ليس كل ما يلمع ذهبا

ليس كل ما يلمع ذهبا..

المغرب اليوم -

ليس كل ما يلمع ذهبا

بقلم : توفيق بو عشرين

رجع المغرب من البرازيل بميدالية يتيمة من آخر معدن كان موجودا في ريو ديجنيرو.. البرونز، وشعر المغاربة، كعادتهم أمام هذه النكبات، بمزيج من الحزن والضعف والهوان بين الأمم، صغيرها وكبيرها… لهذا، رجعوا إلى النوستالجيا يحتمون بها من مرارة الواقع، ونشر الكثيرون على صفحاتهم في الفايسبوك فيديو سعيد عويطة ونوال المتوكل وهما يحملان الذهب في سنة 1984 من لوس أنجلس.
الألعاب الأولمبية لا يتبارى فيها العداؤون والملاكمون ولاعبو الكرة والتنس والغولف… فقط، بل تتبارى فيها الدول والأمم والحكومات، ومعها أنماط الحكم والتدبير والتسيير، ولهذا، دائما كانت الألعاب الأولمبية وكأس العالم لكرة القدم، وغيرها من التظاهرات العالمية، أحداثا سياسية بالدرجة الأولى، ثم رياضية بالدرجة الثانية، ولهذا، لا غرابة أن تحصد الدول المتقدمة أكبر عدد من الميداليات (أمريكا حصلت على 116 ميدالية منها، 43 ذهبية و37 فضية و36 برونزية، وجاءت بريطانيا في المرتبة الثانية بـ66 ميدالية، 27 منها ذهبية و22 فضية و26 برونزية، أما الصين فاحتلت المرتبة الثالثة بـ70 ميدالية، 26 ذهبية و18 فضية و26 برونزية)، أما أمة العرب، فمن أصل 22 بلدا عربيا شاركت في الألعاب الأولمبية، لم تحصل سوى 8 بلدان على ميداليات، اثنتان منها ذهبيتان، حصلت عليهما البحرين والأردن، وفضيتان، و10 ميداليات برونزية حصل منها المغرب على واحدة، ومصر على ثلاث، وأحرزت تونس ثلاثا، وحازت الجزائر برونزيتين والأمارات برونزية واحدة.
ميداليات الألعاب الأولمبية مؤشر آخر يمكن أن نستعمله لقياس مستوى التقدم والتخلف، ومستوى الاعتناء بالرياضة وبالمواهب، ومستوى الحكامة في التدبير، ومستوى الرقي بين الأمم، وبرونزية واحدة لشعب من 34 مليون نسمة، ولبلد عريق مثل المغرب تقول الشيء الكثير عن دولة يدعي وزير خارجيتها، صلاح الدين مزوار، أنها «صاعدة»، ويقول خطابها الرسمي إنها جنة فوق الأرض، ويقول خطابها الدعائي الفج في القنوات التلفزية الرسمية إنها أجمل بلد في العالم… لا أريد أن أجلد بلدي، ولا أريد أن أقارنه بدول صغيرة في أوروبا وإفريقيا تمتلك مقومات أقل من المغرب، ومع ذلك تتقدم على سلم مؤشرات عدة، لكن، في الوقت نفسه، لا بد لهذا الشعب أن يفتح عينيه على العالم من حوله، ولا بد للمسؤولين أن يتحلوا ببعض التواضع أمام حصيلة لا تشرف أحدا، وأن يتمتعوا بفضيلة الصمت على الأقل، والسكوت على طريقتهم الكارثية في تدبير شؤون البلد، من الرياضة، إلى التعليم، إلى الصحة، إلى السكن، إلى سياسات المدن إلى تدبير النفايات.
يجب أن نضع مرآة كبيرة لنرى أنفسنا فيها بكل جرأة وموضوعية، بعيدا عن تسييس القضايا أو أدلجة الأرقام. نحن بلد حصل على برونزية واحدة في أكبر تظاهرة رياضية عالمية تقام كل أربع سنوات، ونحن بلد عملته لا تعبر الحدود، ودرهمه غير قابل للصرف في الخارج، ونحن بلد مازال جزء من أرضه محتلا، ومازال جزء آخر متنازعا عليه، ونحن بلد يجلس على المرتبة 124 على سلم التنمية البشرية، ونحن بلد ميزانيته السنوية لا تصل إلى ميزانية مدينة متوسطة في أوربا (ميزانية المغرب كلها تعادل ما تصرفه فرنسا على التكوين المستمر فقط، أي حوالي 34 مليار أورو).
لهذا، من حق هذا الشعب أن يطرح سؤالا على من يسمون أنفسهم «خدام الدولة»، والذين يقتطعون لأنفسهم ما شاؤوا من الأراضي والامتيازات والسلط والأبهة: ما هي حصيلة هذه الخدمة التي تقدمونها إلى هذا البلد وهذا الشعب؟ وما قيمة هذه الخدمة التي تجعل بلدا بالكامل يذهب إلى آخر الدنيا ليعود ببرونزية واحدة؟
يوم عاد سعيد عويطة ونوال المتوكل بالذهب من الألعاب الأولمبية التي نظمت في لوس أنجلس سنة 1984، ظهر الملك الراحل الحسن الثاني في التلفزيون في خطاب رسمي وعلى وجهه فرح طفولي، وامتلك الشجاعة ليقول لشعبه: «إن هناك دولا وأمما أصبحت تعرف المغرب، وتعرف علمه الأحمر والأخضر بفضل سعيد ونوال أكثر مما تعرفه بخادمك المتواضع هذا». كان الملك يعرف أن الذهب الذي جاء به عويطة ونوال إلى المغرب يساوي سياسيا وإعلاميا أكثر من قيمته المادية، ولهذا كان مسرورا، وخرج يتباهى أمام شعبه وأمام جيرانه بأن بلده وصل إلى مستوى من التقدم يستطيع بفضله أن يحصل على الذهب في أكبر تظاهرة رياضية عالمية، لكن، للأسف، ظهر فيما بعد أن عويطة ونوال كانا الاستثناء، وأن جوائزهما لم تكن تعبيرا أمينا عن تطور الحكامة في بلد كان التقليد ينخر عظامه والاستبداد يغطي أفقه.
مازال السؤال الذي طرحه أحمد عصمان مرة في المجلس الوزاري أمام الحسن الثاني قائما: هل المغرب يعاني مشكل حكم أم مشكل تدبير أم هما معا؟ مرة أخرى نذكر بحكمة نابليون الذي قال يوما: «لا نحكم شعبا بطريقة صحيحة إلا ذا كنا دليله نحو المستقبل». 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ليس كل ما يلمع ذهبا ليس كل ما يلمع ذهبا



GMT 06:02 2018 الأحد ,25 شباط / فبراير

حان وقت الطلاق

GMT 07:26 2018 الجمعة ,23 شباط / فبراير

سلطة المال ومال السلطة

GMT 06:39 2018 الخميس ,22 شباط / فبراير

لا يصلح العطار ما أفسده الزمن

GMT 05:46 2018 الأربعاء ,21 شباط / فبراير

الطنز الدبلوماسي

GMT 05:24 2018 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

القرصان ينتقد الربان..

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 15:55 2020 الإثنين ,05 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم الجمعة 30 تشرين الأول / أكتوبر لبرج الميزان

GMT 04:16 2019 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

زكي يوجه رسالة قوية إلى مسؤولي الدفاع الحسني الجديدي

GMT 14:34 2018 الثلاثاء ,02 تشرين الأول / أكتوبر

"بريزنتيشن" تؤكد أن مُبررات "صلة" في شأن فسخ تعاقدها غير الصحة

GMT 08:32 2018 الإثنين ,02 إبريل / نيسان

"الأساور العريضة" تصلح لمختلف مناسبات صيف 2018

GMT 11:37 2018 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

ياسمين جمال ترتدي فستان الزفاف للمرة الثانية بعد الطلاق

GMT 01:48 2016 السبت ,08 تشرين الأول / أكتوبر

علاج الشيب نهائياً وبألوان مختلفة

GMT 17:48 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

تمارين تساعدك في بناء العضلات وخسارة الوزن تعرف عليها

GMT 04:16 2019 الإثنين ,30 كانون الأول / ديسمبر

المغرب يشهد نهضة غير مسبوقة في مجال التنقيب عن النفط

GMT 06:33 2019 الخميس ,24 تشرين الأول / أكتوبر

تعرف على الفوائد المذهلة لثمرة الرمان على الصحة
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya