بنكيران والعماري وأخلاق الدولة

بنكيران والعماري وأخلاق الدولة

المغرب اليوم -

بنكيران والعماري وأخلاق الدولة

بقلم توفيق بو عشرين

المشاكل في السياسة مثل الجروح في الجسم كلما تأخر علاجها تفاقمت، وكلما ظلت مفتوحة تقيحت، وهذا ما جرى لملف الأساتذة المتدربين الذين أنهوا الشهر الخامس من إضرابهم عن الدراسة مطالبين بإسقاط المرسومين اللذين يفصلان التكوين عن التوظيف.
الآن المشكل عوض أن يقترب من الحل تعقد أكثر عندما دخل حزب البام على خطه، دون تنسيق مع رئيس الحكومة، في محاولة لإظهار عجز بنكيران عن حل أزمة 10 آلاف أستاذ يتظاهرون منذ أشهر في الشارع العام من أجل تحقيق مطالبهم، وهو ما أعطى رد فعل عكسيا تماما من قبل رئيس الحكومة الذي قال، في الاجتماع الأسبوعي للوزراء يوم أمس بالرباط: «أريد أن أنبه الإعلام العمومي إلى أن الحكومة هي هذه، ولا نعرف حكومة أخرى توافق على ما ليس لنا به علم; أو ترفض أو تتخذ قرارات مكان الحكومة ووراء ظهرها»، وأضاف بنكيران بنبرة غاضبة وحانقة: «الواقفون وراء هذا اللعب وهذا الكلام القبيح لا خلاق لهم. نحن الآن أمام أمور صعيبة. الحكومة التي عينها الملك هي هذه، ورئيسها هو هذا، والدولة لا يلعب الناس بها».
لماذا غضب بنكيران بهذه الحدة؟ وما الذي دفعه إلى هذه الخرجة الإعلامية القوية من مقر رئاسة الحكومة وأمام 38 وزيرا وكاميرا التلفزة الرسمية؟ إنه يشعر بأن إلياس العماري دخل إلى المربع المحظور لرئاسة الحكومة، ووضع رجله في ملف أزمة الأساتذة المتدربين، في محاولة للركوب عليه من أجل إظهار عجز بنكيران عن حل هذا الملف، والمزايدة على الحكومة التي لم تهتد إلى حل يوجد في جيب البام، وأكثر من هذا غضب بنكيران لأن إلياس العماري ذهب مع جزء من الأغلبية الحكومية إلى تشكيل «غرفة خاصة» لإدارة أزمة الأساتذة المتدربين دون موافقة رئيس الحكومة، ومحاولة إعطاء وعود للعشرة آلاف أستاذ دون الرجوع إلى رئيس الجهاز التنفيذي الذي قدم مبادرة لحل الأزمة تقضي بتوظيف كل الأساتذة على دفعتين دون إسقاط المرسومين، وهي المبادرة التي رفضها الأساتذة المتدربون، واختاروا التصعيد وترك أطراف سياسية من أحزاب المعارضة ومن النقابات تدخل على الخط وتسيس مطالبهم، فيما هم مأخوذون بنشوة النزول إلى الشارع وتعطيل الدراسة، ومنع زملائهم الذين لا يوافقون على مقاطعة الدروس من الالتحاق بالأقسام… بنكيران الذي طلب من بعض قادة حزبه الابتعاد عن الوساطة في هذا الملف بعدما تسلمته وزارة الداخلية عبر واليها بالرباط، لا يمكن أن يقبل دخول البام على الخط، ليس فقط لأنه لا يحب زعيمه ومصاب بحساسية من «التراكتورات»، ولكن لأنه يتصرف كرئيس حكومة بمنطق رجال الدولة الذين لا يخلطون في إدارة الملفات الحساسة بين الأشخاص والمؤسسات، بين آراء الأفراد وضرورات القانون.
من حق المعارضة أن توظف عجز الحكومة عن حل أي ملف أو أزمة أو مشكلة، فتوجه إليها النقد في الإعلام والأسئلة في البرلمان، وحتى النزول إلى الشارع لمؤازرة من تراهم على حق ضد الحكومة، كما كانت أحزاب الاتحاد والاستقلال والتقدم والاشتراكية تفعل زمن المعارضة، لكن المعارضة تبقى معارضة والحكومة تبقى حكومة، ولا يمكن أن نحول الدولة إلى مجرد سوق للبيع والشراء والوساطة دون ضوابط ولا قوانين ولا صلاحيات. كيف وضعت أحزاب من الأغلبية يدها في يد حزب من المعارضة لحل أزمة من وراء ظهر رئيس الحكومة؟ هذه ليست معارضة ولا أغلبية، هذه لعبة لخلط الأوراق، فهل يتصور عاقل أن هناك معارضة تقدم خدمة للأغلبية؟ وهل هناك معارضة تمد حبل النجاة للحكومة؟
البام لن يخترع العجلة، وبنكيران لم يطلب يد العون من إلياس العماري، وأزمة الأساتذة المتدربين ليست خطرا يهدد البلاد والعباد. هو ملف اجتماعي من بين ملفات أخرى، والحكومة أبدت مرونة في إيجاد حل لهذا الملف، حتى وإن أخطأت في مواجهة الأساتذة المتدربين بالقمع أحيانا، في حين أن قادة هؤلاء ركبوا رؤوسهم، وأرادوا أن يمرغوا كرامة الدولة في الوحل، ورفضوا حلا منطقيا يقضي بتوظيفهم جميعا على دفعتين دون إسقاط المرسومين، وإذا كانت الحكومة أخطأت في توقيت نشر المرسومين وتعميمهما، وكذا إلزام الأساتذة المتدربين بتوقيع التزامات واضحة عن فصل التكوين عن التوظيف، وضرورة المرور عبر امتحانات التخرج، فهذا لا يعني أن الأساتذة المتدربين سيرفضون حلولا منطقية لمعالجة الأزمة يخرج فيها الجميع رابح/رابح.. الأساتذة سيوظفون جميعا على دفعتين، والحكومة لن تخسر هيبتها وإلزامية تطبيق قرارات الدولة، حتى وإن كانت معيبة، ففي البلاد محاكم إدارية وإعلام ورأي عام يرى ويحاكم.
من حق بنكيران أن يغضب من البام الذي يتصرف كحزب فوق الأحزاب، ويمس بتقاليد العمل السياسي، وأولها أن المعارضة معارضة والأغلبية أغلبية، ومن حق بنكيران أن يستنكر جر بعض حلفائه في الحكومة من وراء ظهره، من المجلس الحكومي إلى فيلا مندرين بالرباط لإعداد حلول للمشاكل المطروحة في البلاد… القرارات تتخذ في المجلس الحكومي والمجلس الوزاري وداخل الدستور وفي المؤسسات، لا في الكواليس الموازية والجلسات الخاصة… الدولة، مثل العائلة ومثل الفرد، لها أخلاق ولا يجوز، تحت أي مبررات، المس بأخلاق الدولة، حتى وإن كانت على رأسها أسوأ حكومة خلقها الله في الكون، فلتغيير الحكومات موعد كل خمس سنوات، وللإطاحة برؤساء الحكومات مكان محدد هو صندوق الاقتراع، وزمان معلوم هو يوم التصويت.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

بنكيران والعماري وأخلاق الدولة بنكيران والعماري وأخلاق الدولة



GMT 06:02 2018 الأحد ,25 شباط / فبراير

حان وقت الطلاق

GMT 07:26 2018 الجمعة ,23 شباط / فبراير

سلطة المال ومال السلطة

GMT 06:39 2018 الخميس ,22 شباط / فبراير

لا يصلح العطار ما أفسده الزمن

GMT 05:46 2018 الأربعاء ,21 شباط / فبراير

الطنز الدبلوماسي

GMT 05:24 2018 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

القرصان ينتقد الربان..

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 19:20 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

حظك اليوم الأربعاء 2 كانون الأول / ديسمبر لبرج الجدي

GMT 06:36 2018 السبت ,08 أيلول / سبتمبر

تمتع بمغامرة فريدة في أجمل مدن "مولدوفا"

GMT 11:44 2017 الثلاثاء ,19 كانون الأول / ديسمبر

المؤجلات… موت التشويق

GMT 22:25 2015 السبت ,12 كانون الأول / ديسمبر

المانجو فاكهة النشاط والتفاؤل

GMT 15:47 2018 الثلاثاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

أفكار مميزة لتجديد حديقة منزلك بدون تكاليف في الشتاء

GMT 18:25 2018 الأربعاء ,27 حزيران / يونيو

لمسات بسيطة تضفي مزيدًا من الجمال على شرفات منزلك
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya