الجنون ليس له حدود

الجنون ليس له حدود

المغرب اليوم -

الجنون ليس له حدود

بقلم : توفيق بو عشرين

دماء تغطيها دماء، وأشلاء في ركابها أشلاء، وحزن متشح بالسواد، والذهول سيد العلامات على وجوه منكوبة تبحث عن تفسير ومعنى لقتل 45 مسلما في مطار اسطنبول، وقتل 20 إيطاليا ويابانيا في مطعم ببنغلاديش، وتفجير شاحنة مملوءة بالمتفجرات في شارع الكرادة ببغداد، الغاص بالمحلات التجارية قبيل العيد، وقتل 220 مواطنا بريئا، واستهداف مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم في المدينة المنورة، وقتل سبعة من الصائمين في باحته الآمنة.
ما هي الرسالة التي يريد الإرهاب الداعشي توقيعها بنهر الدم هذا الذي يتدفق في كل مكان تستطيع داعش الوصول إليه وتجنيد انتحاريين فيه؟
الرسالة واضحة، قصة تنظيم الدولة الإسلامية وصلت إلى نهايتها فكرا وسلاحا وتنظيما وشعبية وسيطرة على الأرض. هذه العمليات المجنونة ليست عمليات من يدعي أنه «باق ويتمدد».. الخسائر التي مني بها تنظيم الدولة على كل الجبهات في الأسابيع الأخيرة جعلته ينتقل من الهجوم إلى الدفاع، ومن الدفاع إلى التراجع، ومن التراجع إلى خسارة مناطق شاسعة في العراق وسوريا وليبيا، ومع خسارة الأرض يخسر تنظيم البغدادي المتوحش مصادر التمويل، ومنافذ العبور، والقدرة على تجنيد مقاتلين جدد، لهذا يدفع بانتحارييه إلى أهداف مدنية سهلة بغية الضغط على التحالف العربي والدولي للانسحاب من المعركة ضده، محاولا إظهار قوة غير موجودة عنده، وتعويض خسائره الكبيرة ميدانيا بفرقعات إعلامية، وذعر يبثه في قلوب الضعفاء من المواطنين. حال داعش اليوم مثل ذلك الحيوان المذبوح الذي يخرج آخر ما عنده من قوة وهو يصارع الموت.
مجازر اسطنبول وبغداد وجدة والمدينة المنورة هي أقصى ما يستطيع تنظيم داعش ارتكابه من مجازر، وهذه أقصى درجات جنون يمكن أن يصل إليها تنظيم مسلح ورط نفسه في إدارة رقعة جغرافية محاصرة، محاولا بناء دولة بميلشيات مسلحة تعادي الشرق والغرب، ويصل الجنون بها إلى استهداف مسجد نبي الإسلام الذي يقصده للصلاة مسلمون من كل بقاع العالم، ومن كل المذاهب الفقهية على اختلافها.
في كل الحروب هناك خطأ استراتيجي يرتكبه طرف من أطراف الحرب لا يعود بعده قادرا على وقف مسلسل هزائمه أو استعادة زمام المبادرة، وخطأ داعش القاتل أنها تجرأت على الحرمات المقدسة للمسلمين في شهر الغفران، هذا خطأ لم يرتكبه تنظيم القاعدة من قبل على الرغم من تطرفه العقدي ونزعته الإرهابية، لأنه يعرف أن قتل الأبرياء في الأماكن المقدسة خط أحمر، لكن داعش علمنا أنه يفعل أي شيء يخطر على باله ولا يخطر على بال أحد، وهو منساق وراء التوحش وبث الرعب في قلوب الجميع من أجل دفعهم إلى الاستسلام وقبول وجود تنظيم إرهابي يدير شبه دولة. إن استهداف قبلة المسلمين سيجعل من تنظيم البغدادي عدوا للمؤمنين قبل غيرهم، وسينزع عنه ما بقي من رداء كاذب يدعي به الدفاع عن الإسلام أو أهل السنة عند عوام الناس اليائسين من استرجاع حقوقهم بالعقل لا بالجنون.
يعتبر خبراء التنظيمات الإرهابية أن هذه الأخيرة تموت بعدة أسباب، منها موت الزعماء الملهمين، أو موت القضايا التي خرج التنظيم من أجلها، أو بسبب الوصول إلى تسويات سياسية لنزاعات مسلحة، لكن أكثر العوامل التي تقضي على هذا النوع من التنظيمات المسلحة هو فقدان السند الشعبي أو الحاضنة الاجتماعية، وهذا ما فقدته داعش أول أمس وهي تقترب من مسجد النبي محمد صلى الله عليه وسلم، الذي قال عنه الحق سبحانه وتعالى في كتابه: «وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين» (سورة الأنبياء الآية 107). قال ابن عباس في تفسير هذه الرحمة التي تشمل العالمين مؤمنين وغير مؤمنين: «من آمن بالله واليوم الآخر كتبت له الرحمة في الدنيا والآخرة، ومن لم يؤمن بالله ورسوله، عوفي مما أصاب الأمم من الخسف والقذف والغرق». (الطبري 18/552). وقال المفسرون: «محمد رسول الله كان رحمة للعالمين، أي أنه كان للمؤمن رحمة بالهداية، وللمنافق رحمة بالأمان من القتل، وللكافرين رحمة بإرجاء أمرهم لله».

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الجنون ليس له حدود الجنون ليس له حدود



GMT 06:02 2018 الأحد ,25 شباط / فبراير

حان وقت الطلاق

GMT 07:26 2018 الجمعة ,23 شباط / فبراير

سلطة المال ومال السلطة

GMT 06:39 2018 الخميس ,22 شباط / فبراير

لا يصلح العطار ما أفسده الزمن

GMT 05:46 2018 الأربعاء ,21 شباط / فبراير

الطنز الدبلوماسي

GMT 05:24 2018 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

القرصان ينتقد الربان..

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 05:15 2018 الأربعاء ,25 تموز / يوليو

واتساب يضيف ميزة نالت إعجاب مستخدميه

GMT 02:06 2018 الخميس ,12 تموز / يوليو

سعر ومواصفات "كيا سبورتاج 2019" في السعودية

GMT 23:49 2018 الثلاثاء ,03 تموز / يوليو

وفاة أب وإبنته غرقا في نهر ضواحي جرسيف‎

GMT 23:59 2018 الأربعاء ,27 حزيران / يونيو

معلول يؤكد أهمية فوز المنتخب التونسي على بنما
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya