توفيق بو عشرين
مرة قال بنكيران لأتباعه، في تفسير الحملات الدعائية ضده هنا وهناك: «عندما تستدعون إلى حفل ختان صبي لا تهتموا بالجوق الذي يعزف ألحانا جميلة أو قبيحة، انتبهوا إلى العملية الأخرى التي تجري بين رجلي الصبي..
هذا هو الحدث المهم، أما الجوق والموسيقى فهما موجودان للتغطية على العملية إياها». سنأخذ بنصيحة بنكيران ونقفز فوق الجدل و«البوليميك» الذي ثار حول عدد من الوقائع هذا الأسبوع، ونطرح بعض الأسئلة التي لم ننتبه إليها في زحمة الأحداث...
السؤال الأول: لم نسمع رسميا عن سفر الجنرال دوكوردارمي، عبد العزيز بناني، إلى فرنسا للعلاج من جلطة دماغية في مستشفى عسكري اسمه «فال دوغراس» إلى أن وقعت حادثة اقتحام الضابط أديب عليه خلوته الصحية في محاولة للانتقام من الجنرال وهو على سرير المرض، لأن أديب اعتبر أن الجنرال كان وراء الحكم عليه بسنتين حبسا، بعد أن كانت خمس سنوات، في محاكمة عسكرية سريعة بعد حواره مع «لوموند» سنة 1999، ادعى فيه أن هناك فسادا ورشوة في صفوف بعض أفراد الجيش...
هنا تبادر إلى ذهني سؤالان؛ الأول هو: لماذا لم تكتب مؤسسة الجيش بلاغا صحافيا تقول فيه إن الجنرال دوكوردارمي المفتش العام للقوات المسلحة الملكية وقائد المنطقة الجنوبية مريض، وقد سافر إلى باريس للعلاج، كما تفعل كل المؤسسات التي ترى أن الرأي العام من حقه أن يعرف كل شيء عن الرجل العمومي، وعن مصير المسؤوليات الموضوعة بين يديه. إننا نرى دولا أخرى تعلن مرض مسؤوليها وغيابهم ورجوعهم من رحلات العلاج، فهم بشر مثلنا، ويسري عليهم القانون نفسه، وليسوا آلات لا تتعب ولا تمرض. خلف هذه التقاليد التي لا تقيم وزنا للرأي العام توجد ثقافة يجب الحفر فيها عميقا لإزالتها.
أما السؤال الآخر فهو: الجنرال –شفاه الله- لم يختر المستشفى العسكري بالرباط للعلاج، وفضل مستشفى عسكريا آخر في فرنسا اسمه «فال دوغراس». هذا أمر مشروع، فالصحة تاج فوق رؤوس الأسوياء لا يراه إلا المرضى، لكن لماذا لم ننجح، لا كمدنيين ولا كعسكريين، في بناء مؤسسات استشفائية تليق بجنرالاتنا ومرضانا الكبار، دعك من المرضى الصغار، إن كان هناك مجال للمقارنة بين الفئتين أصلا؟ لماذا نجح الجيش هناك في إنشاء «فال دوغراس»، وفشل جيشنا هنا في إنشاء مستشفى قريب منه يقدم خدمات في مستوى كبير لا يضطر جنرالاتنا إلى السفر إلى بلاد أخرى لتلقي العلاج، خاصة أن «الوقت خايبة في أوربا هذه الأيام»؟ مجرد سؤال.
السؤال الثاني: وزير المالية، محمد بوسعيد يخوض معركة زنقة زنقة، بيت بيت، دار دار في البرلمان من أجل محاربة الشفافية والحكامة وربط المسؤولية بالمحاسبة. السيد بوسعيد، ووراءه «الجنرال بنسودة»، رفضا معا تعديلا تقدمت به الأغلبية والمعارضة على مشروع القانون التنظيمي للمالية، يسمح للبرلمان بالاطلاع على الحسابات الخصوصية، خاصة حساب الميزانية، الذي تتجمع فيه المليارات كل سنة نتيجة النشاط البنكي الذي تقوم به مديرية الخزينة... لماذا يرفض بوسعيد تطبيق القانون الذي أعطى الولاية الكاملة للبرلمان على صرف أي درهم؟ ماذا يفعل الأزمي، الوزير المنتدب في المالية وعين بنكيران في هذه الوزارة الاستراتيجية، حتى لا يسد ثقبا كبيرا في مشروع القانون التنظيمي للمالية تتسرب منه المليارات بلا حسيب أو رقيب، حيث ترك البرلمانيين وحدهم مع كبار مديري المالية الذين يبتزون الحكومة... السؤال الآخر هو: كيف يسكت رئيس الحكومة، عبد الإله بنكيران، الذي يحمل شعار محاربة الفساد، على الضغوط التي يمارسها بوسعيد وصحبه على مؤسسة التشريع؟ على بنكيران أن يقرأ هذه الجمل التي صرح بها محمد الأشعري، وهو وزير سابق في حكومة اليوسفي، حيث قال: «أكبر خطأ قام به حزب الاتحاد الاشتراكي أنه جعل الديمقراطية محل تفاوض وهو في الحكومة... التفاوض يكون شريفاً ومنتجا إن كان بين أطراف متكافئة ويمر من قنوات سليمة، لكن حينما يختلط بالابتزاز والاستجداء والتحايل والتكسب والزبونية والولاءات الشخصية وشراء الذمم، يصبح نوعا من التخريب الداخلي للبنيات السياسية».
السؤال الثالث: إدريس الأزمي، حسب علمي، رئيس للمجلس الوطني لحقوق الإنسان وليس مناضلا في الجمعية المغربية لحقوق الإنسان وهو رئيس مؤسسة دستورية، وبهذه الصفة جاء الرجل إلى البرلمان قبل أسبوعين، وفجر قنبلة أمام مجلسيه. قال: «إن الدولة مست الحق في الحياة في حالتين بعينهما، كمال العماري ورشيد الشن». سمعت الحكومة ووزارة العدل ووزارة الداخلية هذا الكلام الخطير، وإلى كتابة هذه الأسطر لم تعط النيابة العامة أوامرها بفتح تحقيق جدي حول المسؤولين المتهمين بالوقوف خلف هذه الجريمة التي مست بالحق في الحياة، وهو أسمى حق في الوجود. العماري والشن ليسا فأرين أو جرذين حتى لا نتحرك انتصارا لحقهما في الحياة. لا أفهم سر هذا الصمت الرهيب الذي أخرس الجميع، حكومة وبرلمانا وصحافة وقضاء، والآن فقط أفهم مضمون ذلك البلاغ الذي قالت الحكومة فيه إنها تلتزم بأن تأخذ توصيات وقرارات وتقارير المجلس الوطني لحقوق الإنسان بعين الاعتبار، خاصة التوصيات المتعلقة بالأقاليم الجنوبية.
أكتفي بهذا القدر لأني لا أريد أن أتعب رؤوسكم بأسئلة أخرى على هذه الشاكلة.. أسئلة ليس نحن من يجب أن يجيب عنها بل الحكومة وكبار المسؤولين المؤتمنين، نظريا على الأقل، على رعاية مصالح البلاد والعباد.