حزب المحرومين

حزب المحرومين

المغرب اليوم -

حزب المحرومين

توفيق بو عشرين

وأخيرا خرجت أخبار سارة للفقراء من مكتب رئيس الحكومة، عبد الإله بنكيران، الرجل الذي كاد اسمه أن يرتبط بالزيادات في أسعار المحروقات والكهرباء والماء ومواد أخرى مرتبطة بهاتين المادتين الحيويتين.. الرجل الذي تطلق عليه النقابات اسما جديدا هو «بنزيدان»، أخرج الأسبوع الماضي مرسوما بمقتضاه ستصرف الدولة إعانة مادية للأرامل الفقيرات تتراوح بين 700 درهم و1100 درهم. لأول مرة في تاريخ المغرب سيتوصل بعض فقراء هذه البلاد بشيء من دولة لم يكونوا ينتظرون منها سوى أن تتركهم يعيشون في سلام، وأن يتدبروا قوتهم في اطمئنان.

زرت مناطق نائية كثيرة في أعماق المغرب المنسي بحكم المهنة، وفي كل مرة كنت أسأل الفلاحين البسطاء: «ماذا تنتظرون من الدولة؟»، وفي كل مرة كنت ألاحظ أن مواطني المغرب غير النافع يستغربون طرح السؤال أولا، وكلمة دولة أو حكومة ثانيا، لهذا بعد أن يعدلوا صيغة السؤال الأول، ويغيروا كلمة الحكومة والدولة بالمخزن، كانوا يردون: «لا نريد من المخزن شيئا. لا نريد سوى الطريق، نحن قوم معزولون عن المستشفى البعيد والمدارس النائية». عندما ظهر الهاتف المحمول بدأ سكان «الثلث الخالي» من التنمية في المغرب يطلبون التغطية «الريزو» للتواصل مع الأهل أو لقضاء مصالحهم، أما الباقي فلا أمل لهم في الوصول إليه…

لهذا عندما ستدخل 1100 درهم إلى جيوب الأرامل الفقيرات اللواتي يتوفرن على طفلين أو أكثر في المداشر البعيدة والقرى المعزولة والدواوير التي مازالت تعيش في القرون الوسطى، سيشعر الناس هناك إلى حد ما بأنهم صاروا مواطنين، وأن لهم دينا في عنق الدولة، وأن هناك من يفكر فيهم في العاصمة الرباط. 1100 درهم ليست ثروة، ولست أجرا يمكن أن يغني عن موارد أخرى، لكن هي اعتراف متأخر بأن الدولة والحكومات المتعاقبة فشلت في مهام التنمية الاجتماعية، وفشلت في توزيع الثروة الوطنية، وفشلت في توفير الحد الأدنى من العيش الكريم للفقراء الأولى بالرعاية، وأن من لا يتوفر على أسنان لا يستطيع أن يحصل من الدولة على حق أو امتياز.

سنويا، يستفيد الأغنياء وتستفيد الشركات الكبرى من مليارات الإعفاءات الضريبية والدعم المباشر لعدد من القطاعات تحت وهم تشجيع التصدير أو الصيد في أعالي البحار أو الصناعة… في سنة 2012 وحدها أدت خزينة الدولة 56 مليار درهم لدعم المحروقات. أكثر من ثلثي هذه الثروة الكبيرة ذهب إلى جيوب الأغنياء والشركات الكبرى التي تستهلك الفيول والمحروقات أكثر من غيرها، فيما الفتات ذهب إلى خبز و«بوطاكاز» المحرومين. سنويا تخرج 140 مليار درهم من ميزانية الدولة، وتذهب إلى جيوب 800 ألف موظف (35 مليون مغربي يدفعون 220 مليار درهم من الضرائب سنويا، ويؤدون منها 140 مليار درهم للموظفين، وفي الأخير نجد أن أجورهم في الغالب لا تساوي مردوديتهم، وأن امتيازات كبارهم لا تضاهيها حتى امتيازات موظفي الدول الغنية).

هنا تذهب الثروة المغربية، وهنا تضيع خيرات البلاد التي لا يستفيد منها إلا «المقالعية» الذين يعرفون من أين تؤكل الكتف، وكيف يصلون إلى الدجاج الذي يبيض ذهبا في المغرب. إذا لم يكن لك لوبي قوي أو حزب مصلحي أو نقابة شرسة أو شخصية نافذة أو مجموعة اقتصادية قوية، فلن تستفيد من المال العام في المغرب بالحق وبالباطل لن تحصل على شيء…

المغاربة يقولون في أمثلتهم الدارجة: «اللي عمتو في العرس ما يباتش بلا عشا»، وللأسف، الدولة إلى اليوم تعيش بهذا المنطق، وحتى عندما تحل الانتخابات وتعطى الفقراء فرصة معاقبة «أعدائهم» فإنهم لا يفعلون ذلك، لأن سماسرة الانتخابات يسرقون منهم هذا السلاح، فترى أن مرشحي أحزاب الكارتون ورجال الأعمال والأغنياء والفاسدين هم من يفوزون في «كاريانات» المهمشين والدواوير والأحياء الشعبية والقرى المحرومة لأن «كرش الحرام» يشتري الأصوات بالمال وتواطؤ السلطة.

الإعانة المالية التي ستصرفها هذه الحكومة للأرامل (حوالي 150 إلى 200 ألف أرملة) خطوة اقتصادية وسياسية مهمة، ولعلها تفتح أعين الفقراء والمهمشين على حقوقهم، وتدفعهم إلى الوعي أكثر بما لهم وما عليهم، والاهتمام بالسياسة أكثر مادام اليسار في هذه البلاد خرج ولم يعد، وأصبح رموزه برجوازيين أكثر من البرجوازي، وصار العمل النقابي عملا مدرا للدخل أكثر من المقاولات…

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حزب المحرومين حزب المحرومين



GMT 19:41 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

الاهتمام بلبنان في ظلّ إعادة تأسيسنا صاروخيّاً!

GMT 19:39 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

ثلاثية الكويت

GMT 19:36 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

محاكمة لجنة التحقيق!

GMT 19:35 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

فكرة بديلة فى الرى!

GMT 19:32 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

ما نعرفه حتى الآن

GMT 12:34 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

الشخصية اللبنانية كمزحة

GMT 12:32 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

لماذا يكره المتطرفون الفنانين؟

GMT 12:29 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

ارفع معنوياتك!

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 11:14 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم الإثنين 9 تشرين الثاني / نوفمير لبرج القوس

GMT 15:51 2020 الإثنين ,05 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم الجمعة 30 تشرين الأول / أكتوبر لبرج العذراء

GMT 11:04 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم الإثنين 9 تشرين الثاني / نوفمير لبرج العذراء

GMT 00:58 2020 الثلاثاء ,28 كانون الثاني / يناير

دراسة تحدّد الأطفال الأكثر عرضة لخطر السكري من النوع الثاني

GMT 19:55 2019 السبت ,07 أيلول / سبتمبر

رشيد دلال مساعدا للكيسر في تدريب أولمبيك آسفي

GMT 05:10 2016 السبت ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران تستضيف أعمال الفن العربي الحديث في متاحفها

GMT 07:35 2020 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

غوايدو يدعو الفنزويليين للاحتجاجات ضد مادورو

GMT 17:50 2019 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

وهبي يراسل وزير الصحة بشأن غياب دواء مرضى السرطان
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya