بنكيران الظاهرة

بنكيران الظاهرة

المغرب اليوم -

بنكيران الظاهرة

توفيق بو عشرين

أبدى وزير الخارجية الفرنسي، لوران فابيوس، في لقائه الأخير مع رئيس الحكومة، عبد الإله بنكيران، استغرابه لارتفاع شعبية بنكيران في المغرب رغم إقدام هذا الأخير على قرارات غير شعبية، وسأل الضيف الفرنسي زعيم العدالة والتنمية قائلا: «أنت السياسي الوحيد في العالم اليوم الذي يحتفظ بدرجة شعبية كبيرة رغم أنك تتخذ قرارات غير شعبية. ما هو السر في ذلك؟». بنكيران رد عليه ببساطة حسب ما روى لي مصدر حضر اللقاء: «ليست هناك أسرار يا سيد فابيوس. إنني أقول الحقيقة للشعب، وكفى…».

رئيسة صندوق النقد الدولي، كرستين لاغارد، كادت أن تقول شعرا في سياسة الحكومة بعد إقدامها على تخفيض موازنة الدعم التي كانت مخصصة للمحروقات، حيث نزلت ميزانية الدعم من 56 مليار درهم إلى 23 مليار درهم، وقالت لاغارد لبنكيران، عندما التقته في آخر اجتماع، حسب ما رواه بنكيران أكثر من مرة، «إن سياستكم ملهمة بالنسبة إلينا في الصندوق. نحن لا نفرض عليكم شيئا»…

الشهر الماضي كتبت جريدة financial times أن قرار الحكومة المغربية سحب الدعم التدريجي عن المحروقات نموذج يحتذى من قبل الدول النامية لأنه، من جهة، لم يثر أي رد فعل، وثانيا لأنه جرى من قبل حكومة ائتلافية فيها الإسلامي واليساري والليبرالي. السفير الأمريكي في الرباط أبدى أكثر من مرة إعجابه بصراحة بنكيران، وقال عنه أمام الجمهور إنه شخص جدير بالثقة. استطلاعات الرأي مازالت تضعه في المقدمة رغم أنه أمضى ثلاث سنوات في الحكومة ولم يفِ بعد بجل وعوده الانتخابية…

متابعة جلسات البرلمان الكئيبة في التلفزيون لا ترتفع إلا عندما يظهر بنكيران على شاشتها يتحدث مع الشعب باللغة التي يفهمها، يصرخ، يضحك، ينفعل، ينكت، يرد على خصومه، ينتقد، يكشف الأسرار، ويتحدث عن علاقاته بالملك.. يعتذر عندما يخطئ، ويرفع التحدي عاليا أمام خصومه…

ذات مرة وجد رئيس الحكومة في هاتفه رقما لا يعرفه اتصل به ولم يرد لأنه كان في اجتماع حكومي، فأعاد بنكيران الاتصال بالشخص الذي طلبه، ويبدو أن هذا المواطن لم يكن ينوي الاتصال برئيس الحكومة بل ربما أخطأ في أرقام الهاتف، فوقع على رقم رئيس الحكومة. المهم اتصل بنكيران بالرقم المجهول، فرد صاحبنا على رئيس الحكومة وسأل: «من معي؟». رد رئيس الحكومة: «أنا عبد الإله بنكيران». المواطن لم يصدق أن الذي وراء السماعة يتحدث معه هو رئيس الحكومة، واعتقد أن الذي يكلمه شخص آخر ينتحل صفة شخصية كبيرة في المغرب، فرد المواطن على بنكيران بتلقائية: «إذا كنت أنت رئيس الحكومة المغربية أنا بشار الأسد رئيس سوريا». ضحك بنكيران ضحكته المشهورة وأغلق الهاتف…

بيته في حي الليمون صار قبلة لكل صاحب شكوى، ورقم هاتفه صار عند جل الصحافيين، وحتى المواطنين. إنه ظاهرة تواصلية بامتياز، أخرج لأول مرة في تاريخ المغرب السياسات والقرارات والأسرار وكواليس الحكم إلى الميكرفونات والحوارات والخطب الجماهيرية واللغة الدارجة والأمثال المغربية…

خصومه يرون فيه شخصا شعبويا في حملة انتخابية مستمرة، وسياسيا من الدرجة الثانية يختار القرارات السهلة على حساب جيوب المواطنين.. يناور مع الحكم إلى أن يتمكن، وعندها سيخرج أظافره ومشروعه الحقيقي. ومعجبوه يرون فيه شخصا بسيطا ومتواضعا وصريحا، لم تلعب السلطة برأسه، وفوق هذا يده نظيفة، وهو ملكي أكثر من الملك، اتخذ قرارات صعبة لم يقدر من سبقوه على اتخاذها.

المراقبون يقفون في الوسط، يرونه بلدوزيرا سياسيا كانت البلاد تحتاج إليه بعد الربيع العربي، لكنه رغم العفوية التي يبديها يعرف أين يضع رجليه.. إنه في مهمة حساسة ومصيرية لتطبيع علاقات الإسلاميين بالقصر، لكنه في الوقت نفسه لا ينسى الشارع، ولا ينسى الذين وضعوا آمالا في قيادته التغيير بالمغرب بأقل تكلفة. هل ينجح في الجمع بين الاثنين؟ لا أحد يغامر بالجواب. الموضوع معقد، واحتمالات النجاح قائمة كما هي احتمالات الفشل، لكن بالتأكيد نحن أمام نموذج جديد في النخب الحزبية بما له وما عليه…

في شهر واحد أعطى هديتين للفقراء والأغنياء في الوقت نفسه.. أعطى الفقراء منحة للأرامل المعوزات، وهو قرار لم يكن سهلا استصداره لأنه يعطي لأول مرة دعما ماديا مباشرا للفقراء من ميزانية الدولة، وأعطى الأغنياء هدية لم تجرؤ أي حكومة على إعطائهم إياها.. هدية سمينة ستصل إلى سبعة مليارات درهم كفارق متراكم من الضريبة على القيمة المضافة، حيث سيسحب الأغنياء شيكات تصل إلى 50 مليار سنتيم في الأسابيع المقبلة…

عندما كانت المعارضة تتقدم تظاهرة النساء في شارع محمد الخامس وسط الرباط، كان هو يخطب أمام الآلاف في المغرب العميق بالدشيرة الجهادية، وعندما كان لشكر والباكوري وشباط يجتمعون بوزير الداخلية للتفاوض على «امتيازات انتخابية»، كان هو في تطوان يطلق النار عليهم ويقول للمغاربة: «إذا لم يعجبكم بنكيران وسياساته وقراراته فما عليكم إلا أن تصوتوا على البلطجي وإبليس والمخلوض».. ولكم أن تضعوا اسم كل واحد من خصومه أمام هذه التسميات القاسية…

بنكيران ظاهرة سياسية، والناس من سيحكمون عليه ابتدائيا في شتنبر المقبل، واستئنافيا في صيف 2016…

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

بنكيران الظاهرة بنكيران الظاهرة



GMT 19:41 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

الاهتمام بلبنان في ظلّ إعادة تأسيسنا صاروخيّاً!

GMT 19:39 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

ثلاثية الكويت

GMT 19:36 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

محاكمة لجنة التحقيق!

GMT 19:35 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

فكرة بديلة فى الرى!

GMT 19:32 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

ما نعرفه حتى الآن

GMT 12:34 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

الشخصية اللبنانية كمزحة

GMT 12:32 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

لماذا يكره المتطرفون الفنانين؟

GMT 12:29 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

ارفع معنوياتك!

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 18:57 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

حظك اليوم الأربعاء 2 كانون الأول / ديسمبر لبرج الثور

GMT 14:07 2016 الجمعة ,16 أيلول / سبتمبر

الأبنوس

GMT 15:05 2019 الثلاثاء ,11 حزيران / يونيو

نيمار يبلغ سان جيرمان برغبته في الرحيل هذا الصيف

GMT 14:42 2018 الأربعاء ,19 كانون الأول / ديسمبر

السالمية الكويتي يبدأ مشواره العربي بلقاء الشبيبة الجزائري

GMT 15:23 2018 الإثنين ,15 كانون الثاني / يناير

سنوات يفصلها رقم

GMT 11:24 2019 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

الملك محمد السادس يرسل برقية تعزية إلى الرئيس الكاميروني

GMT 13:45 2019 الثلاثاء ,04 حزيران / يونيو

أول صالون تجميل يستقبل المحجبات في نيويورك

GMT 23:50 2019 الأحد ,02 حزيران / يونيو

باتريس كارتيرون يُراقِب العائدين من الإعارة

GMT 00:14 2019 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

السعودية تنفذ حكم القتل تعزيرًا في حق صدام حسين
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya