طفل غير مرحب به في عائلته

طفل غير مرحب به في عائلته

المغرب اليوم -

طفل غير مرحب به في عائلته

بقلم : توفيق بو عشرين

مر عيد ميلاده يوم أمس دون أن يتذكره أحد، لم يشعل له أحد شمعة، ولا قدم له هدية، ولا احتفى القوم ببلوغه سن الخامسة. بدا وكأنه مولود غير مرغوب فيه، يذكر جل النخب السياسية بحدث سيئ، وبأحداث ثقيلة على قلب السلطوية في المغرب، لهذا تصرف الجميع وكأن عيده ليس عيدا، وذكرى ميلاده لا تستحق الوقوف عندها، بله الاحتفاء بها.
إنه دستور المملكة المغربية الذي ولد في فاتح يوليوز 2011 من رحم الربيع المغربي، والذي كتب لأول مرة بأقلام مغربية وليست فرنسية. دستور وإن لم تضعه جمعية تأسيسية فإن ميلاده خرج من رحم الشارع أولا، ومن استشارات واسعة، ثانيا، مع الأحزاب والنقابات وجمعيات المجتمع المدني. ومع أن دستور يوليوز خرج سقفه أدنى من خطاب 9 مارس، فإن هذه الوثيقة التعاقدية دخلت تاريخ الدساتير المغربية باعتبارها أحد أفضل النصوص الدستورية التي عرفتها المملكة الشريفة الحديثة العهد بالدساتير.
رغم أن شباب 20 فبراير رفضوا الجلوس إلى طاولة اللجنة الملكية الاستشارية لكتابة الدستور قبل خمس سنوات، فإن صوتهم كان حاضرا، وطيفهم ظل في كل غرف اجتماعات اللجنة التي كلفها الجالس على العرش بكتابة دستور جديد للجيل الجديد، الذي خرج إلى شوارع المملكة في 54 مدينة وعمالة وإقليما يطالب بملكية برلمانية، وإصلاحات عميقة للدولة تضمن الحرية والمساواة وتؤسس نظاما ملكيا ديمقراطيا.
دستور محمد السادس جعل ثوابت المملكة أربعة بعدما كانت ثلاثة (الإسلام، الملكية، الوحدة الترابية)، حيث أضاف إلى الثلاثة الاختيار الديمقراطي ثابتا رابعا من ثوابت المغرب، ثم عمد إلى الصلاحيات الكثيرة التي كانت بحوزة الملك، وأعطى جزءا منها للحكومة ورئيسها، والبرلمان وسكانه، ومؤسسات الحكامة ومجال عملها الذي اتسع حتى أصبحنا أمام نظام فريد من نوعه، لا هو ملكية برلمانية على الطراز الأوروبي، ولا هو نظام ملكي مطلق على الطراز العربي والشرقي.
وللخروج من هذا الالتباس، الذي اقتضته ضرورة التدرج في الإصلاحات جاء شعار: «التأويل الديمقراطي للدستور» كمنهجية قانونية وسياسية للدفع بالنص الدستوري إلى أقصاه، ولاستخراج ممارسة سياسية وأعراف دستورية جديدة تكمل النص الدستوري الذي لم يقدر على الذهاب إلى أبعد حد في ربط المسؤولية بالمحاسبة، وفي الفصل بين السلط، وغيرها من مشمولات الدساتير التي تؤسس ديمقراطية كاملة.
للأسف الشديد، دستور 2011 وجد نخبة سياسية محافظة وتقليدانية آخر همها هو تطوير المتن الدستوري، والاحتكام إلى نصوصه في إدارة السلطة واقتسامها، وعندما نقول النخبة السياسية فإننا نقصد الحكومة ورئيسها، والمعارضة وزعماءها، ونخبة القصر ومستشاريها، كل هؤلاء أجمعوا على تخفيض سقف الدستور، وحتى تجميده أحيانا، واللجوء إلى التوافقات الهشة والأعراف التي ترسخت قبل مجيء الدستور الجديد.
بنكيران وصحبه كانوا مشغولين بالتطبيع مع القصر، وتثبيت أرجلهم في سفينة الحكومة المترنحة، ولهذا جعلوا من الدستور ورقة العبور إلى قلب النظام، فتخلوا، تارة، عن الاحتكام إليه، وأولوه بطريقة غير ديمقراطية تارة أخرى، فجعلوا القوانين التنظيمية، التي تعتبر قوانين مكملة للنص الدستوري، ذات سقف أدنى من الدستور نفسه، وجعلوا الممارسة أقل من القوانين التنظيمية.
لشكر وشباط والعماري وسجيد كانوا مهمومين بإضعاف الحكومة ورئيسها، ورؤوا في الدستور خصما لهم، لأنه يقوي صندوق الاقتراع وسلطته، ومادام الصندوق في صالح بنكيران الآن فمن الأفضل تأويل الدستور بطريقة «لاديمقراطية» حتى لا يستفيد منه حزب العدالة والتنمية. ثم إن المعارضة، وفي إطار شعار «معارضة الحكومة وموالاة الحكم»، استعملت الدستور ورقة للتقرب من القصر، وطلب الدعم والإسناد منه، تحت وعد بأنها إذا وصلت إلى الحكومة فإنها ليس فقط ستؤول الدستور بشكل غير ديمقراطي، بل ستجمده بشكل كلي، وسترجع إلى دستور 96 بأقل كلفة ممكنة.
أما مستشارو القصر الذين كانوا مكلفين بمراقبة تنزيل الدستور وقوانينه التنظيمية، والسهر على ضمان عدم المس بصلاحيات الجالس على العرش، فقد كان هاجسهم الأول هو مراقبة الدينامية السياسية الجديدة، ومدى تأثيرها على صلاحيات الملك القديمة في الدستور الجديد، ولأن السلطة دائما مسكونة بالخوف من التجاوز، وعدم القدرة على التحكم في سير الأمور، فإن الجميع نسي أن الدستور الجديد كان تعاقدا جديدا بين الملك وشعبه، ولم يكن أداة تكتيكية للخروج من عاصفة الربيع التي هزت جل البلدان العربية.
هل عرفتم الآن لماذا لم يحتفِ أحد بعيد ميلاد الدستور الجديد؟!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

طفل غير مرحب به في عائلته طفل غير مرحب به في عائلته



GMT 06:02 2018 الأحد ,25 شباط / فبراير

حان وقت الطلاق

GMT 07:26 2018 الجمعة ,23 شباط / فبراير

سلطة المال ومال السلطة

GMT 06:39 2018 الخميس ,22 شباط / فبراير

لا يصلح العطار ما أفسده الزمن

GMT 05:46 2018 الأربعاء ,21 شباط / فبراير

الطنز الدبلوماسي

GMT 05:24 2018 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

القرصان ينتقد الربان..

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 17:48 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

تمارين تساعدك في بناء العضلات وخسارة الوزن تعرف عليها

GMT 12:09 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

يشير هذا اليوم إلى بعض الفرص المهنية الآتية إليك

GMT 12:01 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

أعد النظر في طريقة تعاطيك مع الزملاء في العمل

GMT 17:49 2020 الإثنين ,21 كانون الأول / ديسمبر

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

GMT 19:23 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

حظك اليوم الأربعاء 2 كانون الأول / ديسمبر لبرج الدلو

GMT 19:31 2020 السبت ,25 كانون الثاني / يناير

مناقشة رواية "غيوم فرنسية" في معرض الكتاب

GMT 04:30 2019 السبت ,26 كانون الثاني / يناير

باتاكي ترتدي بكيني أحمر متوهج وتتباهى بجسدها

GMT 06:55 2018 الإثنين ,08 تشرين الأول / أكتوبر

تعرفي على كيفية معرفة الفرق بين الألماس الحقيقي والصناعي

GMT 02:40 2018 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

الأعمال الفنية الحديثة تخلو من الراقصة الممثلة الموهوبة

GMT 02:42 2017 الخميس ,07 كانون الأول / ديسمبر

استكمال جمال سليمان ومنة فضالي وياسر فرج "أفراح إبليس2"

GMT 13:55 2016 الخميس ,15 أيلول / سبتمبر

استنفار أمني في زايو بعد العثور على فتاة مقيدة

GMT 23:33 2016 الجمعة ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

الفنانة ريم مصطفى تنضم إلى فريق عمل "اللهم إني صائم"
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya