة، وتركها كتلة لهب مشتعلة تهدد أعداء واشنطن وأصدقاءها على السواء. داعش اليوم يقدم أكبر خدمة لإيران التي تتمدد بسهولة ويسر تحت شعار مقاومة الإرهاب السني لصالح الاعتدال الشيعي، في حين أن عصائب أهل الحق ومليشيات الحشد الشعبي وجيش المهدي وعشرات المليشيات المدعومة من إيران ومن مرجعيات النجف وقم تقتل وتسبي وتعذب، وترتكب جرائم لا تختلف في شيء عما يقوم به داعش.. الفرق أن هؤلاء يوثقون جرائمهم في اليوتوب، والآخرون يقتلون في الظلام بلا كاميرات…

داعش ثمرة في شجرة الدولة العربية الفاشلة.. داعش الفاتورة الثقيلة التي يؤديها العرب جراء التأخر في ورش الإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي والديني. داعش رد فعل على جرائم إسرائيل لمدة 60 سنة في فلسطين وجرائم CIA والجيش الأمريكي في العراق.. داعش هو القيح الذي يخرج من الجرح السوري الذي ظل مفتوحا لمدة طويلة…

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

داعش ابننا الشرعي داعش ابننا الشرعي



GMT 19:41 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

الاهتمام بلبنان في ظلّ إعادة تأسيسنا صاروخيّاً!

GMT 19:39 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

ثلاثية الكويت

GMT 19:36 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

محاكمة لجنة التحقيق!

GMT 19:35 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

فكرة بديلة فى الرى!

GMT 19:32 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

ما نعرفه حتى الآن

GMT 12:34 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

الشخصية اللبنانية كمزحة

GMT 12:32 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

لماذا يكره المتطرفون الفنانين؟

GMT 12:29 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

ارفع معنوياتك!

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 18:57 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

حظك اليوم الأربعاء 2 كانون الأول / ديسمبر لبرج الثور

GMT 14:07 2016 الجمعة ,16 أيلول / سبتمبر

الأبنوس

GMT 15:05 2019 الثلاثاء ,11 حزيران / يونيو

نيمار يبلغ سان جيرمان برغبته في الرحيل هذا الصيف

GMT 14:42 2018 الأربعاء ,19 كانون الأول / ديسمبر

السالمية الكويتي يبدأ مشواره العربي بلقاء الشبيبة الجزائري

GMT 15:23 2018 الإثنين ,15 كانون الثاني / يناير

سنوات يفصلها رقم

GMT 11:24 2019 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

الملك محمد السادس يرسل برقية تعزية إلى الرئيس الكاميروني

GMT 13:45 2019 الثلاثاء ,04 حزيران / يونيو

أول صالون تجميل يستقبل المحجبات في نيويورك

GMT 23:50 2019 الأحد ,02 حزيران / يونيو

باتريس كارتيرون يُراقِب العائدين من الإعارة

GMT 00:14 2019 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

السعودية تنفذ حكم القتل تعزيرًا في حق صدام حسين
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya