الغرباء

الغرباء

المغرب اليوم -

الغرباء

بقلم : توفيق بو عشرين

في الجزائر يسمونهم «الحيطيست»، لكثرة وقوفهم مستندين إلى الحيطان عاطلين عن العمل. في مصر يسمونهم شباب المقاهي لكثرة جلوسهم أمام طاولات المقاهي بدون عمل. في المغرب يسمونهم الشباب المعطل لقلة الشغل وكثرة اليأس. في تونس يطلقون عليهم شباب الفايسبوك… وهكذا يشكل حزب الشباب العاطل واليائس والغاضب والمتذمر الأغلبية في البلدان العربية والمغاربية…

قبل خمس سنوات، هز هؤلاء الشباب عروش الرؤساء، ووجهوا إنذارا إلى الملوك، لكن انتفاضتهم الناعمة فشلت مرة بالاحتواء، وأخرى بالإجهاض، وثالثة بالعسكرة والعنف والحرب الأهلية.

في كل البلدان العربية تشكل هذه الفئة الأغلبية، وهي في أوج العطاء الافتراضي وقمة اليأس الواقعي. النماذج الاقتصادية المتبعة في جل الدول العربية تحكم على هؤلاء بالبقاء طويلا على كراسي البطالة، في حين أن السياسة لا تحرك الاقتصاد في أنظمة سلطوية جامدة تمنع المحرك الديمقراطي من الاشتغال للبحث عن نخب جديدة وأفكار جديدة ومشاريع جديدة.

بعد ستة أسابيع ستوجه إلى الشباب في المغرب دعوة إلى الذهاب إلى صناديق الاقتراع لاختيار الحكومة المقبلة. نصف هؤلاء الشباب لن يذهبوا إلى الصندوق لأنهم غير مسجلين في اللوائح الانتخابية أصلا، والنصف الآخر سيصوت نصفه كالعادة، والباقي سيختار المقاطعة غضبا، أو يأسا، أو إهمالا، أو فقط لأنه لا يرى نفسه في عملية سياسية معقدة تحوم حولها شبهات كثيرة.

لسنوات طويلة تُرك الشباب لمصيرهم، ولم تكن الدولة تتذكرهم سوى في عيد الشباب الذي هو في الحقيقة عيد ميلاد الملك، وليس عيدا للشباب الذي عاش ويعيش أحزانا متواصلة طوال السنة، فلا تعليمه في المستوى، ولا سوق شغله تتسع للجميع، ولا سياسة بلده تفكر فيه، ولا مساعدات دولته تصل إليه.

منذ الاستقلال والمغاربة يرددون مقولة أن التعليم هو المصعد النموذجي للارتقاء الاجتماعي، وأن الاستثمار في تربية وتعليم الأولاد والبنات هو أفضل ضمانة لمستقبلهم. اليوم صار هذا الاستثمار بدون عائدات. العائلات التي تستثمر في تعليم الأبناء تتعرض للتفقير أكثر من تلك التي لا تبالي بتعليم أولادها، والسر في هذه المفارقة شيئان؛ السبب الأول يتمثل في البطالة التي تتسع أرقامها يوما بعد آخر، وتجعل الأبناء عالة على عائلاتهم، وتجعل الأموال التي صرفت على تعليمهم غير منتجة لعمل مدر للدخل، وكان الأولى أن تذهب إلى مكان آخر. والسبب الثاني هو أن الشباب غير المتعلم يجد فرص شغل أفضل من الشباب المتعلم، وبهذا يعاقب النظام الاقتصادي والاجتماعي والسياسي المغربي جل العائلات الفقيرة والمتوسطة التي اختارت تعليم أبنائها، واختارت الاستثمار في مجتمع المعرفة!

الأخطر من هذا الوصف الذي يعرفه الجميع هو أنه لا حل فوق الطاولة لفيروس البطالة الذي يضرب هذه الفئات اليوم أو غدا. كل ما هو موجود وعود لا تملك فرص أن تتحقق، وسياسات غير طموحة وغير مبدعة وتقليدية، يتم تجريبها هنا وهناك، فيما الشباب يعانون، ومنهم من يختار طرق أبواب الهجرة أو الانحراف، ومنهم من يختار طرق أبواب التطرف انتقاما من المجتمع، وبحثا عن تحقيق طموحات في الآخرة بعد الفشل في تحقيق أي شيء في الدنيا.

قبل شهر كنت في محكمة عين السبع بالدار البيضاء لحضور جلسة في القاعة 8 المخصصة للصحافة، فوجدت القاعة مملوءة عن آخرها بشباب لم نعتد رؤيتهم نحن الصحافيون في هذه القاعة، فظننت أنني أخطأت العنوان، حتى نبهني زميل إلى أنني في العنوان الصحيح، وأن من نراهم من شباب ملتحٍ وشابات منقبات هم وهن من أنصار الشيخ أبو النعيم، الذي يحاكم بتهمة القذف والسب والإخراج من الملة، وأن هؤلاء الزوار الغرباء جاؤوا بكثافة لمساندة ودعم ونصرة شيخهم. الرجال بلحى كثيفة وسراويل قصيرة وزي أفغاني يخفي قسمات جسم الرجل، مما لم تعتده تقاليد اللباس في المغرب، والنساء غارقات في لباس أسود لا يظهر شيئا من أجسامهن… إنهم يهربون من واقع قاسٍ إلى نموذج افتراضي، إنهم فقدوا قدوة معاصرة فراحوا يبحثون عنها في كتب التراث حتى وإن كان تاريخها يعود إلى 14 قرنا مضت، علق أحد الزملاء الصحافيين على مظهرهم، وقال: «من أين خرج هؤلاء؟ ومتى تشكل وعيهم؟ وكيف يتبعون أبو النعيم هذا الذي ينفر ولا يبشر، يعسر ولا ييسر، ينشر التكفير بدل الرحمة؟».

قلت له: «يا زميلي، هذا منتوج محلي ولد هنا وكبر هنا وسيموت هنا، وإذا كان مظهره يقلقك، وفكره يخيفك، ونموذجه في الحياة لا يعجبك، فيجب أن تسأل عن المقدمات لا عن النتائج».

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الغرباء الغرباء



GMT 06:02 2018 الأحد ,25 شباط / فبراير

حان وقت الطلاق

GMT 07:26 2018 الجمعة ,23 شباط / فبراير

سلطة المال ومال السلطة

GMT 06:39 2018 الخميس ,22 شباط / فبراير

لا يصلح العطار ما أفسده الزمن

GMT 05:46 2018 الأربعاء ,21 شباط / فبراير

الطنز الدبلوماسي

GMT 05:24 2018 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

القرصان ينتقد الربان..

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 15:55 2020 الإثنين ,05 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم الجمعة 30 تشرين الأول / أكتوبر لبرج الميزان

GMT 04:16 2019 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

زكي يوجه رسالة قوية إلى مسؤولي الدفاع الحسني الجديدي

GMT 14:34 2018 الثلاثاء ,02 تشرين الأول / أكتوبر

"بريزنتيشن" تؤكد أن مُبررات "صلة" في شأن فسخ تعاقدها غير الصحة

GMT 08:32 2018 الإثنين ,02 إبريل / نيسان

"الأساور العريضة" تصلح لمختلف مناسبات صيف 2018

GMT 11:37 2018 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

ياسمين جمال ترتدي فستان الزفاف للمرة الثانية بعد الطلاق

GMT 01:48 2016 السبت ,08 تشرين الأول / أكتوبر

علاج الشيب نهائياً وبألوان مختلفة

GMT 17:48 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

تمارين تساعدك في بناء العضلات وخسارة الوزن تعرف عليها

GMT 04:16 2019 الإثنين ,30 كانون الأول / ديسمبر

المغرب يشهد نهضة غير مسبوقة في مجال التنقيب عن النفط

GMT 06:33 2019 الخميس ,24 تشرين الأول / أكتوبر

تعرف على الفوائد المذهلة لثمرة الرمان على الصحة
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya