بقلم : توفيق بو عشرين
مرة أخرى، خرج رئيس الحكومة، عبد الإله بنكيران، لوضع النقاط على الحروف في ما يخص تركيبة السلطة في المغرب، فبعدما تحدث، أمام شبيبة حزبه في بوزنيقة، عن «وجود دولتين في المغرب؛ واحدة يقودها جلالة الملك، والأخرى لا نعرف من يقودها، ولا من أين تأتي قراراتها، ولا من أين تأتي تعييناتها»، أطل بنكيران على الرأي العام أول أمس من نافذة موقع «الأول»، الذي حاول الزملاء فيه أن يجروا بنكيران لكي يشرح الفرق بين الحكم والحكومة والتحكم في المغرب، الذي يستعد لطي صفحة حكومة الربيع المغربي وفتح صفحة أخرى، لا يعرف أحد كيف ستكون بعد انتخابات السابع من أكتوبر.
قبل أن يجيب بنكيران عن السؤال أعلاه، قال للزملاء في موقع «الأول»، في ما يشبه التحذير: «نحن جئنا إلى الحكومة ولم نأت إلى السلطة، يجب أن تدققوا هذا الأمر، وألا تقولوا للمغاربة أشياء غير موجودة».
بعدها، رسم رئيس الحكومة، باعتباره مسؤولا جرب تعقيدات القرار وليس خبيرا دستوريا أو مراقبا سياسيا، طبيعة تركيبة السلطة كما هي موجودة لا كما هي مكتوبة أو مرغوبة، وملخص جوابه أن الملك يحكم وبنكيران يساعده، والتحكم يفسد اللعبة الديمقراطية، وهنا قدم رواية أفصح عنها لأول مرة -حسب علمي- على لسان المستشار الملكي الراحل، مزيان بلفقيه، الذي قال لبنكيران، نقلا عن هذا الأخير: «إن النتائج المتقدمة التي حصلتم عليها في انتخابات 2002 ستؤدون ثمنها»، وهي النبوءة التي اعتبرها بنكيران تحققت في 2003، حيث أجبرت الداخلية حزب المصباح على تقليص مشاركته في الانتخابات الجماعية إلى النصف، في محاولة لجعله يؤدي ثمن تقدمه في الانتخابات، وثمن جريمة لم يرتكبها هي أحداث 16 ماي، وبقية القصة معروفة.
قبل بنكيران، سبق لعبد الرحمان اليوسفي أن أشار إلى هذا العطب الموجود في المغرب، والذي يجعل ازدواجية القرار من ثوابت السياسة في البلاد، وقبل اليوسفي تحدث مولاي عبد الله إبراهيم عن المشكلة نفسها (ازدواجية السلطة بين الحكومة والحكم)، لكن الفرق اليوم أن بنكيران يتحدث بلغة غير خشبية وهو في رئاسة الحكومة وليس خارجها، أما الفرق الأهم فهو أن ازدواجية الحكم أو ثلاثيته (الحكم والحكومة والتحكم) مازالت موجودة، حتى في ظل دستور جديد اعتبره جل المراقبين والفاعلين دستورا متقدما، وأنه يربط المسؤولية بالمحاسبة، ويعطي الحكومة سلطة على إدارة الشأن العام، باستثناء الشؤون الدينية والعسكرية والأمنية، وحتى هذه المجالات المحفوظة للملك لا يتم التشريع فيها خارج البرلمان، ولا تمر ميزانياتها خارج الحكومة ومجلسي النواب والمستشارين، فما الداعي، يا ترى، لوجود أكثر من دولة في المملكة، واحدة يعرف رئيس الحكومة من يرأسها، والثانية لا يعرف من يديرها ومن يتصرف في شؤونها… لا بد من القول إن لبنكيران نصيبا من المسؤولية عن هذا الوضع، وهذا ما كتبناه أكثر من مرة، لكن الذين هاجموا بنكيران لأنه تجرأ ووضع اليد على هذا العطب الكبير، لم يفعلوا ذلك دفاعا عن الدستور ولا عن التجربة الديمقراطية.. الذين هاجموا بنكيران فعلوا ذلك دفاعا عن دولة الظل، عن الازدواجية الموجودة في القرار بين حكومة منتخبة وحكومة أخرى غير منتخبة، لا يظهر من سلطتها ونفوذها إلا حزب الأصالة والمعاصرة وتصرفاته الغريبة عن تقاليد المعارضة، إلى الدرجة التي دفعت حزب الاستقلال إلى القول إن البام أقوى من رئيس الحكومة.
مبررات من ينتقد بنكيران، ويريد أن يقنعه بسياسة «سد فمك»، تقول لرئيس الحكومة: “إن كل ما تقوله عن وجود دولتين في المملكة الشريفة كذب وافتراء، وهو من بنات خيالك أو من أحلام يقظتك، وإذا وُجدت دولتان في المملكة، وهذا مستبعد جدا، فإنك أنت المسؤول عن ذلك، فلماذا لا تضع البيضة في الطاس وتقلب الطاولة وترجع إلى المعارضة؟ وإذا كنت غير قادر على فعل ذلك فاصمت، وتحمل الضرب تحت الحزام، فهذه هي فاتورة كرسي رئاسة الحكومة”… إن الأمر أشبه ما يكون بشخص فقد بيته، وعجز عن استرداده بالقوة لأنه إما ضعيف أو لا يريد أن يدخل إلى حلبة الملاكمة حرصا على سلامته أو سلامة عائلته، فاختار طريقا آخر لاسترجاع بيته بالحديث للناس عن مظلمته، وتعميم شكواه في محاولة لنزع شرعية حيازة البيت بطرق غير شرعية، وحتى يضغط على من أخذوا منزله ويدفعهم إلى إرجاعه بالتي هي أحسن، وهو يُشهد الناس على ما جرى، ويترافع عن حقه أمام المجتمع، فجاء من نصحه بالصمت والكف عن البكاء والعويل لأنه يشوش على المالكين الجدد لبيته، ويؤلب الناس عليهم، ويمس بصورتهم، وهذا حرام ولا يجوز، وعوض أن يقول لهم هذا المواطن المغلوب على أمره «آمين»، ويصمت ويعمل بالنصيحة، أو يخاف التهديد، سألهم سؤالا محرجا: «إذا كان بكائي على حقي حراما، فهل أخذ بيتي حلال؟».