الحزب الأول في المغرب

الحزب الأول في المغرب

المغرب اليوم -

الحزب الأول في المغرب

بقلم : توفيق بو عشرين

الفساد والرشوة ربحا نقطتين في بلادنا سنة 2016، عما كانا عليه في 2015، وانتقل المغرب من الرتبة 88 إلى المرتبة 90 على سلم الدول الـ170 التي تقيس فيها ترسبارنسي درجة الفساد. وللذين لا يعرفون طريقة حساب الرشوة على بارومتر ترسبارنسي، نقول إن المغرب، مثل أي تلميذ كسول، حصل سنة 2016 على 3/10 في المعدل السنوي، وإنه رسب في امتحان الأيادي النظيفة، وإنه ستعيد السنة مرة أخرى في الفصل نفسه.

لم نسبق في إفريقيا والعالم العربي إلا الدول الفاشلة، أو التي ترزح تحت الحرب، أو الذي تعيش عدم استقرار كلي، أما في المغرب العربي، فسبقتنا تونس، وسبقتنا الجزائر وليبيا اللتان لا تسابقان أحدا في هذا المضمار. المرتبة المخجلة التي وضعتنا فيها منظمة الشفافية الدولية لم تفاجئ إلا القليلين في دولة يعلن فيها رئيس الحكومة وبجرأة كبيرة أنه «لا يحارب الفساد، ولكن الفساد هو الذي يحاربه»، في دولة يخرج فيها خدام الدولة ببيان موقع من قبل وزيري المالية والداخلية (حصاد وبوسعيد)، يدافعان عن الريع، وعن الحق في شراء المتر المربع من أراضي الدولة بثمن 350 درهما في منطقة لا ينزل فيها الثمن عن 4000 درهم للمتر المربع، وفوق هذا يسبان رئيس الحكومة وحزبه، ويتهمانهما بالوقوف وراء تضخيم فضيحة والي الرباط، الذي اقتنى أرض الدولة في الكيلومتر التاسع بطريق زعير بثمن بخس.. دراهم معدودات، قبل أن يتعرى الطاجين كله، ونكتشف أن وزراء وولاة وقيادا وموظفين كبارا ودبلوماسيين وزعماء أحزاب وسياسيين ومثقفين ومؤرخين… أكلوا من الطبق نفسه، وحازوا أراضي الدولة «ببلاش»…

لا نطلب المستحيل من أحد، وانتظارات المواطن لم تعد ترتفع من الأرض، لكن، رجاء، أغلقوا أفواهكم، ولا تسطر الحكومة المقبلة (إن كتب للمغرب أن يحظى بحكومة هذا العام) أي سطر يتعلق بمحاربة الفساد أو الرشوة أو تخليق الحياة العامة، أو زرع النظافة في القضاء والصحة والتعليم والإدارة والأمن… رجاء، لا تكذبوا على المواطنين، ولا ترفعوا من منسوب الوهم في عقولهم. الفساد حزب قانوني في المغرب، والفساد أداة من أدوات الحكم في المملكة الشريفة، وهذه الأداة يجري صقلها كل عام، ويجري تطوير أدائها كل ستة أشهر، وتجري صيانة أدواتها كل شهر، ويجري توسيع نفوذها كل أسبوع، وهناك من يترافع دفاعا عنها كل يوم، وعليه، فلا تضحكوا على ذقون الناس، ولا توهموهم بأن في البلاد استراتيجية لمحاربة الفساد تمتد إلى 10 سنوات، وكل شيء في البلاد يمشي على إيقاع الفساد، من الانتخابات، إلى أحكام القضاء، إلى رخص البناء، إلى الصفقات العمومية، إلى حيازة أراضي الدولة، إلى إقفال أفواه الإعلام، إلى شراء الأقلام، إلى استخراج الوثائق الصغيرة والكبيرة في الإدارة… إنه سوق كبير مفتوح للكبار والصغار، وكل واحد وشطارته، وكل واحد ونصيبه، وكل واحد وشجاعته.

محاربة الفساد لا تتطلب خطة أو استراتيجية بـ1.5 مليار درهم، ولا تتطلب كثرة الخطب والتصريحات، ولا تحتاج إلى الندوات والمهرجانات. محاربة الرشوة تحتاج إلى إرادة سياسية تعي أن الفساد يقصر عمر الأنظمة، ويزرع بذور الفتنة، ويؤخر اقتصاد البلاد، وينبت الكراهية في المجتمع، ويعمق عدم الثقة في الدولة، ويخلق أمراء حرب حقيقيين مستعدين لإحراق البلاد بمن فيها إذا مست مصالحهم، أو اقترب أحد من ضيعاتهم، أو هدد بسؤالهم: «من أين لكم هذا؟».

بعد الإرادة السياسية لا تحتاج أي دولة سوى إلى قاض وصحافي لمحاصرة الفساد، وإبقاء الرشوة سلوكا شاذا وليس قاعدة في المجتمع.. القاضي الذي يسمع لصوت الضمير، لا لصوت يجيء عبر الهاتف يهدد أو يغري، فيطبق العدالة على الكبير قبل الصغير، والصحافي الذي يصل إلى مصدر المعلومات، ويمتلك جرأة النشر ومهنية التحقيق. الباقي يأتي مع الزمن ومع التعليم ومع العبرة، ومع تحديث الإدارة وتحديث عقول الناس.

تحكي الأسطورة الصينية أن السور العظيم الذي بناه الأجداد قبل 2000 سنة، ليقيهم هجمات المغول، لم يقم دائما بوظائفه، رغم طوله الذي يبلغ 2400 كلم، وذلك لأن الأعداء، الذين فشلوا في القفز عليه نظرا إلى علوه وحصانة بنائه، لجؤوا إلى ثغرة لم يكن قد تم إقفالها بعد في الصين.. لجؤوا إلى رشوة الحراس الذين يقفون على أبواب السور، ففتحوا الأبواب للغرباء والأعداء، فأصبح الدرس هو: قبل أن تبني السور العظيم على الأرض، عليك أن تبني الأخلاق في نفوس الجند.

المصدر : صحيفة اليوم 24

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الحزب الأول في المغرب الحزب الأول في المغرب



GMT 06:02 2018 الأحد ,25 شباط / فبراير

حان وقت الطلاق

GMT 07:26 2018 الجمعة ,23 شباط / فبراير

سلطة المال ومال السلطة

GMT 06:39 2018 الخميس ,22 شباط / فبراير

لا يصلح العطار ما أفسده الزمن

GMT 05:46 2018 الأربعاء ,21 شباط / فبراير

الطنز الدبلوماسي

GMT 05:24 2018 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

القرصان ينتقد الربان..

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 17:14 2018 الأحد ,21 كانون الثاني / يناير

اتحاد كرة القدم يكشف رغبة ريال مدريد في ضم محمد صلاح

GMT 04:38 2017 الأربعاء ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

فساتين سهرة للمحجبات من أحدث صيحات موضة الشتاء
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya