توفيق بو عشرين
الدفاع عن قضية الصحراء في أوروبا وأمريكا وحتى إفريقيا يتطلب آلة دبلوماسية قوية وهجومية، لكن قبل هذا يحتاج الخطاب الدبلوماسي إلى ذكاء، وحججه القانونية إلى تحيين، ومرافعاته السياسية إلى تجديد، وخطابه الإعلامي إلى لغة عصرية ومعرفة دقيقة بطبيعة المخاطب وعقليته وثقافته ومنظوره لقضايا الوحدة والانفصال وحقوق الإنسان وتقرير المصير…
دعونا في البداية نبعد من فوق الطاولة الخطاب القديم والتقليدي للدفاع عن قضية الصحراء، وهو خطاب في مجمله موجه للاستهلاك الإعلامي الداخلي.. خطاب نحت في أجواء الحرب التي كانت دائرة في رمال الصحراء في السبعينات والثمانينات، من مثل: «المغرب في صحرائه والصحراء في مغربها»، ومن مثل: «ارتباط القبائل الصحراوية بالبيعة لأمير المؤمنين»، ومن مثل: «البوليساريو جماعة مرتزقة باعت نفسها للجزائر»، ومن مثل: «اختراق القاعدة للبوليساريو»، ومن مثل: «احتجاز الجزائر للصحراويين في مخيمات تندوف»…
هذا قاموس تقليدي لا ينفع في أوروبا وأمريكا، الذي يمكن أن يكون خطابا مقبولا وعقلانيا ومعززا بملفات ووثائق ودراسات وشهادات ولوبي قوي يسوقه هو الخطاب الذي يركز، أولا، على أن قضية الصحراء تاريخيا هي جزء من صراع إقليمي بين المغرب وليبيا القذافي أولا، وبين المغرب والجزائر ثانيا، وأن البوليساريو ولدت كحركة احتجاج على استعمار إسبانيا للصحراء، وبعد ذلك تحولت إلى حركة معارضة لانتهاكات حقوق الإنسان في الصحراء، قبل أن تصير حركة انفصالية بدعم من المخبول معمر القذافي، ثم جنرالات الجزائر الذين خرجوا مجروحي الكرامة من حرب الرمال، وكانوا يبحثون عن أي حصى يضعونها في الحذاء المغربي وحتى وإن لم تكن هناك قضية الصحراء في الجنوب كانوا سيخترعون قضايا أخرى للانتقام من المغرب.
البوليساريو الآن حركة تطالب بالانفصال، ونحن لا نعرف حجم تمثيليتها للصحراويين في مخيمات تندوف لأن الجزائر تمنع المفوضية الدولية للاجئين من إحصاء هؤلاء على أراضيها، ولهذا ينازع المغرب في الصفة التمثيلية للبوليساريو، لكننا نعرف أن حوالي ربع مليون صحراوي في المغرب، من الشمال إلى الجنوب، يعرفون أنفسهم كمغاربة، ويرفضون الانفصال، ويشاركون في انتخابات المدن والجهات والبرلمان، وفيهم وزراء وسفراء وعمال وولاة وتجار ومدراء كبار وصغار في الإدارة والقطاع الخاص. هؤلاء وغيرهم، وإن كان صوتهم غير مسموع، فلا يجب على العالم أن يتجاهلهم، أو أن يعتبر الانفصال هو الأصل والوحدة هي الاستثناء. الذي يعبر عن رأيه السياسي بلا سلاح ولا ألغام ولا تحالف مع دول أخرى لا يمكن أن يعتبر أقل شأنا من الذي يحمل السلاح ويطوف حول العالم بحقائب الدولار الجزائري… الطرفان على قدم المساواة، فكيف نعرف رأي الصحراويين في تقرير مصير الإقليم؟ بالاستفتاء؟ نعم الاستفتاء واحدة من الآليات الممكنة في القانون الدولي لتقرير المصير، والمغرب قبل هذا المبدأ منذ أكثر من 30 سنة، لكن بعد أن بدأت الأمم المتحدة في إحصاء السكان وتسجيل من يحق له التصويت في الاستفتاء ومن لا يحق له، وصل الجميع إلى الباب المسدود، ولم نعرف كيف نحسم في الهيئة الناخبة لأن الصحراوي ليس عرقا ولا لغة ولا ديانة ولا مذهبا، هم قبائل كان الترحال نمط عيشهم. ومنذ أن استرجع المغرب الصحراء قبل 40 سنة عرفت الأقاليم الجنوبية حركات دخول وخروج واستقرار وتنقل كبيرة، فهل سنحرم شابا ولد في الصحراء منذ 30 سنة من أبوين ينحدران من مدينة سطات أو طنجة أو وجدة من التصويت في الصحراء على تقرير مصير الأرض التي ولد فيها بدعوى أن شيخ قبيلة لا يعرف أباه الذي استقر في الصحراء قبل 30 سنة؟ كيف نسمح لباراك أوباما أن يصير رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية رغم أن والده مسلم من إفريقيا نزح قبل عقود إلى أمريكا؟ وكيف يسمح الغرب لعمدة روتردام بأن يصير حاكما لثاني مدينة في هولندا رغم أنه ولد في المغرب، وهاجر صغيرا إلى بلاد الأبقار والقشدة، ولا نسمح لمغربي ولد في العيون أو السمارة أو الداخلة بالتصويت لتقرير المصير في الصحراء؟
أيها السادة، عندما وصل مشروع الاستفتاء إلى الباب المسدود، التزم المغرب، مع ذلك، بقرار مجلس الأمن القاضي بوقف إطلاق النار، والدخول في مفاوضات سلمية لإيجاد حل لقضية الصحراء، وهنا كانت الرباط منفتحة على مختلف الحلول، إلى أن جاء مشروع الحكم الذاتي الموسع، حيث لا تحتفظ الرباط سوى بالعَلم والعملة، والباقي كله مفتوح لأبناء المنطقة ليقرروا فيه عن طريق انتخابات حرة ونزيهة وبمراقبة دولية، أليس الحكم الذاتي هو الآلية المعتمدة في كل أوربا لإدارة المناطق التي تنتعش فيها المطالب الانفصالية؟… هذا المشروع مازال على الطاولة، والطرف الآخر هو الذي يرفض حتى مناقشته، وفي المقابل لا يطرح بديلا للخروج من النفق، وأكثر من هذا مازال يلوح باحتمال العودة إلى حمل السلاح، فما العمل؟ هل الاعتراف له بدولة على الأراضي الجزائرية سيقربنا من الحل أم سيبعدنا عنه؟ لقد جربت دول كثيرة الاعتراف بهذا الكيان، لكن رجعت جلها وسحبت اعترافها قناعة أو مناورة. الآن الملف في يد الأمم المتحدة، ومادام مجلس الأمن يجدد كل سنة توصياته لإيجاد حل لهذا النزاع الموروث عن الحرب الباردة فما على الجميع إلا الانتظار…
هل المغرب جنة حقوق الإنسان؟ الجواب: لا، هناك تجاوزات لحقوق الإنسان في الجنوب كما في الشمال، والدولة اعترفت بمسؤوليتها عن الانتهاكات السابقة لحقوق الإنسان في الصحراء، ووضعت هيئة للإنصاف والمصالحة، وقامت هذه الأخيرة بتعويض الضحايا وعائلاتهم في الشمال كما في الجنوب، والآن تبذل السلطات الأمنية والإدارية، بمساعدة المجلس الوطني لحقوق الإنسان، مجهودات معترفا بها من قبل جل المنظمات الدولية لحقوق الإنسان لتحسين مدونة سلوكها، حتى إن «أمنيستي» اتخذت من المغرب موضوعا للتركيز عليه في محاربة التعذيب هذه السنة، وفسرت ذلك بالقول إن المغرب بلد يملك مقومات أن يكون نموذجا في الجنوب لدولة على الطريق للتخلص من التعذيب الممنهج… هل الاعتراف بالجمهورية الصحراوية سيحسن من أوضاع حقوق الإنسان في الصحراء؟ العكس هو الذي سيقع، لأن هذا الاعتراف بالجمهورية الصحراوية من قبل السويد أو أية دولة أخرى سيشجع الشبان الانفصاليين في الداخل على اللجوء أكثر إلى العنف والشغب، وهذا سيستفز السلطات الأمنية لترد بقوة.
هل المغرب يستغل ثروات المنطقة الجنوبية ويحرم السكان المحليين منها؟ هذا غير صحيح، والدليل ليس كلام المسؤولين المغاربة فهم طرف، الدليل هو دراسة قانونية قام بها مكتب محاماة كبير في بريطانيا، وخلص إلى أن المغرب، مثلا، في موضوع الفوسفاط لا يستفيد شيئا من منجم بوكراع، وأن المناجم الكبيرة والمهمة هي تلك الموجودة في خريبكة، وأن المكتب الشريف للفوسفاط يبقي منجم بوكراع مفتوحا لأسباب اجتماعية وليست اقتصادية، وذلك ليحتفظ بمئات البيوت مفتوحة من وراء العمل فيه، وأن مصاريف منجم بوكراع أكثر من مداخيله… والذي يشكك في هذه الحقيقة ما عليه إلا أن يزور المنطقة، وأن يحقق في الأمر على الأرض لا في خطاب الدعاية الجزائرية…
بين أيدينا ملف قوي لكن المحامي ضعيف للأسف الشديد.