انتبهوا مصر تنهار

انتبهوا.. مصر تنهار

المغرب اليوم -

انتبهوا مصر تنهار

بقلم : توفيق بو عشرين

يطوف السفير المصري بالرباط، منذ مدة، بملف كبير، فيه كل ما كتبته عن انقلاب الجنرال عبد الفتاح السيسي على الرئيس المنتخب محمد مرسي منذ ثلاث سنوات. يحمل سعادته أدلة الاتهام ويعرضها، في كل مناسبة، على وزارة الخارجية والتعاون وجهات أخرى، ووصل قبل سنة إلى رئاسة الحكومة طالبا من عبد الإله بنكيران لقاء للشكوى من صحافي يعادي مصر كما يدعي (مصر كلها أصبحت مختزلة في الجنرال الذي يحكم مصر اليوم). أصدقاء مشتركون نصحوا سعادة السفير بالاتصال بهذا العبد الضعيف مباشرة، ومحاولة إقناعه بعكس ما يكتبه، والتواصل معه في الحد الأدنى للتخفيف من حدة نقد النظام، إن كان الأمر يزعج السفارة إلى هذا الحد، فرد عليهم السفير: «مفيش فايدة. لقد تحدث معه الملحق الصحافي أكثر من مرة، وأوضح له طبيعة الأحداث في مصر، والمخاطر التي كانت تهدد البلد لولا إنقاذ السيسي لبلاد النيل، لكنه لم يغير رأيه، ويصر على تشويه صورة النظام المصري في المغرب، وترويج أحكام مسبقة مصدرها الجهات المعادية (الإخوان المسلمون)».
السفراء، عموما، مثل مكبر الصوت، لا ينقلون إلا مواقف بلادهم الرسمية، وليس مطلوبا منهم أن يقتنعوا بها. أحيانا يضطرون إلى إقناع الآخرين بما لا يقتنعون به هم، لكن مطلوب من السفراء حدا أدنى من الدبلوماسية وفن العلاقات العامة، وإلا فإن الصمت حكمة. كان السادات يقول: «الدبلوماسي هو الذي يصمت بأكثر من لغة». أنا لن أزيد على ما قالته مجلة The Economist في ملف نشر قبل أسبوعين تحت عنوان: «انهيار مصر»، وفيه نقرأ: «لقد برهن الجنرال عبد الفتاح السيسي، الذي استولى على السلطة سنة 2013، على أنه أكثر قمعا وقسوة من حسني مبارك الذي سقط خلال الربيع العربي، وأكثر سوءا في تدبير الاقتصاد من محمد مرسي، الرئيس الإسلامي المنتخب الذي انقلب عليه السيسي». وبالأرقام، تقول أعرق مجلة في أوروبا: «النظام المصري عموما شبه متوقف، لا يكاد يمشي إلا ببعض الحقن المالية الآتية من دول الخليج، وبدرجة أقل من أموال المساعدة العسكرية الأمريكية. ورغم ملايير البترودولار التي تتدفق على النظام، فإن البطالة وصلت إلى معدل 40%، وعجز ميزانية مصر وحسابها الجاري مستمران في الارتفاع، على التوالي، بـ12٪‏ و7٪‏ من الناتج الداخلي الخام. ورغم كل خطابات السيسي التي يتغنى فيها بالسيادة والوطنية، فقد ذهب يتسول مساعدة مالية من صندوق النقد الدولي بقيمة 12 مليار دولار».
القناة الجديدة التي افتتحها الجنرال السنة الماضية لم تأت بمداخيل جديدة للخزينة المصرية لأن حركة الملاحة البحرية تراجعت هذا العام، ولأن المشروع لم يخضع لدراسة علمية دقيقة. الجنرال يريد شرعية إنجاز بسرعة كبيرة، ولم يجد إلا توسيع قناة السويس، والعاصمة الجديدة التي أعلن السيسي بناءها في الصحراء، على غرار دبي، لن ترى النور، ومساعدات الخليج خفت، وستشح مستقبلا لأن أسعار النفط في نزول، ومؤشرات فشل الانقلاب في تصاعد.
السيسي استولى على قطار مصر بالحديد والنار، وطرد سائقه الشرعي، واحتجز الركاب، وسجن المعارضين، لكن الجنرال لم يستطع أن يحرك القطار ولو مترا واحدا، والنتيجة أن الجميع أصبحوا رهائن في بلاد الفراعنة.. الذي قاد الانقلاب، والذي سقط ضحيته، والذي وقف يتفرج.. الجميع في ورطة.
رائحة الدم تنبعث من مصر كل صيف تذكر بمجزرة رابعة وأخواتها، والنظام يزداد قمعا مع ازدياد فشله في إدارة البلاد التي تواجه أزمات بلا حصر، في حين أن الإعلام يلعب دور الساحر الذي يوظف الخدع البصرية لإلهاء الناس، ظنا منه أن هذا هو المسكن الفعّال لشعب قاد انتفاضة عارمة على نظام مبارك ليجد نفسه أمام نظام أسوأ.
لا ينتظر الواقعيون ثورة جديدة في مصر عما قريب، فالشعب أنهكت قواه، ويحتاج إلى وقت قد يطول ليتحرك من جديد، ولا ينتظر العارفون بخبايا الجيش انقلابا عسكريا ضد السيسي، لأن هذا الأخير ورّط جل قيادات العسكر في الحرب على جماعة الإخوان وفي الانقلاب على العملية السياسية، حتى إن الدم طال شرف الجيش الذي لم يحارب منذ 1973، وتفرغ للتجارة والصناعة والبناء والخدمات، حتى صار يسيطر على ثلث اقتصاد البلد، لكن، في الوقت نفسه، لا بد أن يمد العالم يد المساعدة لمصر، لأن انهيارها سيصيب المنطقة كلها بزلزال كبير لا يعرف أحد أين سيقف، ولا ماذا سيخرج منه. لا بد من الضغط على السيسي من أجل إعلان عدم ترشحه لولاية أخرى، ولا بد من الضغط على نظامه لكي يفرج عن آلاف المعتقلين السياسيين في سجونه، وأن يطلق عملية سياسية لإعادة فتح النظام لمشاركة كل المصريين. عرب الخليج، الذين قدموا الرعاية كاملة للانقلاب وما تبعه من مجازر، تقع عليهم المسؤولية الكبرى، مع أمريكا وأوروبا، للضغط على الجنرال من أجل الرجوع إلى الخلف، والتخلي عن سياسة إرهاب الشعب، وتدمير مقدرات البلد في مشاريع فاشلة، وفي سلسلة من دورات الفساد لا تنتهي.
مرسي لم يكن رئيسا نموذجيا لمصر، كانت له ولجماعته أخطاء كبيرة وسذاجة لا توصف، لكنه كان يسمع نبض الشارع، وكان يراجع نفسه وقراراته، ويضرب حسابا لغضب المواطن. اليوم، الجنرال لا يسمح لأحد بانتقاده ولا حتى بنصحه، ببساطة، لأنه لم يأتِ بصناديق الاقتراع، ولا يشعر بأن في عنقه دينا لأحد… لكن لمصر دينا في عنق الجميع، وهي لا تستحق ما يفعله أبناؤها بها اليوم.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

انتبهوا مصر تنهار انتبهوا مصر تنهار



GMT 06:02 2018 الأحد ,25 شباط / فبراير

حان وقت الطلاق

GMT 07:26 2018 الجمعة ,23 شباط / فبراير

سلطة المال ومال السلطة

GMT 06:39 2018 الخميس ,22 شباط / فبراير

لا يصلح العطار ما أفسده الزمن

GMT 05:46 2018 الأربعاء ,21 شباط / فبراير

الطنز الدبلوماسي

GMT 05:24 2018 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

القرصان ينتقد الربان..

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 17:48 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

تمارين تساعدك في بناء العضلات وخسارة الوزن تعرف عليها

GMT 12:09 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

يشير هذا اليوم إلى بعض الفرص المهنية الآتية إليك

GMT 12:01 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

أعد النظر في طريقة تعاطيك مع الزملاء في العمل

GMT 17:49 2020 الإثنين ,21 كانون الأول / ديسمبر

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

GMT 19:23 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

حظك اليوم الأربعاء 2 كانون الأول / ديسمبر لبرج الدلو

GMT 19:31 2020 السبت ,25 كانون الثاني / يناير

مناقشة رواية "غيوم فرنسية" في معرض الكتاب

GMT 04:30 2019 السبت ,26 كانون الثاني / يناير

باتاكي ترتدي بكيني أحمر متوهج وتتباهى بجسدها

GMT 06:55 2018 الإثنين ,08 تشرين الأول / أكتوبر

تعرفي على كيفية معرفة الفرق بين الألماس الحقيقي والصناعي

GMT 02:40 2018 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

الأعمال الفنية الحديثة تخلو من الراقصة الممثلة الموهوبة

GMT 02:42 2017 الخميس ,07 كانون الأول / ديسمبر

استكمال جمال سليمان ومنة فضالي وياسر فرج "أفراح إبليس2"

GMT 13:55 2016 الخميس ,15 أيلول / سبتمبر

استنفار أمني في زايو بعد العثور على فتاة مقيدة

GMT 23:33 2016 الجمعة ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

الفنانة ريم مصطفى تنضم إلى فريق عمل "اللهم إني صائم"
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya