خواطر سياسية في رمضان

خواطر سياسية في رمضان

المغرب اليوم -

خواطر سياسية في رمضان

بقلم : توفيق بو عشرين

يقول المؤرخ المغربي عبد الله العروي، في مذكراته “خواطر الصباح”: «كان الحسن الثاني يبحث عن جماعات أخرى تعدل الكفة السياسية إزاء أحزاب الحركة الوطنية. كان يبحث عن بديل للأحزاب الحقيقية، وكل تصرفات إدريس البصري، وزير الداخلية آنذاك، كانت تهدف إلى هذا الأمر، إلا أن هذه السياسة صعبة التطبيق، إذ تتوخى متناقضين: أن يكون الحزب الموالي للسلطة شعبيا وفي الوقت نفسه طيعا، وهذا من قبيل تدوير المربع».
ما أشبه اليوم بالبارحة، العروي نفسه الذي أرخ نصف قرن من السياسة في المغرب يكرر، أكثر من مرة، في مذكراته عبارة: «كلما رجعت إلى ما كتبته أجد ملاحظاتي متشابهة ومتكررة». الزمن المغربي مولع بالتكرار، والزمن السياسي يدور، في كثير من الأحيان، في فراغ، لهذا يعيد الخلف سياسة السلف، وكل واحد يتصور أن الحظ سيبتسم له. بقدر ما تتوفر الدولة في المغرب على ذاكرة فيل، لا تتعظ السلطة من دروس التاريخ.
لا يمكن أن نخلق حزبا شعبيا له قاعدة اجتماعية، وجذور إيديولوجية ومصداقية لدى الشارع تسعف في تأطير الناس، وفي القيام بالوساطة والتمثيل الحقيقيين للمواطنين ومصالحهم وآمالهم وأحلامهم، وفي الوقت نفسه نجعل من حزب بهذه المواصفات حزبا طيعا، حزبا من عجين نصنع منه كل أنواع الخبز ثم نأكله ونمر إلى أشياء أخرى. هذه السياسة قال عنها أشهر مؤرخ معاصر في المغرب «تدوير المربع»، أي استحالة الحصول على البيض وثمن البيض.
فشل حزب الفديك (جبهة الدفاع عن المؤسسات الدستورية) في الستينات رغم أن مهندسه الأول كان هو الحسن الثاني، ومنفذه الأول كان هو رضى اكديرة، وكان أمامه مناخ مثالي للنجاح، إذ ولد حزب الدولة هذا في زمن الحرب الباردة، حيث لم تكن عملة الديمقراطية متداولة كما هي الآن، وكان مطلوبا من الدول آنذاك أن تختار بين الانتماء إلى النادي الرأسمالي أو الاشتراكي، وبعدها تصنع ما تشاء بشعوبها ومصائر مواطنيها… فهل ينجح حزب الدولة الجديد؟
اليوم لديك 65% من المغاربة أصبحوا سكان مدن، أي لأول مرة في تاريخ المغرب صارت الأغلبية من سكان هذه الأرض من قاطني المدن وليس من ساكني البوادي، أي أن أغلبية المغاربة أصبحوا خارج منظومة تأطير البادية، المحكومة بالأعيان والانتماء القبلي وبسطوة المخزن وبالارتباط باقتصاد الأرض. في المغرب اليوم 18 مليون مغربي يتوفرون على هاتف ذكي (حسب آخر إحصاء نشرته هيئة تقنين الاتصالات)، ما يعني أن هؤلاء يستعملون هواتف الجيب ليس فقط للكلام، بل لاستعمال الأنترنت الذي يفتح أمامهم بحرا من المعلومات والاتصالات والصور والفيديوهات والتفاعل مع الأحداث. في المغرب أيضا حوالي 10 ملايين مغربي يتوفرون على صفحة على الفايسبوك في عالم أصبح قرية صغيرة، وأصبحت سمعة الدول تقاس بمدى ديمقراطيتها، ومدى احترامها لحقوق الإنسان، وحرية التعبير، والصحافة، ونظافة الاستشارة الانتخابية وانتظامها، وتعبيرها عن إرادة الأمة… كل هذه المتغيرات، وغيرها كثير، ماذا تقول لنا؟ تقول لنا إن المغربي ينزع، يوما بعد آخر، إلى أن يكون فردا حرا يعيش عصره، وإنه يتخلص، يوما بعد آخر، من قيود السلطة التقليدية، سلطة العائلة والقبيلة والدولة والمخزن، وإنه إذا لم يجد أحزابا مستقلة وحياة سياسية حقيقية ومجالا للتعبير، فإنه سيخلقها بطريقته وبالمتاح أمامه سلبا وإيجابا، لكنه لن يدخل في جلباب أبيه أو جده، ولن يصب أحلامه وآماله وثقافته في قالب صغير تقليداني.. وهذه المتغيرات تقول لنا إن وسائل الضبط والتحكم في الحياة السياسية، كما كانت في عهد الحسن الثاني، تدوير للمربعات، وتقول هذه المتغيرات أيضا، للذي يريد أن يسمع، إن مستقبل الأفراد والشعوب إما أن يكون ديمقراطيا وإما لا يكون، وإن كل أشكال الحكم، حتى تلك التي يختلط فيها الاستبداد بالانفتاح والتحكم بهوامش من الديمقراطية، محكوم عليها بالفشل، وإن الإصلاح الذي يكلف اليوم درهما سيكلف غدا 10 دراهم، وبعد غد لا يفيد. هذا كان درس الربيع العربي بما له وما عليه. انتفاضات الشباب فشلت في مصر وليبيا واليمن وسوريا ليس لأن الحرية لا “تتكلم عربي”، وليس لأن الديمقراطية ممنوعة من الصرف في بلاد يعرب، بل لأن الأنظمة السياسية القائمة في هذه البلدان أصبحت عصية على الإصلاح، وصل فيها الفساد والاستبداد إلى مستوى لم تعد فيه قادرة على إصلاح ذاتها بذاتها. انتفاضات الربيع العربي كانت إصلاحية ولم تكن ثورية، جاءت من خارج الأنظمة لإصلاحها وليس لإسقاطها، ولهذا عندما تنحى بنعلي ومبارك والقذافي رجع الشباب إلى جامعاتهم وبيوتهم وأعمالهم، ولم يشكلوا حكومات ثورية أو مجالس للحكم، ولا نصبوا المشانق لرموز النظام القديم، كما فعلت الثورات الفرنسية والروسية والإيرانية… كانت وظيفة الشباب أن يطرقوا باب الأنظمة الفاسدة والمستبدة ليقولوا لها كفى، براكا، باسطا… لكن لا حياة لمن تنادي.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

خواطر سياسية في رمضان خواطر سياسية في رمضان



GMT 06:02 2018 الأحد ,25 شباط / فبراير

حان وقت الطلاق

GMT 07:26 2018 الجمعة ,23 شباط / فبراير

سلطة المال ومال السلطة

GMT 06:39 2018 الخميس ,22 شباط / فبراير

لا يصلح العطار ما أفسده الزمن

GMT 05:46 2018 الأربعاء ,21 شباط / فبراير

الطنز الدبلوماسي

GMT 05:24 2018 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

القرصان ينتقد الربان..

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 17:48 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

تمارين تساعدك في بناء العضلات وخسارة الوزن تعرف عليها

GMT 12:09 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

يشير هذا اليوم إلى بعض الفرص المهنية الآتية إليك

GMT 12:01 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

أعد النظر في طريقة تعاطيك مع الزملاء في العمل

GMT 17:49 2020 الإثنين ,21 كانون الأول / ديسمبر

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

GMT 19:23 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

حظك اليوم الأربعاء 2 كانون الأول / ديسمبر لبرج الدلو

GMT 19:31 2020 السبت ,25 كانون الثاني / يناير

مناقشة رواية "غيوم فرنسية" في معرض الكتاب

GMT 04:30 2019 السبت ,26 كانون الثاني / يناير

باتاكي ترتدي بكيني أحمر متوهج وتتباهى بجسدها

GMT 06:55 2018 الإثنين ,08 تشرين الأول / أكتوبر

تعرفي على كيفية معرفة الفرق بين الألماس الحقيقي والصناعي

GMT 02:40 2018 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

الأعمال الفنية الحديثة تخلو من الراقصة الممثلة الموهوبة

GMT 02:42 2017 الخميس ,07 كانون الأول / ديسمبر

استكمال جمال سليمان ومنة فضالي وياسر فرج "أفراح إبليس2"

GMT 13:55 2016 الخميس ,15 أيلول / سبتمبر

استنفار أمني في زايو بعد العثور على فتاة مقيدة

GMT 23:33 2016 الجمعة ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

الفنانة ريم مصطفى تنضم إلى فريق عمل "اللهم إني صائم"
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya