طاجين بنكيران بتوابل جديدة

طاجين بنكيران بتوابل جديدة

المغرب اليوم -

طاجين بنكيران بتوابل جديدة

بقلم : توفيق بو عشرين

أعلام وطنية في كل أرجاء القاعة، وصور الملك محمد السادس موضوعة في المنصة بعناية، وأغانٍ ملتزمة وشعبية تصدح في مركب مولاي عبد الله، وتنظيم محكم في مؤتمر استثنائي منقول مباشرة على اليوتيوب وأمام الصحافة، ورسائل ود من بنكيران إلى مؤسسات الدولة، من الملكية إلى المخابرات المدنية إلى القوات المسلحة.. صناديق شفافة موضوعة أمام المنصة للتصويت ديمقراطيا على قرار تمديد عمر بنكيران سنة إضافية… هذا ليس مؤتمر حزب من أحزاب ما كان يسمى بالإدارة.. هذا حزب جذوره كبرت في العارضة، وقياداته بدؤوا راديكاليين يناوئون شرعية الحاكم، وها هم الآن يقدمون أنفسهم جزءا من الدولة، وحتى عندما يعلنون مخاوفهم من المناورات التي تحيط بالانتخابات المقبلة، فإنهم يحملون المسؤولية لحزب التحكم وليس لكل مؤسسات الدولة.
هكذا بدا المؤتمر الاستثنائي لحزب العدالة والتنمية، الذي عقد بالرباط نهاية الأسبوع الماضي، والذي وجه رسائل عدة إلى من يهمهم الأمر بأشكال مختلفة ورموز متنوعة ولغات عدة.
الرسالة الأولى كانت موجهة إلى الملكية، حيث لخص بنكيران «فلسفته» في إدارة هذه العلاقة بالقول: «نحن ندافع عن الثوابت، ونحن وراء جلالة الملك في كل المعارك التي يخوضها في الداخل والخارج. لقد قضينا 20 عاما في المعارضة وخمس سنوات في الحكومة، وأدرنا أمورنا بالتعاون والاحترام مع الملك»، لكن، في الوقت نفسه، يقول بنكيران، في شرح طبيعة هذه العلاقة المركبة التي تجمع الحزب بالملكية في بلاد لا تقاليد فيها للفصل بين العرش وبين قرارات وسياسات كبرى قد تكون محل نقاش.. يقول بنكيران: «في الوقت نفسه، نحن لسنا مسيحيين لندير الخد الأيسر للذي يصفعنا على الخد الأيمن». بنكيران يقيم هنا فصلا لم تعتده النخب السياسية التقليدية بين الاحترام والتعاون الواجب مع الملك، والتحفظ على سياسات واختيارات أطراف في الدولة قد تكون محسوبة على القصر صراحة أو ضمنا، هكذا يستطيع بنكيران أن يجمع بين نقيضين (الحكومة والمعارضة)، أن يكون الشخص الثاني في الدولة، وأن يكون المعارض الأول في المملكة لقرارات وسياسات لا يتفق معها.
الرسالة الثانية للمؤتمر الاستثنائي كانت موجهة إلى حزب الأصالة والمعاصرة، ومن يعتقد بنكيران أنهم يؤيدونه في أجهزة الدولة ويراهنون عليه.. هذه الرسالة تقول إن اللعب بالانتخابات لا يهدد فقط التجربة الديمقراطية والاستقرار الذي ينعم به المغرب، بل إن المناورات تضعف الدولة في الخارج، وتجعلها هشة وغير قادرة على ربح معارك مصيرية. يقول بنكيران: «المناورات التي تحاك ضد التجربة الديمقراطية في المغرب ستكون كلفتها السياسية غالية، فإذا كنا حزبا مدافعا عن الثوابت، حريصا على الاستقرار، نظيف اليد، ملتزما بقوانينه وديمقراطيته فمن يزعجه هذا الأمر؟». بنكيران حاول أن يخيف الدولة العميقة من احتمال فبركة خارطة انتخابية بعيدة عن حقيقة ووزن كل حزب في صندوق الاقتراع، ويقول لحزبه إن كل المؤشرات تقول إنكم ستحلون في المرتبة الأولى يوم 7 أكتوبر.
الرسالة الثالثة في كلمة بنكيران كانت موجهة إلى الشعب.. إلى 13 مليون ناخب الذين يريد بنكيران أن يجعل منهم شاهدين وفاعلين في استحقاق السابع من أكتوبر، وأن يشركهم في حماية الاختيار الديمقراطي وتحمل مسؤولية ذلك، يقول زعيم العدالة والتنمية: «اليوم نُشهد الشعب على أننا لن نتراجع تحت تأثير المكر والخداع والمناورات وأنواع الإفك والتلفيق والاتهام بالباطل وغيره، والبحث عن الملفات والتفتيش في الماضي، لن نتراجع وليس لنا الحق في التراجع لأن الرفعة التي رفع بها الله رأس العدالة والتنمية جعلت من المغرب محط أنظار العالم كدولة آمنة في محيط مرتبك، ما تعاودوش تكدبو على الناس وتبغيو تقنعوهم بأن كلشي زوين في هذه البلاد إلا هذه الحكومة».
هذه الرسائل المهمة التي حملها خطاب بنكيران، وبعدها هناك رسائل إلى مناضلي حزبه الذين قال لهم: «لا تتحرجوا في التمديد لقيادتكم بعد النجاحات الباهرة التي حققتها في 2011 و2015، ولأن الاستعدادات للانتخابات على الأبواب، ولا تسمح بعقد مؤتمر عادي». ولكي يتحدى أحزاب المعارضة التي تطالب بإلغاء 300 ألف صوت التي سجلت عبر الأنترنت وضمت فئات من الشباب، حرض بنكيران حزبه وشبيبته على تنظيم حملة أكبر لتشجيع الناس على التسجيل في اللوائح الانتخابية لأن ذلك يربك حسابات من يريد التحكم في الانتخابات.
اتفق أو اختلف مع بنكيران، اتفق أو اختلف مع التمديد له سنة أو أكثر على رأس الحزب، اتفق أو اختلف مع مرجعيته وطريقته في تصريف هذه المرجعية، اتفق أو اختلف حول تجذر القناعة الديمقراطية في عقله وقلبه من عدمه، لكن لا يمكن أن تنكر أن زعيم العدالة والتنمية يضفي حيوية على الممارسة السياسية، ويقاوم بطريقته مخططات قتل روح السياسة، وجعل الأحزاب قطعا جامدة على الرقعة لا تتحرك إلا بالأوامر والتعليمات. لم يدفع كرسي السلطة بنكيران إلى بلع لسانه، ولا جعلته أبهة المنصب ينسى جذوره.. إنه يجرب خلطة جديدة للإصلاح من الداخل، وهو يعرف صعوبات هذا الخيار ومخاطره، لكنه في الوقت نفسه يعتني بأدوات الإصلاح، مثل الحزب الذي أبقى عليه حيا وقويا وموحدا، ونظافة اليد التي يعتبرها حجر الزاوية في سلوك وزرائه، والتواصل مع الناس الذي يرى أنه الملجأ الأخير، واستقلالية القرار الحزبي، حيث لم يسمح في الغالب لأحد بالاقتراب منه… هنا يختلف عمن سبقوه.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

طاجين بنكيران بتوابل جديدة طاجين بنكيران بتوابل جديدة



GMT 06:02 2018 الأحد ,25 شباط / فبراير

حان وقت الطلاق

GMT 07:26 2018 الجمعة ,23 شباط / فبراير

سلطة المال ومال السلطة

GMT 06:39 2018 الخميس ,22 شباط / فبراير

لا يصلح العطار ما أفسده الزمن

GMT 05:46 2018 الأربعاء ,21 شباط / فبراير

الطنز الدبلوماسي

GMT 05:24 2018 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

القرصان ينتقد الربان..

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 19:20 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

حظك اليوم الأربعاء 2 كانون الأول / ديسمبر لبرج الجدي

GMT 06:36 2018 السبت ,08 أيلول / سبتمبر

تمتع بمغامرة فريدة في أجمل مدن "مولدوفا"

GMT 11:44 2017 الثلاثاء ,19 كانون الأول / ديسمبر

المؤجلات… موت التشويق

GMT 22:25 2015 السبت ,12 كانون الأول / ديسمبر

المانجو فاكهة النشاط والتفاؤل

GMT 15:47 2018 الثلاثاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

أفكار مميزة لتجديد حديقة منزلك بدون تكاليف في الشتاء

GMT 18:25 2018 الأربعاء ,27 حزيران / يونيو

لمسات بسيطة تضفي مزيدًا من الجمال على شرفات منزلك
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya