قصة بنكيران مع التاج

قصة بنكيران مع التاج

المغرب اليوم -

قصة بنكيران مع التاج

بقلم - توفيق بو عشرين

حكاية معقدة وفيها الصعود والنزول، وفيها المعلوم والمجهول، وفيها الماضي والحاضر، أما المستقبل فهو في علم الغيب… بنكيران اليوم في بيته ربما يسترجع الشريط كاملا لأربعين سنة من العمل السياسي الهادئ والهادر، الثوري والإصلاحي، الناجح والفاشل، مع كل الفاعلين، وفي مقدمتهم الجالس على العرش والرقم الأول في المعادلة المغربية.
منذ خرج بنكيران من الشبيبة الإسلامية، وتمرد على قائدها عبد الكريم مطيع، دخل، رفقة عبد الله بها وآخرين من إخوانه، في مراجعات جذرية، فكرية وسياسية وإيديولوجية. تخلى بنكيران عن شعار إقامة الدولة الإسلامية، واعتبر أن دولة الحسن الثاني إسلامية بما يكفي لإقامة الشعائر وخدمة الدين، وتخلى عن شعار الإسلام هو الحل، واعتبره شعارا مستوردا من تجربة الإخوان المسلمين، وهو المسؤول عن إدخال الإسلاميين في صراع مع التيارات الأخرى، وتخلى عن الفكر الثوري للشبيبة، واعتنق فكرا إصلاحيا تحت شعار: «إن أريد ألا الإصلاح ما استطعت»، وفي النهاية، قبل بالملكية نظاما لا يناقض أسس الحكم في الإسلام، وتشبث بالبيعة عقدا بين المؤمنين وأميرهم… هذا التوجه الذي يظهر اليوم أنه عادي أو مقبول في المغرب، لم يكن كذلك في السبعينات، حيث كان الحقل السياسي المغربي، بجل مكوناته، ينازع الملكية في المشروعية، ويتأفف من احتكار الجالس على العرش سلطات الدين والدنيا.
إخوانه قبل أعدائه لقبوه بـ«العميل»، لأنه اختار النضال من داخل المشروعية القائمة لا من خارجها. ولأنه لا يعرف كلمة اسمها «التحفظ» أو الاقتصاد في الكلام، أو عدم قول كل شيء، فإنه كان يصدم الجميع بأفكاره وتصريحاته وآرائه… حاول بنكيران أن يؤسس حزبا سياسيا، لكن القصر رفض. لم يغضب زوج نبيلة من هذا الأمر، بل حاول أن يجد مخرجا سياسيا لتلافي الاصطدام بأمير المؤمنين، فدق أبواب عبد الكريم الخطيب عارضا عليه إحياء حزب الحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية بدماء «الإخوان». قبل الخطيب العرض، وفاتح الحسن الثاني الذي أعطى الضوء الأخضر لهذا «الزواج السياسي»، بشرط التزام إخوان بنكيران بثوابت الدولة، وتكليف إدريس البصري بمراقبة هذا الوافد الجديد، وتحجيم نفوذه عند الضرورة. لم يقف بنكيران هنا، بل حاول أن يمد شعرة معاوية مع أكثر من قناة توصله إلى القصر، فكانت البداية مع بنسودة ثم المدغري ثم مزيان بلفقيه… لما توفي الحسن الثاني، سارع بنكيران إلى مراسلة القصر معربا عن بيعته للملك الشاب، رغم أن زعيم الحزب، عبد الكريم الخطيب، حضر مراسيم البيعة في القصر، وناب عن جميع أعضاء الحزب، كما فعل كل زعماء الأحزاب السياسية.
بدأ الحزب يكبر ويتقوى في حقل سياسي بدأت أعراض الشيخوخة فيه تمس أحزاب الحركة الوطنية، وهذا ما جعل القصر يتوجس من إسلاميي المؤسسات ونفوذهم في المجتمع، حيث تصعد بهم الموجة دون أن يبذلوا أي مجهود، خاصة بعدما أمسك بنكيران بمقود حزب المصباح في ظروف حساسة جدا، كان على رأسها تأسيس حزب الدولة بقيادة فؤاد عالي الهمة الذي لم يخف منذ اليوم الأول هدفه في محاربة الإسلاميين… في 2008 تسربت معلومة حساسة عن مشاعر الملك تجاه إسلاميي مملكته في ثنايا وثائق ويكليكس، تقول إن الملك محمد السادس حذر الأمريكيين من الإسلاميين المغاربة، وقال لهم: “لا تخطئوا، ليس بينهم متطرف ومعتدل، كلهم لا يحبون أمريكا”، وعلق السفير توماس رايلي على هذه المحادثة التي جمعته بالملك بالقول: “إن محمد السادس لا يحب إسلاميي العدالة والتنمية”. بنكيران، كعادته، لا يهرب أبدا من أسئلة الصحافيين، ولا يضع حجرا تحت لسانه. قال بنكيران تعليقا على ما جاء في كلام السفير الأمريكي: “إذا كان الملك لا يحبنا اليوم، فغدا سيحبنا أو بعد غد»… دارت العجلة حتى أصبح بنكيران يحكي النكت «الحامضة» للملك، ويتحدث معه هاتفيا في الخامسة صباحا، وينقل إلى الرأي العام ما دار بينهما من أسرار، ويكشف حتى نوع الهدايا التي تتلقاها أم رئيس الحكومة من يد الشريف… لكن، في الوقت نفسه، لم يستغل بنكيران هذه العلاقة ليغتني أو ليحصل على امتيازات، كما لم يمنعه اقترابه من الحكم من الاستمرار في محاربة التحكم، والتحذير من مخاطر ازدواجية السلطة في مملكة محمد السادس.
في سنة 97 بدأت تجربة الإخوان في البرلمان بمقاعد رمزية، وفي 2011 كانوا في صدارة المشهد الانتخابي، بعدما رفض بنكيران ركوب موجة الشارع، وفضل نقل مطالب الشباب إلى المؤسسات، وجد القصر نفسه مجبرا على التعامل مع بنكيران بمقتضى الدستور، وبمقتضى إكراهات الربيع العربي، فلعب الملك اللعبة بقواعدها معه. ترك بنكيران في مكتبه إلى أن أنهى ولايته، رغم كل الزلازل التي ضربت استقرار حكومته، وجدد ثقته فيه بعدما فاز بالمرتبة الأولى في انتخابات 2016، ثم صرفه من الخدمة بعدما رفضت الأحزاب الأخرى التحالف معه لتشكيل حكومة ائتلافية، ولجأ إلى العثماني فوضعه على رأس الحكومة، مع إشارة في نهاية بلاغ الديوان الملكي تقول إن للملك خيارات أخرى.. «والفاهم يفهم».
في السياسة ليس هناك صديق وليس هناك عدو، هناك مصالح، وظروف، وإكراهات، وميزان قوى يحكم على الجميع.
منذ اليوم الأول له في المشور السعيد، وضع بنكيران هدفا له هو نيل ثقة القصر، وتطبيع العلاقات بين حزب العدالة والتنمية ومحمد السادس. بعدها وضع هدفا ثانيا هو التعامل مع القصر مباشرة، والقفز على جدار المستشارين. بعدها طمع في قيادة مسلسل إصلاحات شاملة بالتوافق مع الملك من أجل تخليص الحكم من التحكم، «وسيدي علي من القلالش»، والتمييز بين الملك والمخزن، وكانت دفوعات بنكيران الشكلية والجوهرية هي أنه ملكي أكثر من الملك، وأن القصر سيربح معه أكثر مما سيربح مع غيره، وأنه لا يعرض صفقة على الملكية، بل مشروعا للاستقرار الدائم للمغرب، مبنيا على توافق بين ممثل العرش وممثل صندوق الاقتراع، والهدف هو مصالحة المغاربة مع الدولة، والاهتمام بأوضاع الفقراء، وإحلال آليات للتوازن في السياسات العمومية.
هل كان بنكيران ساذجا، ولم يضرب حسابا لقدرة العفاريت والتماسيح على إسقاطه، ليس فقط من الحكومة بل ومن الحزب بمساعدة أهل الدار؟ التاريخ سيحكم على قصة بنكيران مع التاج المغربي، الذي يجر خلفه تاريخا وأعرافا وتقاليد وطقوسا محفوظة كلها في ذاكرة المخزن.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

قصة بنكيران مع التاج قصة بنكيران مع التاج



GMT 00:03 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

إذا كانت إيران حريصة على السنّة…

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يطرد المدعي العام

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

نَموت في المجاري ونخطىء في توزيع الجثث!

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

فى واشنطن: لا أصدقاء يوثق بهم!

GMT 00:02 2018 السبت ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

استعدوا للآتى: تصعيد مجنون ضد معسكر الاعتدال

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 15:55 2020 الإثنين ,05 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم الجمعة 30 تشرين الأول / أكتوبر لبرج الميزان

GMT 04:16 2019 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

زكي يوجه رسالة قوية إلى مسؤولي الدفاع الحسني الجديدي

GMT 14:34 2018 الثلاثاء ,02 تشرين الأول / أكتوبر

"بريزنتيشن" تؤكد أن مُبررات "صلة" في شأن فسخ تعاقدها غير الصحة

GMT 08:32 2018 الإثنين ,02 إبريل / نيسان

"الأساور العريضة" تصلح لمختلف مناسبات صيف 2018

GMT 11:37 2018 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

ياسمين جمال ترتدي فستان الزفاف للمرة الثانية بعد الطلاق

GMT 01:48 2016 السبت ,08 تشرين الأول / أكتوبر

علاج الشيب نهائياً وبألوان مختلفة

GMT 17:48 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

تمارين تساعدك في بناء العضلات وخسارة الوزن تعرف عليها

GMT 04:16 2019 الإثنين ,30 كانون الأول / ديسمبر

المغرب يشهد نهضة غير مسبوقة في مجال التنقيب عن النفط

GMT 06:33 2019 الخميس ,24 تشرين الأول / أكتوبر

تعرف على الفوائد المذهلة لثمرة الرمان على الصحة

GMT 17:22 2019 الثلاثاء ,24 أيلول / سبتمبر

احصلى على أسنان ناصعة البياض فى المنزل

GMT 13:30 2019 السبت ,21 أيلول / سبتمبر

عربية السيدات تعتمد جوائز خاصة للفرق الرياضية

GMT 23:33 2018 الأحد ,21 تشرين الأول / أكتوبر

موعد الكشف عن "بوجاتي تشيرون سوبر سبورت" الجديدة
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya