الإرهاب من المهد إلى اللحد

الإرهاب من المهد إلى اللحد

المغرب اليوم -

الإرهاب من المهد إلى اللحد

توفيق بوعشرين

علقوا رأسا مقطوعة على بوابة مصنع للغاز في مدينة ليون الفرنسية، قاموا بمجزرة على شاطئ مدينة سوسة في تونس ذهب ضحيتها 36 سائحا غربيا، فجر انتحاري نفسه وسط مسجد شيعي في الكويت وقتل 26 بريئا… هكذا احتفى تنظيم داعش بالذكرى الأولى لقيام «دولة الخلافة» في العراق وسوريا… ثلاث هجمات في ثلاث قارات في توقيت متقارب، والرسالة واضحة لا تحتاج إلى من يفك شفرتها: نحن موجودون في كل مكان، ويمكن أن نضرب في أي ساعة، ويمكن أن نستهدف الأماكن الحساسة. ترى، هل لهذا الرعب من نهاية أو على الأقل بداية نهاية؟
الدراسات الأكاديمية الغربية التي اشتغلت على الإرهاب وحركاته بكل ألوانها وأشكالها وعقائدها رسمت خطاطات لنهاية الإرهاب لدى الحركات والتنظيمات التي تعتمد هذا السلاح الفتاك، نعرض سِتًّا منها مع قياسها على داعش، وهل تنطبق على هذا التنظيم أم لا:

أولا: هناك النهاية الطبيعية لأي تنظيم إرهابي بموت القادة الملهمين للحركات الإرهابية، وعدم قدرة التنظيم، خاصة إذا كان هرميا، على نقل المشعل إلى جيل ثانٍ وثالث. هنا يضمحل مشروع الإرهاب ويموت مع الوقت، وهذا ليس هو حال تنظيم داعش وقبله تنظيم القاعدة، حيث اعتمد التنظيمان معا شكلا عنقوديا وليس هرميا فيه لامركزية كبيرة، وكل مجموعة تشتغل بمعزل عن الأخرى، وبالتالي، فإن موت القادة واغتيالهم لا يؤثر على حيوية التنظيم، بل يزيد من قدرته على التعبئة والحشد.

ثانيا: تنتهي التنظيمات الإرهابية بتقادم الأهداف التي من أجلها قامت أول يوم، وهذا التقادم ينتج عن طول زمن الإرهاب أو تغير الأوضاع المحلية أو الإقليمية أو الدولية. عندما تختفي الغايات التي من أجلها ولد الإرهاب يتراجع ثم يموت، هذا سيناريو بعيد عن الحالة الداعشية التي تبدو أهدافها المعلنة مازالت قائمة، بل إن هذه الأهداف تتمدد كل يوم إلى دول ومناطق جديدة.

ثالثا: يتوقف الإرهاب كذلك في حالة تحقيق الأهداف السياسية التي تحرك الجماعات والحركات الإرهابية، أي وصول رسالتها إلى منتهاها الأخير كليا أو جزئيا، هنا أيضاً لا يبدو أن داعش قريبة من تحقيق أهدافها، كما أن تصورها للدولة كأداة لقتال الآخر وتدمير الأعداء، كل الأعداء، لا يجعلها تركن إلى السلم أو الأمان، فهي في حالة حرب مستمرة، ومن ثم فإن قائمة أهدافها السياسية مفتوحة، هذا علاوة على أن دول المنطقة والقوى الكبرى لن تترك دولة دينية متعصبة تستمر على هذا المنوال.

رابعا: ينتهي إرهاب جماعة أو تنظيم أو حركة بيأس القائمين عليه من تحقيق أهدافهم، أي أن بلوغ الهدف ينهي الإرهاب، واليأس من بلوغه ينهي الإرهاب كذلك. عدم وصول رسائل الإرهابيين إلى هدفها يدفعهم إلى مراجعة أنفسهم أو العدول عن الإرهاب إلى وسائل أخرى غالبا ما تكون سياسية… هذا أيضاً لا ينطبق على داعش، الآن على الأقل، حيث يبدو أن التنظيم مازال حيويا وقادرا على فتح فروع أخرى لنشاطه في المغرب العربي واليمن ومصر، علاوة على سوريا والعراق ودول الخليج وأوروبا.

خامسا: ينتهي مشروع الإرهاب أو يفقد تأثيره عندما يخسر السند الشعبي الذي يؤازره من الخلف، ويوفر له حاضنة ومأوى للتمويل والتشجيع والدعاية والاستقطاب وتعويض الخسائر، تماماً مثل منتوج يطرح في السوق ويكتشف أصحابه أنهم خسروا زبناءهم المعتادين، عندها إما يسحبون المنتوج من السوق أو يغيرونه، وحتى في هذه الحالة لا يبدو أن تنظيم داعش يعيش كسادا لبضاعته في عالم عربي حائر ومشوش الرؤية ولا يعرف للطريق خارطة.

سادسا: يضع المشروع الإرهابي نقطة النهاية لمساره عندما يقوم قادته بمراجعات فكرية وسياسية لوسائلهم العنيفة ونهجهم الدموي، وذلك بعد أن يتأكدوا أنهم سيربحون بالسياسة أكثر مما سيربحون بالسلاح، وأنهم يخسرون بالإرهاب أهدافهم ومراميهم، وأن هناك طرقا أخرى لبلوغ الأهداف نفسها أو قريبا منها دون إرهاب، هنا أيضاً لا نتوفر على مؤشرات تقول إن داعش كتنظيم مغلق تنظيميا ومتعصب دينيا وعسكري أذاتيا قريب من مراجعة فكرية يعيد بمقتضاها النظر في الإرهاب كوسيلة للدفاع عن أفكاره ومصالحه.

من خلال ما سبق يتضح أن المشكل في العالم العربي مزدوج؛ هناك بضاعة إرهابية تخرج من مصانع الفكر السلفي الجهادي الذي طور أدوات جهنمية لاستقطاب الشباب واللعب على إحباطات الأفراد والجماعات، وهناك طلب سياسي واجتماعي على هذا الفكر في المجتمعات العربية المحبطة من الاستبداد المحلي ومن الفقر والتهميش، والإحساس بالغبن لدى فئات واسعة من الشباب. ليس صدفة أن تظهر داعش بعد انقلاب الربيع العربي إلى خريف.. ليس صدفة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الإرهاب من المهد إلى اللحد الإرهاب من المهد إلى اللحد



GMT 19:41 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

الاهتمام بلبنان في ظلّ إعادة تأسيسنا صاروخيّاً!

GMT 19:39 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

ثلاثية الكويت

GMT 19:36 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

محاكمة لجنة التحقيق!

GMT 19:35 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

فكرة بديلة فى الرى!

GMT 19:32 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

ما نعرفه حتى الآن

GMT 12:34 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

الشخصية اللبنانية كمزحة

GMT 12:32 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

لماذا يكره المتطرفون الفنانين؟

GMT 12:29 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

ارفع معنوياتك!

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 19:20 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

حظك اليوم الأربعاء 2 كانون الأول / ديسمبر لبرج الجدي

GMT 06:36 2018 السبت ,08 أيلول / سبتمبر

تمتع بمغامرة فريدة في أجمل مدن "مولدوفا"

GMT 11:44 2017 الثلاثاء ,19 كانون الأول / ديسمبر

المؤجلات… موت التشويق

GMT 22:25 2015 السبت ,12 كانون الأول / ديسمبر

المانجو فاكهة النشاط والتفاؤل

GMT 15:47 2018 الثلاثاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

أفكار مميزة لتجديد حديقة منزلك بدون تكاليف في الشتاء

GMT 18:25 2018 الأربعاء ,27 حزيران / يونيو

لمسات بسيطة تضفي مزيدًا من الجمال على شرفات منزلك
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya