توفيق بوعشرين
بعد تأخر دام لأشهر، قدم المندوب السامي للتخطيط، السيد أحمد الحليمي، نتائج الإحصاء العام للسكان بالمغرب أمام الملك محمد السادس، وهو موعد يتكرر كل عشر سنوات، ويسمح لنا برؤية أنفسنا في مرآة الأرقام. نتائج الإحصاء هذا العام تحمل مفاجآت كبيرة وخطيرة، وإذا لم نحسن قراءتها، دولة ومجتمعا ونخبا، فإننا سنواجه مشاكل بلا حصر في المقبل من السنوات…
لنبدأ بالرقم الأول وعنوانه: المغرب ودع القرية ودخل إلى المدينة.. أكثر من 60 في المائة من سكان المغرب يعيشون في المدن، أي حوالي 20 مليون مغربي يعيشون في المدن أو ما يشبه المدن، في 2004 كان حوالي نصف المغاربة يعيشون في المدن، والنصف الآخر يعيش في البوادي. في ظرف 10 سنوات نزح حوالي 3.5 ملايين مغربي نحو المدن، وفي العشر سنوات المقبلة ستزداد وتيرة الهجرة نحو المدن لتصل إلى 70 في المائة وأكثر، وهذا ما سيشكل ضغطا كبيرا على المدن ومرافقها وبنياتها التحتية، وقدرة ساكنيها على التعايش والعمل والتساكن والاندماج، خاصة أن المغرب يعرف فشلا ذريعا في سياسة إدارة المدن، وإطلالة سريعة على أحوال الطرق والإنارة والنظافة والعمران والسكن والصحة، وغيرها من المرافق الأساسية، تعطيك فكرة أن المدن بأحوالها الراهنة عاجزة عن إدارة سكانها، فما بالك باستقبال ضيوف جدد. هذه الوتيرة المتصاعدة للهجرة من البادية إلى المدينة ستوسع أحزمة الفقر المحيطة بالمدن، وستزيد التوتر الاجتماعي والسياسي، ومعه سيزداد العنف والتطرف والهشاشة والإجرام وكل عوامل اللااستقرار… من جهة أخرى، ستعاني المدن أكثر ظاهرة الترييف. إن فتح الباب للهجرة القروية دون بنية للاستقبال والاندماج والتثقيف معناه حمل البادية إلى المدينة، وإعادة توطينها في تناقض صارخ بين البنيتين والثقافتين. نعم الأرض والفلاحة لم تعودا تنتجان فرص عمل كثيرة، لكن في الوقت نفسه المدن، أمام ضعف النمو وغياب سياسات اجتماعية، هي الأخرى لا تنتج فرص عمل للكثيرين…
الرقم الثاني تحت عنوان: المغرب متشبث بتقسيمه الاستعماري بين مغرب نافع ومغرب غير نافع. 70.2 في المائة من المغاربة يتركزون في خمس جهات فقط، وهي الدار البيضاء-سطات أولا بحوالي سبعة ملايين، ثم الرباط-سلا-القنيطرة، ثم مراكش-آسفي، وتليها فاس-مكناس، ثم طنجة-تطوان-الحسيمة. خمس جهات تضم 70 في المائة من السكان، فيما 11 جهة أخرى -حسب التقسيم القديم- لا تضم سوى 30 في المائة من السكان. هذا معناه أن جل جهات المغرب لا تغري بالاستقرار، وأن المغرب مازال مقسما بين نافع وغير نافع، وهذا معناه، ثانيا، أن جل مخططات التنمية وبرامج التأهيل، ومسلسلات رفع العزلة عن مناطق كثيرة.. كل هذا لم يعطِ نتائج ملموسة على أرض الواقع. الأرقام عنيدة، وهي في الغالب لا تكذب، إلا إذا أردناها ألا تقول الحقيقة…
الرقم الثالث تحت عنوان: نحن بلاد لا تحب المهاجرين. وسط 34 مليون مغربي لا يعيش سوى 88 ألف مهاجر عربي وإفريقي وأوروبي وآسيوي وأمريكي. هذا معناه أننا مجتمع محروم من التعددية الثقافية والاجتماعية واللغوية، ومن القدرة على استقبال طاقات أخرى من دول شتى، وهذا معناه، ثانيا، أننا لسنا بلادا تستقبل المهاجرين ولا تغري بالهجرة إليها إلا في الحد الأدنى، وهذا معناه، ثالثا، أننا لا نوفر قوانين تساعد على الاستقرار. في المغرب مازال العقل الأمني للدولة يتوجس من الغريب، ولا يعطيه سوى إقامة سنة تتجدد بشق الأنفس، ومازالت بيئتنا لا توفر الحد الأدنى من المرافق التي توفرها الدول المستقبلة للمهاجرين.
الرقم الرابع: نحن بلاد سائرة نحو التوازن الديموغرافي، وأننا على أبواب توديع العائلة الكبيرة والأبناء الكثيرين. قال الحليمي أمام الملك إن معدل النمو الديموغرافي نزل من 1.4 سنة 2004 إلى 1.2 سنة 2014. هذا لا يبدو اختيارا مجتمعيا.. هذا اضطرار اقتصادي ناتج عن تأخر سن الزواج لدى المرأة والرجل، وناتج عن ارتفاع تكلفة المعيشة، وناتج، ثالثا، عن خروج المرأة للعمل، وتغير الثقافة لدى الأسرة المدينية التي لم تعد ترى الأولاد بالمنظور نفسه، حيث كانت العائلة في البادية تراهم قوة عمل وحماية وتفاخر اجتماعي، أما الآن فإن الأسر تفكر في تكاليف المعيشة والدراسة والوقت الذي يحتاج إليه الأولاد… هنا نحن أمام مؤشر إيجابي وسلبي في الوقت نفسه. إيجابي لأن نزول معدل النمو الديموغرافي معناه أننا نخفف الضغط عن الميزانية العامة وعن البنيات الأساسية، وسلبي لأننا أمام تغير في الهرم السكاني، حيث سيزداد عدد الشيوخ مقارنة بالشباب، وهذا ما يتطلب إمكانات مادية كبيرة وأنظمة تقاعد صلبة…
هذه قراءة أولية في الأرقام القليلة التي قدمها الحليمي، في انتظار الكشف المفصل للحالة المغربية…