توفيق بو عشرين
في جنيف، أول أمس، قدم المنتدى الاقتصادي العالمي تقريره السنوي حول السياحة في العالم. تقرير يضع تصنيفا للدول كل سنة، ومدى قدرتها على جذب السياح بناء على شبكة معايير، فيها الأمن ووسائل النقل والفنادق والبيئة الثقافية ونوعية خدمات الاستقبال وأوضاع الطرق وكفاءة الموارد البشرية… إنه ترمومتر لقياس أحوال البلدان واستقرارها ونموها وحكامتها وموقعها بين الدول الأخرى، بعيدا عن دعاية الحكومات وتسويق الارتياح غير المبرر…
تصنيف هذا العام 2015 حمل أخبارا سارة وأخرى غير سارة للمغرب؛ لنبدأ بالسار منها.. المملكة ربحت تسع درجات في سلم التنافسية السياحية، حيث حلت هذه السنة في الرتبة الـ62، بعد أن كانت السنة الماضية في الرتبة الـ71، وجاء المغرب في المرتبة الأولى في المغرب العربي متقدما على تونس والجزائر، لكنه جاء رابعا في المنطقة العربية، حيث تفوقت عليه الإمارات العربية المتحدة والبحرين وقطر، وكلها إمارات صحراوية صغيرة وبعيدة نسبيا عن أوروبا وأمريكا، ومنتوجها الثقافي والتراثي لا يقارن بالمغرب، لكنها دول بذلت مجهودات كبيرة لاستقطاب السياح من كل الفئات بفضل التخطيط والبنيات الأساسية واستعمال التكنولوجيا ودراسة السوق السياحية جيدا، علاوة على بيئة الاستثمار، وهو الأمر الذي مازال يؤخر المغرب كثيرا في هذا المجال…
المرتبة الأولى على قائمة الدول السياحية بامتياز كانت من نصيب إسبانيا هذا العام، التي تستقطب أكثر من 65 مليون سائح كل سنة، وجاءت في المرتبة الثانية فرنسا ثم أمريكا وبريطانيا، وفي آخر الترتيب جاءت جيبوتي، وقبلها اليمن الذي يلقب زورا بالسعيد…
المغرب ربح تسع نقط هذا العام بسبب تحسن جودة العرض السياحي، وبسبب الأسعار المنخفضة، وبسبب ازدياد الرحلات الجوية، وتزايد عدد السياح النسبي، في حين أن الذي أثر على ترتيب المملكة كان هو ضعف الموارد البشرية وركود سوق الشغل، علاوة على مشاكل النقل البحري والبري، وهذا ما يكشف جزءا من أعطاب البلاد.. إنها البنيات التحتية والموارد البشرية، أي الحكامة والتعليم والتكوين…
نعم، المغرب تحسن كثيرا في عيون السياح الأجانب، ووصلنا إلى 10 ملايين سائح، بعد أن كان عدد السياح في زمن الحسن الثاني لا يتجاوز أربعة ملايين، لكن دولا كثيرة سبقتنا، ويكفي أن نطالع لائحة الدول الـ61 التي تفوقت علينا في التنافسية السياحية، لنرى أننا بفضل الموقع الجغرافي (نحن أقرب بلد إفريقي وعربي إلى أوروبا)، وبفضل الخصائص المناخية وتنوع البيئة السياحية، وبفضل التراث الحضاري والثقافي، وبفضل الأمن النسبي والاستقرار، وبفضل العنصر البشري، كان يمكن أن نكون من الدول الثلاثين على الأقل لو أننا وفرنا للسياح ما لا تعطيه الطبيعة، أي ما يصنعه البشر فوق الأرض وفوق الجغرافيا: البنيات التحتية، وسائل الترفيه، وسائل النقل والتكنولوجيا الحديثة، وبنية الاستقبال، والعنصر البشري المدرب، وذكاء وحرفية عرض مقومات البلد الثقافية والحضارية…
جرب أن تستيقظ صباح يوم مشمس، وأن تعتبر نفسك سائحا في مدينتك، واسأل عن عدد الفنادق بها، وعن أحوال سيارات الأجرة والحافلات بها (دعك من الميترو غير الموجود والترام الذي أنشئ حديثاً في مدينتي الرباط والدار البيضاء).. ابحث عن كتاب أو منشور فيه خارطة المدينة ومواقعها الأثرية ومطاعمها المصنفة، ومسارحها التي تعرض شيئا يستحق الفرجة، وضع la loupe لتجد المتاحف وأماكن التسوق الحديثة أو التقليدية، ابحث عن الحدائق والشواطئ المجهزة… ستكتشف أن البلاد فيها الشيء القليل القليل من المنتوج السياحي، غير الشمس والبحر والموقع الجغرافي، وستسأل نفسك: يا للعجب، كيف نقنع 10 ملايين سائح بزيارتنا كل سنة من مجموع 520 مليون سائح في العالم؟ انتبه.. في عدد العشرة ملايين هذا هناك 4 ملايين مهاجر مغربي يدخلون ويخرجون من البلد مرة واحدة في السنة على الأقل، لكنهم يُحتسبون سياحا…
السياحة، كصناعة واقتصاد وكمورد أساسي للدخل وكمحرك للتشغيل، لا توجد سوى في وزارة السياحة بحكم التخصص والاسم، أما المجالس المنتخبة والعمالات والولايات وباقي القطاعات الأخرى فإنها لا تفكر في شيء اسمه السياحة، وإذا كنت تريد دليلا فادخل إلى أي مدينة، وابحث عن لوحات التشوير لتخرج منها.. ستمضي كل أوقات عطلتك قبل أن تجد مخرجا بفضل سؤال عباد الله عن الطريق، وقبل أن تعرف أن هذه البلاد تدير ظهرها للعالم، وأنها منغلقة منذ قرون على نفسها، وأنها تضع البحر وراء ظهرها خوفا من الغريب، كذلك كانت وكذلك مازالت، مع بعض الاستثناء الذي لا يغير كثيرا من القاعدة.