بقلم : توفيق بو عشرين
في سمر رمضاني بالمقر التاريخي لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية في حي أكدال بالرباط، خضع الأمين العام لحزب العدالة والتنمية لتمرين سؤال-جواب من قبل أستاذ السوسيولوجيا إدريس بنسعيد وثلاثة زملاء صحافيين (مرية مكريم ومصطفى العراقي وعمر الشرقاوي)، حول مساره السياسي والإيديولوجي، ومواقف حزبه من الأسئلة السياسية الراهنة. بصعوبة، دخل الأمين العام لحزب المصباح إلى مقر الحزب الغريم، حيث وقف عدد قليل من المعترضين على هذه الزيارة، التي بدت غريبة، مطالبين بنكيران بالرحيل، لكن القائمين على مؤسسة المشروع صاحبة الدعوة طلبوا تدخل الأمن، الذي فتح الطريق أمام بنكيران لدخول مكتب عبد الرحيم بوعبيد… لهذا كان أول ما أجاب عنه حينما سألته مرية مكريم عن علاقته باغتيال عمر بنجلون -وهو المبرر الذي رفعه المعترضون على دخول بنكيران إلى معقل الاتحاديين- هو قوله: «يوم اغتيل بنجلون سنة 1975 كنت قريبا من الاتحاد الاشتراكي صديقا لا يفارق محمد الساسي، ولم أصبح إسلاميا بعد، وحضرت حفل تأبين عبد الرحيم بوعبيد لعمر بنجلون، وأنا أبرأ إلى الله من دمه».
جل الأسئلة كان بنكيران يجيب عنها بعفويته المعهودة وبساطته المألوفة، فهو يقول إنه لا يسعى إلى إرضاء أحد، ولا يطمع في أن ينال إعجاب أحد، خاصة النخبة من أهل الإعلام والفكر والسياسة. هو يعرف أن جل هؤلاء لا يذهبون للتصويت، وأن تأثيرهم محدود في المجتمع، لكن مع ذلك لم يخرج بنكيران سالما ليلة السبت من الإحراج، حيث وجد صعوبة كبيرة في إقناع الحضور بامتناع وزارة الداخلية عن نشر النتائج التفصيلية للانتخابات الجماعية بعد مرور تسعة أشهر عليها. قال، في ما يشبه التبرير الذي لا يقنع أحدا: «لقد طلبت من وزير الداخلية أن ينشر النتائج»، وقبل أن يكمل اعترض عليه الزميل العراقي وقال له: «أنت رئيس الحكومة يجب أن تأمر وزير الداخلية بنشر النتائج لا أن تطلب منه ذلك»، فرد بنكيران بما يشبه الاعتراف بالأمر الواقع: «إن وزارة الداخلية هي وزارة الداخلية، وهذه الوزارة لها خصوصية معينة، وأنا طلبت منهم أن ينشروا الأرقام التفصيلية لنتائج الانتخابات، وهم وعدوني بأنهم سينشرونها، وقالوا إنهم بصدد حسابها»، هنا ضحك بعض من كان في القاعة حول حكاية «إنهم مازالوا يعدون الأرقام»، وعلق البعض بالقول إن حصاد والضريس لا يتوفران على آلة حاسبة calculatrice، وهما يعدان الأصوات يدويا منذ تسعة أشهر! عمر الشرقاوي التقط خيط هذا النوع من الأجوبة وسأل بنكيران: «هل امتناع وزارة الداخلية عن نشر أرقام اقتراع شتنبر معناه أن حكاية إشرافكم السياسي على الانتخابات لم تعد قائمة، وأن وزارة الداخلية هي صاحبة الكلمة الفصل في الموضوع؟». بنكيران رد بأسلوب غامض، لا تعرف هل يبرر عمل الداخلية أم يدينه، وهل يدافع عن الوزارة أم يعريها أمام الجمهور.. قال: «عندما أشعر بأني غير قادر على الإشراف السياسي على الانتخابات سأتوجه إلى جلالة الملك وأصارحه بالأمر، لكن، أيها الصحافيون، لا تنقلوا صورة غير حقيقية إلى الجمهور. وزارة الداخلية هي وزارة الداخلية، وحتى وإن لم تعد كما كانت على عهد إدريس البصري أم الوزارات، فإنها مازالت تحتفظ ببعض الأمومة.. هذه هي بلادنا، وأنا لست رئيس حكومة شكليا، لكن، في الوقت نفسه، أنا لا أفعل كل ما أريده، ولا أشتغل لوحدي، هناك خصوصية لبعض الوزارات مثل الداخلية، وهناك صلاحيات صاحب الجلالة، وهناك ائتلاف حكومي يجب مراعاته، لو كنت أقف عند كل مشكلة وكل عقدة لكانت هذه التجربة قد انتهت منذ اليوم الأول».
هكذا بدا رئيس الحكومة «يجرح ويداوي»، كما يقول المغاربة، لكنه لا يتكلم لغة الخشب، يتكلم لغة قريبة من نقل الحقيقة، خاصة عند المتلقي الذي يقرأ بين السطور.
ما الذي يمنع وزارة الداخلية من نشر النتائج التفصيلية لانتخابات مرت عليها تسعة أشهر؟ هل لديها ما تخفيه حول هذه النتائج؟ هل هي عاجزة عن كشف تفاصيل ما أعلن من أرقام عشية الانتخابات؟ ثم كيف سيثق الناخب في إشرافها على انتخابات أكتوبر المقبل، وهي لم تكشف حقيقة انتخابات شتنبر الماضي؟ أصوات كثيرة من العدالة والتنمية تقول إن الحزب تحت يده أرقام مغايرة تماما لتلك المعلنة في شتنبر، وإن المصباح حصل على أصوات أكثر مما جاء في بلاغ «ماما» الداخلية. إن استمرار الجدل حول هذه النقطة سيضعف الثقة في كل العملية السياسية، فمن المستفيد من هذا الوضع؟
في آخر اللقاء، ومع قرب موعد السحور، قال بنكيران، مطمئنا خصومه، إن حزبه لا يسعى إلى الهيمنة، وإن توقعاته حول نتائج الانتخابات، المزمع تنظيمها في أكتوبر المقبل، تقول إن حزبه سيحتل المرتبة الأولى، لكن أصواته لن تزيد على 107 مقاعد في مجلس النواب المقبل، وإنها قد تزيد أو تنقص، إلا أنها لن تتجاوز هذا الحد، لكنه ختم بالقول والله أعلم.
عندما تستمع إلى بنكيران خلال ثلاث ساعات تخرج بانطباع أن التحول الديمقراطي مازال بعيدا في بلادنا، وأن الربيع العربي لم يترك بصمات ظاهرة على وجه السياسة والقرار في المغرب، وأن الاستقرار الموجود الآن نعمة لكنها غير محصنة ضد الزوال، مادام المغربي يسكن بيتا ديمقراطيا غير محفظ، ويحتاج كل يوم إلى التفاوض حول دخوله.