لا توجد أرانب في قبعة الساحر

لا توجد أرانب في قبعة الساحر

المغرب اليوم -

لا توجد أرانب في قبعة الساحر

بقلم توفيق بو عشرين

سافر الأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة، إلياس العماري، إلى الصين فأحدث ضجة إعلامية كبيرة بدخوله المتأخر إلى لائحة المسؤولين المغاربة الذين وقعوا اتفاقات أمام الملك والرئيس الصيني، دون أن يكون جزءا من البرنامج الموسمي للزيارة، ثم أحدث رئيس البام بلبلة أكبر عندما أعلن أن الاتفاقية التي وقعها مع شركات صينية ستحدث 300 ألف منصب شغل، في الوقت الذي لا يمكن أن يصدق عاقل أن مشروعا، كيفما كان حجمه، يمكن أن يخلق هذا العدد الهائل من مناصب الشغل، حتى في أمريكا، حيث أقوى اقتصاد في العالم. وقبل الصين وحكاية 300 ألف منصب، اندلع بوليميك كبير حول وعود تلقاها إلياس العماري، بصفته رئيس الجهة الشمالية، من مؤسسة بيل غيتس، تقضي بمنح جهة طنجة-تطوان-الحسيمة 100 مليون دولار للنهوض بالأوضاع الاجتماعية للسكان، ثم سريعا طلع تكذيب من أمريكا ينفي فيه بيل غيتس وزوجته حكاية 100 مليون دولار، حيث لم يسبق لمؤسستهما أن منحت رقما ضخما مثل هذا لأي بلد. ثم قبل الصين وبيل غيتس، كان إلياس العماري قد وجه انتقادا مباشرا إلى الاختيارات الدبلوماسية للملك في توقيت حساس وموضوع حساس هو الصحراء، وقال إن «اقتراح الحكم الذاتي كان خطأ»، وقبل هذا قال العماري: «إن الدولة تدخلت في انتخابات نونبر 2011، وفرضت على حزب الجرار تقليص مشاركته في الاقتراع حتى تتيح لحزب العدالة والتنمية الحصول على المرتبة الأولى وتشكيل الحكومة»، ما يعني أن الانتخابات كانت مخدومة، وأن أول استحقاق بعد الدستور الجديد كان «ملعوبا فيه».
منذ جلس إلياس العماري على كرسي الأمانة العامة لحزب التراكتور وهو يثير الزوابع السياسية والإعلامية، حتى أصبح مادة يومية في ماكينة مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام… ما هو الغرض من وراء هذه الخرجات المثيرة للجدل؟ لأي أغراض يتعمد إلياس العماري أن يجلس طوال الوقت تحت أضواء الكاميرات وتركيز الصحافة واهتمام الناس؟
سائق التراكتور لا يريد أن يكون أمينا عاما عاديا لحزب سياسي عادي في حياة سياسية عادية، هو يرى أنه شخص استثنائي، في حزب استثنائي، في ظرف استثنائي، وهذه هي استراتيجيته في التواصل السياسي، وفي بيع الحزب للدولة وللناخبين. إنه حزب جاء ليحدث صدمة في الحقل الحزبي، حسب زعمه، وجاء ليحرك المياه الراكدة في بركة السياسة التقليدية للمملكة، وجاء ليتصدى للمد الإسلامي الذي عجزت الأحزاب التقليدية عن الوقوف في وجهه والحد من تمدده، ولكي يقوم بهذه المهمة الكبيرة والحساسة فهو يحتاج إلى أدوات غير تقليدية، إلى حزب محسوب على الدولة لكنه يتحرك على يسارها، وإلى زعيم يشتغل من داخل الشرعية الدستورية والقانونية لكنه ينتقدها (سبق لإلياس العماري أن قال إن الدستور نص روائي رديء).
البام ليس حزبا استثنائيا لكنه أيضا ليس حزبا طبيعيا، هو جاء لمهمة محددة، وهي تشكيل أداة حزبية للدولة العميقة التي لم تعد تستطيع أن تتدخل بأدوات إدريس البصري في تزوير الانتخابات، وفي صناعة الأحزاب، وفي رسم مجريات الحياة السياسية على قالب جاهز. هذا أولا، وثانيا، جاء الجرار ليترجم الخوف من الإسلاميين والحساسية من مرجعيتهم الإيديولوجية لدى أوساط في السلطة، ولأن الدولة تريد الحفاظ على المظاهر الديمقراطية، فإنها «خوصصت» التحكم حتى لا يحسب عليها، ولا يلطخ صورتها، وفوضت إدارة هذا التحكم إلى حزب أسسه وزير داخلية سابق، وأعطي ليساريين محبطين إيديولوجيا لكي يعيدوا إحياء طموحاتهم سياسيا بدعم من الأعيان ومن أوساط في الإدارة، ومن قرب حقيقي أو متخيل من دائرة السلطة، يرعاه نظام من الرموز المشفرة، والإخراج الإعلامي الذي يريد أن يقنع أو يوهم من يهمهم الأمر بأن الحزب يحظى برعاية الدولة، وأنه ليس كباقي الأحزاب، وأن أمينه العام «سوبرمان» قادر على ما يعجز عنه رئيس الحكومة وكل زعماء الأحزاب السياسية ورؤساء الجهات والوزراء، وأن أشياء كثيرة ستتحقق مع التراكتور إن وضع الناخبون فيه بعض ثقتهم، أو تحملوا، في الأدنى، دعمه وإسناده من قبل السلطة.
تستطيع الديمقراطية أن تقبل الشعبوية، وأن تطوعها مع الزمن، وتستطيع الديمقراطية أن تروض الأصولية، وأن تجعلها تقبل بقواعد اللعبة، وتستطيع الديمقراطية أن تقلم أظافر الراديكالية، وأن تجعلها تطبع مع الاعتدال، وأن تقترب من الوسط، لكن الديمقراطية لا تتحمل تعددية مصطنعة، وأحزابا مفبركة، وسياسيين يقتلون السياسة والحرية وروح المواطنة.
إذن، سنسمع، من هنا إلى 8 أكتوبر، ضجيجا كثيرا، وسنرى غبارا كثيفا وخلطا كبيرا للأوراق، فالمستهدف هو التجربة الديمقراطية الفتية، وإرادة الناس الحرة في أن يختاروا من يدير البلاد لخمس سنوات مقبلة… وحدهم الأطفال يصدقون أن الساحر يصنع أرانب في قبعته.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لا توجد أرانب في قبعة الساحر لا توجد أرانب في قبعة الساحر



GMT 06:02 2018 الأحد ,25 شباط / فبراير

حان وقت الطلاق

GMT 07:26 2018 الجمعة ,23 شباط / فبراير

سلطة المال ومال السلطة

GMT 06:39 2018 الخميس ,22 شباط / فبراير

لا يصلح العطار ما أفسده الزمن

GMT 05:46 2018 الأربعاء ,21 شباط / فبراير

الطنز الدبلوماسي

GMT 05:24 2018 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

القرصان ينتقد الربان..

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 15:55 2020 الإثنين ,05 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم الجمعة 30 تشرين الأول / أكتوبر لبرج الميزان

GMT 04:16 2019 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

زكي يوجه رسالة قوية إلى مسؤولي الدفاع الحسني الجديدي

GMT 14:34 2018 الثلاثاء ,02 تشرين الأول / أكتوبر

"بريزنتيشن" تؤكد أن مُبررات "صلة" في شأن فسخ تعاقدها غير الصحة

GMT 08:32 2018 الإثنين ,02 إبريل / نيسان

"الأساور العريضة" تصلح لمختلف مناسبات صيف 2018

GMT 11:37 2018 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

ياسمين جمال ترتدي فستان الزفاف للمرة الثانية بعد الطلاق

GMT 01:48 2016 السبت ,08 تشرين الأول / أكتوبر

علاج الشيب نهائياً وبألوان مختلفة

GMT 17:48 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

تمارين تساعدك في بناء العضلات وخسارة الوزن تعرف عليها

GMT 04:16 2019 الإثنين ,30 كانون الأول / ديسمبر

المغرب يشهد نهضة غير مسبوقة في مجال التنقيب عن النفط

GMT 06:33 2019 الخميس ,24 تشرين الأول / أكتوبر

تعرف على الفوائد المذهلة لثمرة الرمان على الصحة
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya