حقائق لا يجب أن تغيب عن أحد

حقائق لا يجب أن تغيب عن أحد

المغرب اليوم -

حقائق لا يجب أن تغيب عن أحد

توفيق بو عشرين


النقاش والسجال، وحتى البوليميك، حول مسودة القانون الجنائي مسألة إيجابية وصحية في مجتمع محافظ مثل مجتمعنا، ففي بلاد جل القرارات والسياسات والاختيارات فيها تنزل من أعلى، فإن إطلاق نقاش فكري وسياسي وإيديولوجي، وحتى ديني، حول الاختيارات الكبرى لقانون الجريمة والعقاب أمر لا يخلو من فائدة، بل من فوائد كثيرة.

كاتب هذه السطور كان ومازال رأيه أن نبقي المؤسسة الملكية كآخر خط للدفاع عن التعايش بين كل الفرقاء للحؤول دون الانقسام، مثل ما وقع في حالة الخطة الوطنية لإدماج المرأة في التنمية. وأن نترك المبادرة للمجتمع ليتعلم كيف يتناقش ويتفاوض ويتنازل لبعضه بعضا حول القضايا الجوهرية والخلافية، ويبحث عن حلول وسطى وعن صيغ للتعايش، وهذا هو ما يكسبه النضج والحيوية والخبرة، أما أن نرفع أية قضية خلافية إلى الجالس على العرش، وأن نُحسم دائما الأمور من فوق، فهذا لا يشجع المجتمع على النمو والتطور كما هي المجتمعات الحية اليوم، التي اضطر بعضها إلى خوض حروب قاتلة، كحرب 30 سنة في أوروبا مثلا، وحرب تحرير العبيد في أمريكا، وحروب السنة والشيعة اليوم في العراق وسوريا…

هناك حقائق يجب ألا تغيب عن أحد ونحن نناقش قانون الحلال والحرام، إن صح التعبير، ومن هذه الحقائق أننا مجتمع متعدد مختلف وفيه أطياف فكرية وسياسية ومجتمعية وإثنية ولغوية، وحتى دينية، وإن كان اليهود من بيننا أغلبيتهم الساحقة رحلت عن أرض الآباء والأجداد إلى إسرائيل أو أوروبا أو كندا، ولم يبق في المغرب اليوم سوى أقل من 3000 يهودي، في حين أن عدد اليهود قبل الاستقلال كان بمئات الآلاف… نحن مجتمع فيه الأصوليون والمحافظون والسلفيون والحداثيون والعلمانيون والمتدينون والأقل تدينا، وكل هؤلاء أبناء هذه الأرض، والتعايش في ما بينهم ممكن بل مطلوب، والعقل البشري، بكل ما راكمه من تجارب وتطور وحروب ونزاعات، وصل إلى صيغ كثيرة للتعايش.. «وللي عندو باب واحد الله يسدو عليه».

التعددية والاختلاف في المجتمع ليس شعارا أو وصفا أدبيا أو فلسفيا فقط، بل هو نمط عيش، وهو حقوق وواجبات وسياسات عمومية وتوافقات يومية، ومراعاة لحقوق الأقلية قبل الأغلبية، لأن هذه الأخيرة تستطيع أن تصل إلى حقوقها بالكثرة التي بين أيديها، في حين أن الأقلية لا تستطيع ذلك، لهذا على الحكومة ووزارة العدل أن تضع هذه الحقيقة بين أعينها وهي تكتب فصول القانون الجنائي…

الحقيقة الثانية هي أننا بلاد مجتمعها محافظ لكنه منفتح، يعطي الدين مكانة أساسية لكنه مشغول بالدنيا وبالعالم من حوله. المغربي يصلي ويصوم ويوصي ابنته بلباس محتشم لكنه، في الوقت نفسه، يحلم بنموذج أوروبا في بلاده، ويسعى شبابه إلى الهجرة كل يوم، ومن لم تسعفه الظروف للهجرة الواقعية يهاجر هجرة افتراضية عبر الويب، وهذا مثال فقط، وإلا فإن هناك عشرات الأمثلة التي تكشف الوجهين المحافظ والمتحرر في الوقت نفسه لمجتمع في طور التحول.. مجتمع في قلب ديناميات ومشاريع وأفكار كثيرة، بل ومتناقضة، وهذا ما يفرض على المشرع الجنائي أن يأخذه بعين الاعتبار، ولهذا هناك سلطة ملاءمة لدى القضاء هي الحل لجسر الهوة الفاصلة بين النص والواقع.. بين القانون والسلوك اليومي للمواطن.. بين ما هو كائن وما يجب أن يكون…

الحقيقة الثالثة أننا لا نحتاج فقط إلى قانون جنائي جديد، وإلى نصوص تراعي الواقع وتنشد العدالة والإنصاف والاستقرار وحماية النفس والمال والحرية والعرض والكرامة… بل إننا نحتاج إلى من يطبق هذا القانون بروحه قبل نصه.. بغاياته قبل عقوباته… أين هم القضاة الذين سيطبقون النص القانوني مهما كانت جودته؟

لا أحد لديه الجواب عن هذا السؤال.. السيد وزير العدل والحريات مشغول جدا بالنصوص بالقوانين.. بالإصلاح على الورق وفوق الماكيت، في حين أن تضاريس الواقع القضائي تصدم كل يوم المتقاضين، البعض يعوم قضية الإصلاح ويقول إن القاضي، مثل الشاعر، ابن بيئته، وهذا معناه أن القضاء لن يُصلح حتى تقوم ساعة الإصلاح في المجتمع، وهذا قول حق يراد به باطل. القضاة نخبة وسط المجتمع، وهم أدوات إصلاح ويجب أن يتحملوا مسؤوليتهم. والبعض يقول إن إصلاح القضاء مسألة ضمير.. كل قاضٍ وضميره، وهذا معناه أن الشعب والحكومات والبرلمانات والقوانين يجب أن تنسحب من حكاية إصلاح القضاء، وأن نترك الأمر للهداية الربانية. والبعض يقول إن استقلال القضاء ونزاهته في يد السلطة.. إن أرادت الإصلاح رفعت عصاها عن القضاء، وإن رفضت أبقت دار لقمان على حالها…

إصلاح القضاء يتطلب، أولا، حملة لتطهير هذا الجهاز الذي علاه الصدأ جراء طول زمن الفساد فيه، ويتطلب، ثانيا، دمقرطة لأجهزته الرقابية، ويتطلب، ثالثا، نصوصا ملائمة، ثم يأتي دور الضمير والميزانيات ووسائل العمل وإدارة المرفق…

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حقائق لا يجب أن تغيب عن أحد حقائق لا يجب أن تغيب عن أحد



GMT 19:41 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

الاهتمام بلبنان في ظلّ إعادة تأسيسنا صاروخيّاً!

GMT 19:39 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

ثلاثية الكويت

GMT 19:36 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

محاكمة لجنة التحقيق!

GMT 19:35 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

فكرة بديلة فى الرى!

GMT 19:32 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

ما نعرفه حتى الآن

GMT 12:34 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

الشخصية اللبنانية كمزحة

GMT 12:32 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

لماذا يكره المتطرفون الفنانين؟

GMT 12:29 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

ارفع معنوياتك!

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 11:14 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم الإثنين 9 تشرين الثاني / نوفمير لبرج القوس

GMT 15:51 2020 الإثنين ,05 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم الجمعة 30 تشرين الأول / أكتوبر لبرج العذراء

GMT 11:04 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم الإثنين 9 تشرين الثاني / نوفمير لبرج العذراء

GMT 00:58 2020 الثلاثاء ,28 كانون الثاني / يناير

دراسة تحدّد الأطفال الأكثر عرضة لخطر السكري من النوع الثاني

GMT 19:55 2019 السبت ,07 أيلول / سبتمبر

رشيد دلال مساعدا للكيسر في تدريب أولمبيك آسفي

GMT 05:10 2016 السبت ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران تستضيف أعمال الفن العربي الحديث في متاحفها

GMT 07:35 2020 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

غوايدو يدعو الفنزويليين للاحتجاجات ضد مادورو

GMT 17:50 2019 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

وهبي يراسل وزير الصحة بشأن غياب دواء مرضى السرطان
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya