بشر بلا قيمة وسياسة بلا رحمة

بشر بلا قيمة وسياسة بلا رحمة

المغرب اليوم -

بشر بلا قيمة وسياسة بلا رحمة

توفيق بو عشرين

لم يجدوا غير شاحنات جمع الأزبال ليحملوا فيها جثث ضحايا الفيضانات الأخيرة في كلميم والجنوب المقصي من أية تنمية أو بنيات أساسية. يخجل المرء من نفسه وهو يرى بشرا كرمهم الله أحياء يُحملون وهم أموات في شاحنات حمل الأزبال.. هذه الصورة تقول كل شيء، والإنجليز يقولون: «صورة واحدة أفضل من ألف كلمة»…

الفيضانات قدر من الله ولا راد لقضاء الله، لكن الإهمال وغياب وسائل الإنقاذ وتهالك الطرق والقناطر مسؤولية البشر. لقد حان الوقت لأن تتحرك آليات المحاسبة والمراقبة وتحريك المسؤولية الجنائية عن التلاعب بحياة بسطاء الناس، وألا نفتح في كل حادث سرادق عزاء وبعده نغلق الملف وننتظر كارثة أخرى.

الجميع يعرف أن في المغرب مغربين؛ واحد نافع يستأثر بالحد الأدنى من البنيات، والآخر غير نافع يعيش في القرون الوسطى، منسي من رحمة الدولة، بلا حقوق سوى الحق في انتخاب رئيس جماعة فاسد أو برلماني يبحث عن مصالحه كل أربع سنوات، غير هذا لا حقوق ولا هم يحزنون.

أول أمس اتصل بي مواطن من كلميم باب الصحراء، وعبر الهاتف وصلني حزنه وإحساسه بالغبن. قال لي: «هل الدولة المغربية تريد الصحراء بدون سكانها أو ناسها؟»، قلت: «لا، لا قيمة لأرض بلا إنسان فوقها»، فرد: «إذن كيف يسمحون لأنفسهم بجمع جثث ضحايا الفيضانات في شاحنة الأزبال؟ الكلاب تلقى معاملة أفضل من هذه». قلت له: «الأمر لا يقتصر على الصحراء، فنقص سيارات الإسعاف قاعدة عامة من طنجة إلى الكويرة»، وحكيت له ما رأيت في زلزال الحسيمة سنة 2004، حيث لم نجد في إقليم الحسيمة كله، وتعداد سكانه آنذاك أكثر من 70 ألف نسمة، سوى سيارتي إسعاف، إحداهما كانت معطلة منذ أشهر، والنتيجة أن الذين قتلوا في هذا الزلزال أكثر من الذين جُرحوا لأن كل واحد أصيب كان مصيره الموت لأن الإنقاذ عملة غير قابلة للصرف في هذه المناطق…

المملكة كلها مثل الأقرع أينما ضربته يسيل دمه، وهذه نتيجة طبيعية لعقود من الفساد، وعقود من الاختلالات في الإدارة والتسيير، وعقود من تزوير الانتخابات، وعقود من سياسة اللاعقاب، وعقود من الاهتمام بالواجهة وترك العمق مشوها، والآن ما نراه من ضحايا وكوارث وهشاشة وبؤس وحكرة هو ما زرعته الدولة والنخب وجل الأحزاب والإدارة لعقود وعقود…

الدولة تصرف المليارات على مشاريع فاشلة، وعلى مخططات تذهب إلى جيوب اللوبيات والشركات الكبرى التي تعرف من أين تؤكل الكتف، وكيف تستفيد من الدعم المباشر للميزانية، ومن الإعفاءات الضريبية، ومن الوعاء العقاري للدولة، ومن الرخص الاستثنائية و… في حين يموت البسطاء في المدن المهمشة والقرى المنسية والمداشر البئيسة من البرد ومن «الفقصة»، وبسبب غياب أبسط شروط العيش الكريم، في حين أن النخب تتصارع في الرباط على «الخاوي».

اليوم قبل الغد يجب تشكيل لجنة تقصي حقائق عاجلة لتحديد خارطة المناطق الأولى بالرعاية في المدن والقرى والمداشر التي مازالت تعيش في القرون الوسطى، ووضع مخطط عملي لإخراجها من العزلة، فكيف يعقل أن تخصص الدولة ثلاثة مليارات دولار لـTGV، وتعطيه «كادو» لشركة «ألستوم» الفرنسية، ولا تجد ميزانية لشراء 2000 أو 3000 سيارة إسعاف وبناء الطرق وتشييد القناطر وترقيع البنية التحتية…

تأسفت كثيرا لأنني لم أرَ رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران يسافر إلى كلميم ليعزي أهالي الضحايا، ويصرف لهم إعانات مادية عاجلة، ويعقد مجلسا حكوميا في عين المكان، ويتعهد بإصلاح الطرق والقناطر وفك العزلة وتوفير وسائل الإنقاذ مستقبلا، ويقترح إعفاء عامل المنطقة ووالي الجهة وكل مدراء الوزارات المعنية، ويوجه وزير العدل إلى فتح تحقيق حول مسؤولية البشر عما وقع… تأسفت كثيرا لأن في بلادي حياة البشر بلا قيمة، أو بالأحرى حياة البشر ليست كأسنان المشط متساوية عند الدولة كما عند الله عز وجل.. هناك بشر فوق بشر، وموت خير من موت، وإنسان أفضل من إنسان، لكن حذارِ من غضب الفقراء والمستضعفين والمحگورين، والزمن ليس يوما ينقضي وآخر يبدأ…

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

بشر بلا قيمة وسياسة بلا رحمة بشر بلا قيمة وسياسة بلا رحمة



GMT 19:41 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

الاهتمام بلبنان في ظلّ إعادة تأسيسنا صاروخيّاً!

GMT 19:39 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

ثلاثية الكويت

GMT 19:36 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

محاكمة لجنة التحقيق!

GMT 19:35 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

فكرة بديلة فى الرى!

GMT 19:32 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

ما نعرفه حتى الآن

GMT 12:34 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

الشخصية اللبنانية كمزحة

GMT 12:32 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

لماذا يكره المتطرفون الفنانين؟

GMT 12:29 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

ارفع معنوياتك!

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 18:57 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

حظك اليوم الأربعاء 2 كانون الأول / ديسمبر لبرج الثور

GMT 14:07 2016 الجمعة ,16 أيلول / سبتمبر

الأبنوس

GMT 15:05 2019 الثلاثاء ,11 حزيران / يونيو

نيمار يبلغ سان جيرمان برغبته في الرحيل هذا الصيف

GMT 14:42 2018 الأربعاء ,19 كانون الأول / ديسمبر

السالمية الكويتي يبدأ مشواره العربي بلقاء الشبيبة الجزائري

GMT 15:23 2018 الإثنين ,15 كانون الثاني / يناير

سنوات يفصلها رقم

GMT 11:24 2019 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

الملك محمد السادس يرسل برقية تعزية إلى الرئيس الكاميروني

GMT 13:45 2019 الثلاثاء ,04 حزيران / يونيو

أول صالون تجميل يستقبل المحجبات في نيويورك

GMT 23:50 2019 الأحد ,02 حزيران / يونيو

باتريس كارتيرون يُراقِب العائدين من الإعارة

GMT 00:14 2019 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

السعودية تنفذ حكم القتل تعزيرًا في حق صدام حسين
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya