الجيب المثقوب لا تملؤه أموال الأرض

الجيب المثقوب لا تملؤه أموال الأرض

المغرب اليوم -

الجيب المثقوب لا تملؤه أموال الأرض

بقلم : توفيق بو عشرين

دخل المجلس الأعلى للتعليم إلى حقل ألغام جديد عندما فتح الباب للبحث عن مصادر جديدة لتمويل التعليم الثانوي والعالي من خلال إلغاء المجانية المطلقة في التعليم، والتي كانت تسري على الفقراء ومتوسطي الحال (الأغنياء سحبوا أبناءهم من التعليم العمومي قبل سنوات طويلة)، في محاولة لدفع الطبقة الوسطى إلى أداء رسوم تسجيل أبنائها في الثانويات العمومية والجامعات المغربية، واستثناء الفقراء غير القادرين على الدفع.
رفع المجانية عن التعليم العمومي ظل «طابو» في المغرب لا أحد كان يجرؤ على الاقتراب منه، لأن اليسار ونقابته كانا قويين في قطاع التعليم، وكانا معا يمارسان معارضة شرسة دفاعا عن «شعبهما»، وبالتالي، كان من المستحيل أن يسمحا بمرور هذا البند في إصلاح التعليم ولو على جثتيهما، كما كان يقال في بيانات السبعينات والثمانينات. اليوم، الوضع تغير.. المدرسة العمومية انهارت على رأس الجميع. لم يدخل مبدأ الأداء إلى المدرسة العمومية، لكن أبناء الأغنياء والميسورين والقادرين على الدفع من الطبقة الوسطى هربوا من سفينة التعليم العمومي، واتجهوا في المدارس الخاصة أو الجامعات في الخارج. إذن، لا توجد مجانية مطلقة في التعليم المغربي، هناك أداء، لكنه أداء اختياري.
السؤال اليوم ليس هو: هل تستمر المجانية المطلقة أم لا؟ السؤال الأهم: هل الدولة ستعرف كيف تصرف الموارد المالية الجديدة التي ستأتي من رسوم التسجيل في المدارس لتحسين جودة التعليم أم لا؟ التعليم العمومي يمتص أكثر من ثلث ميزانية البلد، والتلميذ في التعليم العمومي يكلف الدولة أكثر مما يكلف تلميذ آخر في القطاع الخاص، في حين أن الثاني يحصل على تعليم أفضل مما يحصل عليه زميله في المدرسة العمومية، لهذا، لا بد من إعادة النظر في أمور كثيرة قبل الالتفات إلى التمويل، فالجيب المثقوب لا تملؤه كل أموال الدنيا.
أولا: مدرستنا تحتاج إلى استقلال ذاتي في إطار جهوي ومحلي يعطي مجلس إدارة المدرسة سلطات أكبر لاختيار الأساتذة والبرامج والمناهج، ومنح مجلس إدارة المؤسسة التعليمية صلاحية البحث عن أساتذة جيدين، وتكوين بعضهم، وعقاب البعض الآخر، ومنح حوافز مادية ومعنوية للإطار التعليمي الجيد بناء على النتائج التي حققها، وكل هذا بدفاتر تحملات واضحة ودقيقة، أما ترك التعليم كله في يد الوزارة بالرباط ممركزا بشكل متطرف، فهذا لن يحل مشاكل المدرسة في مجتمع متنوع ومختلف الخصائص الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والمجالية… لا بد من إعادة تعريف دور الوزارة، ومنح المجالس المنتخبة كرسيا في قاعة المدارس لتتحمل مسؤولية التعليم، ثم التأهيل، ثم التشغيل فيما بعد.
ثانيا: لا بد من إعادة الاعتبار لتقييم مستوى التلاميذ، وعدم السماح لهم بالانتقال من الابتدائي إلى الإعدادي إلى الثانوي دون إتقان القراءة والكتابة والحساب، وباقي الكفاءات التي تؤهلهم للتعلم المستمر، وعدم التساهل في الانتقال السهل من قسم إلى آخر، لأن هذا يجعلهم تلاميذ معاقين، غير قادرين على مواكبة إيقاع التمدرس في أقسام لا يستحقون الجلوس على كراسيها.
لا بد من إرساء أقسام التقوية والدعم للتلاميذ الضعفاء الذين لا يستطيعون مواكبة الإيقاع، وعدم تركهم خلف المسيرة، ومحاربة الدروس الخصوصية بإدخالها إلى داخل المدرسة وليس خارجها، فاستمرار الوضع كما هو عليه يكرس عدم المساواة في الحصول على تعليم جيد للجميع، وهذا أكبر خلل اجتماعي وسياسي يمكن أن يعرفه مجتمع من المجتمعات.
ثالثا: لا بد تخفيف كثافة المواد والبرامج والدروس، والتركيز على الدعائم البيداغوجية الجديدة، وإدخال الرقمنة إلى المدارس، وفتح عقول الأساتذة والتلاميذ والطلبة على منجزات الثورة الرقمية، ودعائمها المبتكرة التي تطور المناهج التعليمية، وتساعد على كسب الوقت وتحقيق نتائج الإصلاح. هناك اليوم العديد من التطبيقات تسبح في عالم النيت، وتنتظر من يستغلها للتقدم بالعملية التعليمية إلى الأمام.
رابعا: لا بد من فرض سلطة حازمة في المدارس، والحد من الشغب والتمرد والعنف والمخدرات والتحرش الجنسي في المدارس، وذلك بفرض نظام شبه عسكري في المدارس، فيه الثياب الموحدة وتحية العلم ونظام للتأديب والعقاب، حتى ترجع للمدرسة هيبتها، وللأستاذ مكانته. مع هذا، وقبله، لا بد من إرادة سياسية للنهوض بالمدرسة، ولا بد من قانون للجزاء والعقاب لكل أطراف العملية التعليمية، من الوزير إلى الغفير.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الجيب المثقوب لا تملؤه أموال الأرض الجيب المثقوب لا تملؤه أموال الأرض



GMT 06:02 2018 الأحد ,25 شباط / فبراير

حان وقت الطلاق

GMT 07:26 2018 الجمعة ,23 شباط / فبراير

سلطة المال ومال السلطة

GMT 06:39 2018 الخميس ,22 شباط / فبراير

لا يصلح العطار ما أفسده الزمن

GMT 05:46 2018 الأربعاء ,21 شباط / فبراير

الطنز الدبلوماسي

GMT 05:24 2018 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

القرصان ينتقد الربان..

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 05:15 2018 الأربعاء ,25 تموز / يوليو

واتساب يضيف ميزة نالت إعجاب مستخدميه

GMT 02:06 2018 الخميس ,12 تموز / يوليو

سعر ومواصفات "كيا سبورتاج 2019" في السعودية

GMT 23:49 2018 الثلاثاء ,03 تموز / يوليو

وفاة أب وإبنته غرقا في نهر ضواحي جرسيف‎

GMT 23:59 2018 الأربعاء ,27 حزيران / يونيو

معلول يؤكد أهمية فوز المنتخب التونسي على بنما
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya