ألوان التطرف

ألوان التطرف

المغرب اليوم -

ألوان التطرف

توفيق بو عشرين

التنطع في الدين يقود إلى التشدد، والتشدد يقود إلى التطرّف، والتطرف يقود إلى الإرهاب، والإرهاب يقود إلى التوحش… هي ذي دورة الفكر الأصولي المعاصر. بدأ كل شيء من القراءة الحرفية للدين احتجاجا على حداثة الاستعمار، ثم انتقلنا من هذه القراءة، التي تقف عند الحرف ولا تصل إلى المقصد، إلى فكر إخواني منغلق يقول إن الإسلام هو الحل، ومنه انتقلنا إلى الجهاد هو الحل، وها نحن في عصر الذبح هو الحل.. شعار داعش التي ترتكب أسوأ الفظاعات باسم الدين.

حول طاولة اجتمع العالم أول أمس في نيويورك يبحث عن سلاح لمحاربة الإرهاب في العراق وسوريا واليمن وليبيا… تحدث الرئيس الامريكي باراك أوباما وضيوفه في ندوة الكبار ثم تفرقوا على قول واحد: لا مستقبل لداعش ولا مستقبل للإرهاب. إنهم يتوعدون، يهددون، يصفون، لكنهم لا يحللون جذور هذا الإرهاب، لا يقفون على المتاهات التي أدخلنا إليها الفقر والجهل والاستبداد والفوضى الخلاقة للآنسة كوندليسا رايس.

تصوروا كيف نزلنا في درج الفكر الديني من القمة إلى الهاوية.. كانت البداية جمال الدين الأفغاني، ثم تبعه محمد عبده، ثم جاء من بعده علال الفاسي ورشيد رضى، ثم نمى إلى جانبه حسن البنّا وتبعه المودودي، ثم سطع نجم سيد قطب الذي نظر لإخوانه من زنزانة السجن، ثم خرج الدكتور أيمن الظواهري فأسامة بن لادن فالملا عمر فالزرقاوي، ثم ها نحن أمام أمير المؤمنين وخليفة المسلمين أبي بكر البغدادي، الذي جاء يبشر بسبي النساء وقطع الأعناق وقتال العدو القريب قبل البعيد.
تحول الإصلاحي إلى وهابي، والوهابي الى سلفي، والسلفي إلى جهادي، والجهادي إلى قاعدي، والقاعدي إلى داعشي، أما الأسوأ فلم نره بعد.. الأرض العربية مازالت خصبة ومازالت رحمها قادرة على إخراج كل أنواع التطرف والغضب والاحتجاج .

مشكلة التطرف، أي تطرف، سواء في الدين أو الفكر أو السياسة، أنه جواب خاطئ عن سؤال صحيح، وهنا يقع الخلط، وهنا تزل الأقدام وتحار العقول. التطرف الديني يقوم بتشخيص صحيح للواقع، يبسط أمامك مظاهر الاستبداد والفقر والظلم والتفكك والضعف والفساد والانحراف، وكل أعطاب الدولة والمجتمع، وعندما يمر من التشخيص إلى العلاج يرتكب أفظع الأخطاء، فيقتل المريض عِوَض أن يعالجه. يرى الاستبداد قائما، وعوض أن يقترح عليك الديمقراطية كعلاج يكتب لك وصفة لنظام الخلافة، حيث الشوكة أس الحكم والطاعة جوهره. يرى الظلم في كل مكان، وعوض أن يقترح عليك دولة القانون وحقوق الإنسان والمساواة كدواء، ينصحك بدولة الفقهاء وحكم العمائم. يرى المجتمع غارقا في الفقر والبؤس والحرمان، وعوض أن يقترح عليك العدالة الاجتماعية يشير عليك بقائمة مفصلة للحلال والحرام. يرى المرأة مهضومة الحقوق مبعدة عن العلم والسياسة والاقتصاد، فينصحها التطرّف بالنقاب ولزوم البيت وعدم الخروج إلا للحاجة. يرى التطرّف أننا أمة تأكل مما لا تزرع وتلبس مما لا تنسج وتركب ما لا تصنع، وعوض أن يقترح علينا العلم والانفتاح على منجز الحضارة الغربية، يعرض علينا الجهاد وقتال أمريكا وأوروبا وروسيا وسبي نسائهم وفرض الجزية على كفارهم.

الأصولية المعاصرة رد فعل على الحداثة القسرية، والإسلامي الراديكالي ابن الحداثة المعطوبة، والجهادي الثوري ابن التنمية المعاقة، والداعشي، الذي هجر بلاده لقتال الشيعة والعلويين في سوريا، جندي الإحباط في المعركة الخطأ. إنها صورتنا الأخرى في مرآة الفشل الذي وصلت إليه الدولة العربية ما بعد الاستقلال.

خلف الصور والكليشهات والعناوين والمظاهر هناك حقائق مؤلمة، وهناك حساب يجب أن يدفع. التطرّف لا يقود إلى الحل بل هو المشكلة الكبرى التي تجيب عن المشكلة الأصغر منها. التطرّف حيلة الضعيف الذي لا يقدر على محاربة القوي بسلاح العلم والفكر والسياسة والحضارة، فيلجأ إلى تفخيخ نفسه والانتحار عند أول معبر يلاقيه. الإرهابي مجرم وضحية في الوقت ذاته…

الحياة أكثر تعقيدا من البساطة التي يقترحها علينا عقل التطرّف، والصراع في عالم اليوم مركب أكثر مما تراه أعين التطرّف، والمعركة أوسع مما يصل إليه سلاح التطرف…

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ألوان التطرف ألوان التطرف



GMT 19:41 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

الاهتمام بلبنان في ظلّ إعادة تأسيسنا صاروخيّاً!

GMT 19:39 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

ثلاثية الكويت

GMT 19:36 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

محاكمة لجنة التحقيق!

GMT 19:35 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

فكرة بديلة فى الرى!

GMT 19:32 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

ما نعرفه حتى الآن

GMT 12:34 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

الشخصية اللبنانية كمزحة

GMT 12:32 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

لماذا يكره المتطرفون الفنانين؟

GMT 12:29 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

ارفع معنوياتك!

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 17:14 2018 الأحد ,21 كانون الثاني / يناير

اتحاد كرة القدم يكشف رغبة ريال مدريد في ضم محمد صلاح

GMT 04:38 2017 الأربعاء ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

فساتين سهرة للمحجبات من أحدث صيحات موضة الشتاء
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya