الرابح الأكبر

الرابح الأكبر

المغرب اليوم -

الرابح الأكبر

توفيق بو عشرين

مرت انتخابات الرابع من شتنبر بحلوها ومرها، وهدأت العواصف التي سبقتها في الشارع، وانطلقت جولات مكوكية للتفاوض والبيع والشراء حول رئاسة المجالس المحلية والجهوية ومكاتبها وتفويضاتها …

لكن كل هذا أفضل بكثير مما يجري في ليبيا وسوريا والعراق واليمن ومصر والخليج والجزائر، وحتى تونس مهد الربيع العربي.

أن تتصارع النخب السياسية المغربية والمصالح واللوبيات المرتبطة بها في مكاتب الاقتراع ووسائل الإعلام وصالونات (البزار السياسي)، أفضل من أن يتصارعوا بالبراميل المتفجرة والأسلحة المستوردة والاغتيالات السياسية والحروب الطائفية التي تجتاح العالم العربي هذه الأيام. هذه زاوية أخرى لقراءة أول انتخابات محلية بعد الدستور الجديد، وبعد تأجيل غير مبرر لموعدها لمدة أربع سنوات ….

المغرب وتجربته الديمقراطية الفتية، إذن، هما الرابحان الأكبران من وراء هذا التمرين السياسي الهام. الرابح الثاني الذي كسب رهانا سياسيا كبيرا من وراء تنظيم انتخابات مفتوحة وتنافسية، هو القصر والجالس على العرش الذي التزم أمام شعبه في خطاب 9 مارس بإصلاحات جوهرية للنظام السياسي، الذي ورثه عن أبيه الملك الراحل الحسن الثاني، هذا الأخير الذي وضع منذ ستينيات القرن الماضي ثابتا من ثوابت نظام الحكم وهو ما يسمى (بلعبة التوازنات الحزبية) التي تعني أن القصر كان دائما يعتبر قوته في ضعف الأحزاب السياسية والعكس صحيح. وكان يرى أن بلقنة الخارطة الحزبية وتشجيع الانشقاقات وسط الأحزاب القادمة من الحركة الوطنية وتقسيمها إلى موالية للنظام، ومعادية له، هو السبيل لبقاء الحكم قويا وغير خاضع لأي نوع من التفاوض مع حزب قوي يملك شرعية شعبية …أستطيع أن أقول الآن إن الملك محمد السادس قد خلخل هذا الثابت في النظام السياسي، والذي كان يمنع الديمقراطية والتعددية من أن تنضج، وإن الجالس على العرش بإشرافه المباشر على شفافية الاقتراع، حرص على الحد الأدنى من التنافسية مرتين متتاليتين في انتخابات 2011 التشريعية.

والآن في الانتخابات الجماعية والجهوية، فإنه يعطي إشارات واضحة عن نهاية لعبة التوازنات، وعن أسلوب الضبط السلطوي لنتائج الاقتراع (لم يحصل أي حزب وطني أو إداري كبير أو صغير في عهد الحسن الثاني على أغلبية الأصوات في المدن الكبرى. كان دائما إدريس البصري يتدخل ليجعل من الانتخابات قطعة ثوب تُفصل على المقاس المعد سلفا). الآن «البي جي دي» يحصد الأغلبية المطلقة في الدار البيضاء وطنجة وفاس وأكادير وسلا وتمارة ومراكش … حيث سيدبر غدا 80% من الميزانية المخصصة للمجالس المحلية والجهوية ….هذا حدث أكبر من الحدث الذي سبقه في انتخابات 2011، حين حصل المصباح على 108 مقاعد في مجلس النواب بفارق كبير عن حزب الاستقلال الذي جاء في المرتبة الثانية. في المرة الأولى، كان الإسلاميون مدفوعين بأمواج الربيع العربي. اليوم بنكيران ينتزع نصرا تاريخيا في ظل الخريف العربي، حيث فشل الإسلاميون في كل الدول التي وصلوا فيها إلى الحكم. هذا يعطي لنصره طعما آخر… 

هذه الملاحظة لا تعني أن عملية الضبط la régulation انتهت من حياتنا الحزبية، وأن البلاد تحولت في ظرف أربع سنوات إلى ديمقراطية اسكندنافية. لا، أبدا، المملكة مازالت تتعلم المشي على السكة الديمقراطية، لكن القواعد تتغير والتحكم في كل شيء يضعف، واللعبة السياسية تنفتح شيئا فشيئا، وصوت المواطن يكسب قيمة يوما بعد يوم، انتخابات بعد انتخابات، استحقاقا بعد استحقاق. سيقول لي البعض وهل نسيت البام والدور الذي يلعبه في جعل البوادي خزانا احتياطيا في جيب المخزن، فأقول أنا لم أنس، لكن هناك فرقا كبيرا بين الطريقة التي دعمت بها الإدارة حزب الجرار سنة 2009 والوضع الآن، والذي لا يلحظ الفرق لا يفهم في السياسة وتحولاتها. البام طُرد من المدن إلى البوادي، والكتلة الناخبة الأكثر تأثيرا في المغرب عاقبته، وعاقبت الحزبين اللذين وضعا يديهما في يده، وأقصد الاتحاد والاستقلال. والبام ولو أنه فاز بالرتبة الأولى في عدد المقاعد، فإنه لم يفز بالمرتبة الأولى في عدد الأصوات، رغم أنه رشح أكبر عدد من المرشحين، وبطريقة حولها علامات استفهام كبيرة.

كيف ينجح حزب صغير ولد قبل خمس سنوات في ترشيح 18 ألف مرشح، في حين لم يرشح حزب عمره أكثر من 70 سنة مثل حزب الاستقلال سوى 17 ألف مرشح. لكن مع كل هذا، إذا اتسعت الكتلة الناخبة في المدن الكبرى والصغرى، ومع التحول الديمغرافي الذي يجعل سكان المدن يصلون إلى أكثر من 70٪ من ساكنة المغرب في الانتخابات الجماعية القادمة، فلنا أن نتصور مستقبل البام، كيف سيكون هو والأحزاب الأخرى من فصيلته؟

الاختيار السياسي الذي نهجه المغرب منذ الحَراك المغربي له مكاسب كثيرة، أولها الاستقرار، وثانيها السمعة الطيبة في الداخل والخارج، وثالثها مباشرة الإصلاحات الصعبة بأقل كلفة سياسية، لكن هذا الاختيار له فاتورة وأولاها القبول بمفاجأة صندوق الاقتراع، واحترام قواعد اللعبة، والتخلي عن حلم التحكم في كل شيء، ونسيان الحذاء الخشبي الذي تضعه الأنطمة السلطوية في رجل شعوبها حتى لا تكبر.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الرابح الأكبر الرابح الأكبر



GMT 19:41 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

الاهتمام بلبنان في ظلّ إعادة تأسيسنا صاروخيّاً!

GMT 19:39 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

ثلاثية الكويت

GMT 19:36 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

محاكمة لجنة التحقيق!

GMT 19:35 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

فكرة بديلة فى الرى!

GMT 19:32 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

ما نعرفه حتى الآن

GMT 12:34 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

الشخصية اللبنانية كمزحة

GMT 12:32 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

لماذا يكره المتطرفون الفنانين؟

GMT 12:29 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

ارفع معنوياتك!

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 15:55 2020 الإثنين ,05 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم الجمعة 30 تشرين الأول / أكتوبر لبرج الميزان

GMT 04:16 2019 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

زكي يوجه رسالة قوية إلى مسؤولي الدفاع الحسني الجديدي

GMT 14:34 2018 الثلاثاء ,02 تشرين الأول / أكتوبر

"بريزنتيشن" تؤكد أن مُبررات "صلة" في شأن فسخ تعاقدها غير الصحة

GMT 08:32 2018 الإثنين ,02 إبريل / نيسان

"الأساور العريضة" تصلح لمختلف مناسبات صيف 2018

GMT 11:37 2018 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

ياسمين جمال ترتدي فستان الزفاف للمرة الثانية بعد الطلاق

GMT 01:48 2016 السبت ,08 تشرين الأول / أكتوبر

علاج الشيب نهائياً وبألوان مختلفة

GMT 17:48 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

تمارين تساعدك في بناء العضلات وخسارة الوزن تعرف عليها

GMT 04:16 2019 الإثنين ,30 كانون الأول / ديسمبر

المغرب يشهد نهضة غير مسبوقة في مجال التنقيب عن النفط

GMT 06:33 2019 الخميس ,24 تشرين الأول / أكتوبر

تعرف على الفوائد المذهلة لثمرة الرمان على الصحة
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya