نصيحة الملك لسفيره في واشنطن

نصيحة الملك لسفيره في واشنطن

المغرب اليوم -

نصيحة الملك لسفيره في واشنطن

بقلم : توفيق بو عشرين

كما كان متوقعا، لم تترك وزارة الخارجية الأمريكية الكرة عندها، بل رمتها على الفور إلى المغرب، رافضة البيان الناري الذي كتبته وزارة الداخلية بلغة حربية ضد واشنطن. فبعد أقل من 24 ساعة على استدعاء السفير الأمريكي بالرباط إلى الداخلية، خرج المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية الأمريكية، جون كيربي، للتعليق على بيان الداخلية بالقول: «إن الولايات المتحدة الأمريكية ترفض الانتقادات الموجهة إلى تقريرها السنوي حول حقوق الإنسان»، وإن «الخارجية الأمريكية تتمسك بالمعلومات الواردة في التقرير السنوي للعام 2015 حول حقوق الإنسان في المغرب».
هذا البلاغ استفز الرباط أكثر، فبعث ناصر بوريطة في طلب السفير الأمريكي بالرباط، مرة أخرى، لتبليغه من جديد غضب المغرب، وقدم له بوريطة بالمناسبة دلائل تكذب بعض ما جاء في تقرير الخارجية الأمريكية بحالات معينة وأسماء محددة. وكما حضر في اللقاء الأول في وزارة الداخلية مدير الأمن والمخابرات، عبد اللطيف الحموشي، حضر في اللقاء الثاني بوزارة الخارجية مدير المخابرات العسكرية «لادجيد»، ياسين المنصوري، لكي تصل الرسالة كاملة إلى من يهمهم الأمر في واشنطن.
هذه أول مرة يخرج المتحدث باسم البيت الأبيض للرد على المغرب بلغة سلبية، كما يفعل مع كوريا الجنوبية وفنزويلا وسوريا وإيران، قبل توقيع اتفاقية التطبيع بين الجانبين، فهل خرج المغرب من خانة أصدقاء أمريكا، وصار على مقربة من دخول خانة خصومها؟
المشكل ليس في تقرير الخارجية الأمريكية حول حقوق الإنسان في المغرب، فهذا تقرير يخرج كل سنة ولا تعلق عليه الداخلية ولا الخارجية، وتقارير السنوات الأخيرة حول حقوق الإنسان بالمغرب كانت أفضل من سابقاتها.. المشكل يقع في مكان آخر تماما.
المشكل بين الرباط وواشنطن هو حول استقلالية القرار الدبلوماسي للرباط في إدارة نزاع الصحراء، والدور المسموح للمغرب أن يلعبه في منطقة المغرب العربي وذلك غير المسموح به. بمعنى أوضح، فإن أمريكا أقلقها التأثير المتزايد للمغرب في المنطقة المغاربية والعربية، وهذا كان واضحا في تقرير الأمين العام للأمم المتحدة، الذي اتهم الرباط بأنها تريد فرض الأمر الواقع في الصحراء نتيجة صمت الدول الكبرى في مجلس الأمن، والمقصود هو الزيارة الملكية الأخيرة للأقاليم الصحراوية، وإعلان استثمار أكثر من سبعة مليارات دولار في الصحراء، ثم أعقب كل هذا طرد المكون السياسي في بعثة المينورسو تعبيرا من الرباط عن الرغبة في دفن مشروع الاستفتاء على الأقاليم الصحراوية. كل هذا اعتبرته أمريكا تجاوزا لها ولدورها ولنفوذها في المنطقة، ولأن أمريكا «ثعلب كبير»، فإنها لم تنتقد هذه المبادرات مباشرة وبلسانها، بل أوعزت إلى الأمين العام للأمم المتحدة بالقول إن الوجود المغربي في الصحراء احتلال، ثم لما غضبت الرباط من هذه الجملة العدائية، تدخلت أمريكا ووفرت الحماية لبان كي مون، ورفض مندوبها إدخال أي جملة عتاب للأمين العام في قرار مجلس الأمن الدولي عقابا له على خطئه.. القرار الذي ألزم المغرب بإعادة فريق المينورسو المطرود جميعه في غضون ثلاثة أشهر، ما يعني أن أمريكا تعارض إبعاد الاستفتاء عن طاولة المفاوضات حول نزاع الصحراء، كما أن أمريكا تعارض إغلاق ملف نزاع الصحراء دون إذنها واتفاقها، كما أن واشنطن لا تريد تفوقا استراتيجيا للمغرب على الجزائر التي دخلت في أزمة صامتة بفعل مرض الرئيس وصراع أجنحة الحكم داخلها، علاوة على نزول سعر النفط والغاز، ما يعني أن أمريكا تحس بالضعف الجزائري، ولا تريد لميزان القوى أن يختل في المنطقة لصالح المغرب. هذه هي الخلفية الأكبر لسوء الفهم الكبير بين واشنطن والرباط، والباقي تفاصيل وأشجار تخفي الغابة.
ومع التفهم الكامل للغضب المغربي من سياسات أمريكا، وحق المغرب في الدفاع عن مصالحه الاستراتيجية وأمنه القومي ووحدته الترابية، فإننا مطالبون بالرد الهادئ والحكيم. أمريكا ليست هي فرنسا، والغضب في وجه الأولى مختلف عن الغضب في وجه الثانية، وحكاية الدبلوماسية الهجومية يجب ركنها جانبا. لا توجد دبلوماسية هجومية وأخرى دفاعية، أو دبلوماسية ساخنة وأخرى باردة.. هناك دبلوماسية واحدة احترافية، تقاس فاعليتها بمدى تحقيقها أهدافها، وبلوغ مراميها دون ضجيج ودون غبار ودون بيانات نارية. السيد ياسين المنصوري ليس مكانه في اجتماع الوزير المنتدب في الخارجية بوريطة مع بوش في مكتب مغلق في الرباط.. هذا اجتماع لن يخرج منه شيء، والسفير لا يمكن أن يقنع وزير خارجيته بأشياء هو غير مقتنع بها.. الأحرى بالسيد المنصوري، المسؤول عن المخابرات العسكرية، أن يأخذ تذكرة طائرة إلى واشنطن، ويطلب لقاء مدير CIA أو قيادات البانتغون، وأن يشرح لهم خطورة اللعب في ملف الصحراء، وخطورة زعزعة الاستقرار في المغرب، والتداعيات الأمنية والعسكرية لكل هذا على المنطقة، وبعدها ليترك المغرب البانتغون ووكالة الاستخبارات الأمريكية تقنع زملاءها في وزارة الخارجية وفي البيت الأبيض بضرورة مراجعة خيارات أمريكا الدبلوماسية إزاء واحد من أصدقائها، إن اقتنعوا بقوة الحجة المغربية.
حكى لي سفير مغربي سابق في واشنطن أنه دخل مرة في مشاحنات مع الإدارة الأمريكية، فاتصل يبلغ الملك الراحل الحسن الثاني بإنجازاته وتحركاته في واشنطن، فقال له الملك الراحل: «ما قمت به جيد، وتستحق عليه التنويه، لكن ‘‘عفاك’’ لا تذهب بعيدا في التصعيد.. ‘‘بشوية’’، أنت سفير للمغرب ولست سفيرا للصين الشعبية في أمريكا. لا تنس، وأنت مأخوذ بحماس الوطنية، إمكانات بلادك إزاء أول قوة في العالم».
أعرف أن هذا الكلام لن يعجب الكثير من الفاعلين في هذه الأجواء الحماسية، حيث الأغلبية تصفق لتصعيد الدولة ضد واشنطن، وتطالب بالمزيد من البيانات النارية ضد أمريكا التي ستصير شيطانا لمدة قصيرة هنا، لكن وظيفة الصحافة أن تنبه في الأوقات التي لا تكون فيها الرؤية واضحة، وأن ترفع صوتها بالحذر عندما ترى فائض الحماس يتدفق حتى يحجب نور العقل، فكثيرا ما كانت أفضل الآراء هي التي لا تكتب، على منوال ما يقوله الزميل نور الدين مفتاح من أن «أفضل جريدة في المغرب هي تلك التي لا تصدر».

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

نصيحة الملك لسفيره في واشنطن نصيحة الملك لسفيره في واشنطن



GMT 06:02 2018 الأحد ,25 شباط / فبراير

حان وقت الطلاق

GMT 07:26 2018 الجمعة ,23 شباط / فبراير

سلطة المال ومال السلطة

GMT 06:39 2018 الخميس ,22 شباط / فبراير

لا يصلح العطار ما أفسده الزمن

GMT 05:46 2018 الأربعاء ,21 شباط / فبراير

الطنز الدبلوماسي

GMT 05:24 2018 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

القرصان ينتقد الربان..

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 17:48 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

تمارين تساعدك في بناء العضلات وخسارة الوزن تعرف عليها

GMT 12:09 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

يشير هذا اليوم إلى بعض الفرص المهنية الآتية إليك

GMT 12:01 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

أعد النظر في طريقة تعاطيك مع الزملاء في العمل

GMT 17:49 2020 الإثنين ,21 كانون الأول / ديسمبر

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

GMT 19:23 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

حظك اليوم الأربعاء 2 كانون الأول / ديسمبر لبرج الدلو

GMT 19:31 2020 السبت ,25 كانون الثاني / يناير

مناقشة رواية "غيوم فرنسية" في معرض الكتاب

GMT 04:30 2019 السبت ,26 كانون الثاني / يناير

باتاكي ترتدي بكيني أحمر متوهج وتتباهى بجسدها

GMT 06:55 2018 الإثنين ,08 تشرين الأول / أكتوبر

تعرفي على كيفية معرفة الفرق بين الألماس الحقيقي والصناعي

GMT 02:40 2018 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

الأعمال الفنية الحديثة تخلو من الراقصة الممثلة الموهوبة

GMT 02:42 2017 الخميس ,07 كانون الأول / ديسمبر

استكمال جمال سليمان ومنة فضالي وياسر فرج "أفراح إبليس2"

GMT 13:55 2016 الخميس ,15 أيلول / سبتمبر

استنفار أمني في زايو بعد العثور على فتاة مقيدة

GMT 23:33 2016 الجمعة ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

الفنانة ريم مصطفى تنضم إلى فريق عمل "اللهم إني صائم"
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya