بئر الأسرار تعرى

بئر الأسرار تعرى

المغرب اليوم -

بئر الأسرار تعرى

توفيق بوعشرين

زلزال كبير ضرب أوساط السياسة والمال في العالم كله، بعد فضيحة سويس ليكس، التي كشفت النقاب عن آلاف الحسابات البنكية في مجموعة HSBC البريطانية التي تملك أهم فرع لها في سويسرا. المبالغ، التي تعرت في تحقيقات نشرت في الوقت نفسه في عدد من صحف أوروبا، تبلغ 26 مليار دولار.

 القصة بدأت عندما أقدم موظف سابق بمجموعة «إتش إس بي سي» البريطانية العملاقة على تسريب أسرار الحسابات البنكية المشبوهة إلى الصحافة، وفيها تظهر خدمات أخرى تقدمها الأبناك إلى زبنائها VIP، والقصد هو المساعدة على التهرب الضريبي وغسيل الأموال، والتكتم على حركة الحسابات البنكية. هذه بيانات تكشف حقائق مزعجة حول مساعدة فرع المصرف في سويسرا لعشرات الآلاف من عملائه على إخفاء حقيقة مصدر الأموال ومكان وجودها. وتكشف البيانات التي قدمها الموظف السابق إلى جمعية الصحافيين المتخصصين في التحقيق أن هناك 11 ألف شخصية عربية اختارت هذا البنك واختارت الخدمات التي يقدمها، منهم 1068 مغربيا، وعندما نطالع ترتيب المملكة المغربية على القائمة العربية نجد أننا في المرتبة الرابعة بـ6.1 ملايير دولار، أما المرتبة الأولى «فظفرت بها» السعودية، والثانية لبنان، والثالثة الإمارات العربية المتحدة…

هذه اللوائح أحدثت ضجة في أوروبا، وبدأت مصالح الضرائب في إسبانيا وفرنسا وبريطانيا وإيطاليا وغيرها تفرك أيديها، وتنتظر الحصول على مليارات الدولارات كذعائر على التهرب الضريبي لعدد من الشخصيات في مجال الاقتصاد والسياسة والفن والرياضة، والذين تصوروا أن جدران البنك السويسري سميكة، وأن السر لن يطلع يوما إلى العلن، أما في العالم العربي، لم تنسق جمعية صحافيي التحقيق مع أية جريدة في العالم العربي لإشراك هيئات تحريرها في نشر كنز «سويس ليكس»، وربما كان زملاؤنا الأوربيون على حق، حيث إن جل الصحف في العالم العربي لم تقترب من هذا الموضوع وكأنه غير موجود، فيما انبرت أخرى للدفاع البليد عن أصحاب الحسابات، وسب لوموند والغارديان وغيرها من الصحف التي قامت بعملها، ونشرت أسماء أصحاب الحسابات من الشخصيات العمومية بعدما أخذت رأي كل من استطاعت الوصول إليه، وامتنعت عن نشر أسماء الناس العاديين احتراما لخصوصياتهم، لكن هذه قصة أخرى، فليس كل ورق مطبوع ومعروض للبيع يسمى جريدة، وليس كل صاحب قلم و«كلافيي» يسمى صحافيا.

ما هي آثار هذا «السكوب» الصحافي العالمي؟ وماذا سيبقى منه بعد أن تطفأ الأضواء؟

أولا: هذه الفضيحة تكشف حقيقة مهمة، وهي أن معركة الشفافية والحق في الوصول إلى المعلومات تربح كل يوم جولة، وأن العولمة وتكنولوجيا الاتصال والمعلومات تتواطآن على تكريس الوضوح وحق الناس في المعرفة، وتحطيم جدران الصمت والسر وأعمال الظلام التي بنتها الأبناك والمؤسسات المالية الضخمة لتشجيع الكبار على خرق القانون والتهرب من الضريبة والتلاعب بالمال بحرية مطلقة ودون مساءلة.

ثانيا: هذه الفضيحة تنعش صحافة التحقيق، وتظهر إلى أي حد تحتاج الديمقراطية إلى صحف ومجلات ووسائل إعلام حرة ومستقلة ومتحررة من قيود السلطة وأغلال الرأسمال. الفضيحة اليوم التي تهز العالم أبطالها صحافيون، ومصدر معلومات تحرك ضميره أو جيبه لا يهم.. المهم أنه أعطى كنزا من المعلومات للصحافيين وأعضاء هيئات تحرير امتلكوا الجرأة لينشروا أسرار الكبار، ولم يمنعهم الخوف من المحكمة أو من أصحاب الإعلانات أو من ضغوط المساهمين في رأسمال شركاتهم من النشر، وتعزيز دولة الحق والقانون وحق المواطنين في المعرفة… وبعدها ليقرر المشرع والقاضي والناخب والحزب والمجتمع والرأي العام ما يريدونه.. هذه أصول اللعبة الديمقراطية.

ثالثا: هذه الفضيحة التي انفجرت في أحد أكبر البنوك العالمية ستهز عرش المؤسسات المالية التي استغلت العولمة وسقوط الحدود واتساع السوق وضعف الرقابة وفساد السياسيين لتفرض قوانينها على الجميع، دولا ومجتمعات. لقد بدأ النقاش في بريطانيا، حيث وجهت المعارضة اتهامات خطيرة إلى حكومة كاميرون، التي عينت قبل أشهر قليلة المدير السابق لبنك «إتش إس بي سي»، ستيفن غرين، في مجلس اللوردات، ثم أوكل إليه كاميرون حقيبة وزير التجارة. لقد اتهم حزب العمال كاميرون بالتقاعس عن محاربة التهرب الضريبي، وتشجيع البنك المتهم من خلال إعطاء مناصب حساسة لمديريه…

ستتغير قوانين كثيرة في أوروبا، وستربح إدارات الضرائب في أوروبا مليارات الدولارات، ومعها وسائل جديدة لملاحقة المال القذر وتتبع جرائمه وتجاوزاته…

في أمريكا، وبعد انهيار عدد من الأبناك في خضم الأزمة الاقتصادية لسنة 2007، خرجت نكتة تقول: «إن السارق الحقيقي ليس من يسطو على بنك.. السارق الحقيقي هو من يؤسس بنكا». كانت هذه نكتة الآن يبدو أنها أصبحت حقيقة…

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

بئر الأسرار تعرى بئر الأسرار تعرى



GMT 19:41 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

الاهتمام بلبنان في ظلّ إعادة تأسيسنا صاروخيّاً!

GMT 19:39 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

ثلاثية الكويت

GMT 19:36 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

محاكمة لجنة التحقيق!

GMT 19:35 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

فكرة بديلة فى الرى!

GMT 19:32 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

ما نعرفه حتى الآن

GMT 12:34 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

الشخصية اللبنانية كمزحة

GMT 12:32 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

لماذا يكره المتطرفون الفنانين؟

GMT 12:29 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

ارفع معنوياتك!

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 11:14 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم الإثنين 9 تشرين الثاني / نوفمير لبرج القوس

GMT 15:51 2020 الإثنين ,05 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم الجمعة 30 تشرين الأول / أكتوبر لبرج العذراء

GMT 11:04 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم الإثنين 9 تشرين الثاني / نوفمير لبرج العذراء

GMT 00:58 2020 الثلاثاء ,28 كانون الثاني / يناير

دراسة تحدّد الأطفال الأكثر عرضة لخطر السكري من النوع الثاني

GMT 19:55 2019 السبت ,07 أيلول / سبتمبر

رشيد دلال مساعدا للكيسر في تدريب أولمبيك آسفي

GMT 05:10 2016 السبت ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران تستضيف أعمال الفن العربي الحديث في متاحفها

GMT 07:35 2020 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

غوايدو يدعو الفنزويليين للاحتجاجات ضد مادورو

GMT 17:50 2019 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

وهبي يراسل وزير الصحة بشأن غياب دواء مرضى السرطان
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya