الحكومة فين والشعب فين

الحكومة فين والشعب فين

المغرب اليوم -

الحكومة فين والشعب فين

بقلم - توفيق بو عشرين

الشعب في واد والنخب السياسية في واد آخر تماما.. كانت هذه إحدى الجمل القاسية التي وردت في خطاب الملك في عيد العرش الأخير، والواقع أن هذه الجملة كانت لطيفة جدا بالنظر إلى الواقع اليوم، حيث تعيش الحكومة وأغلبيتها في كوكب، ويعيش المواطن المقهور في كوكب آخر، لا تربطه بنخبته إلا شبكة الأنترنت التي يستعملها الجميع.. إليكم الدليل.

البيت الحكومي منشغل اليوم بثلاث قضايا «مهمة» ومصيرية؛ الأولى هي غضب حزب التجمع الوطني للأحرار من تصريحات عبد الإله بنكيران، الذي لم تعد له أي صفة رسمية في الحزب، سوى بطاقة العضوية، ولهذا قرر الوزراء الزرق مقاطعة أشغال المجلس الحكومي يوم الخميس الماضي، لأن بنكيران يسأل عن «شوافة أخنوش» التي أخبرته بأنه سينتصر في انتخابات 2021. ولأن الأحرار حزب عتيد، فإنه لا يسمح لأحد بالاقتراب من ثروة أخنوش، ولا من تجارته. ورغم أن المجلس الحكومي مؤسسة دستورية، وليست خلية حزبية لتصفية حسابات الأغلبية، فإن الأحرار أوقفوا البيضة في طاس العثماني، وعاقبوه لأنه جلس صامتا في مؤتمر الشبيبة، ولم يوقف بنكيران عندما كان يقطر الشمع على حلفائه.

المشكلة الثانية في بيت الحكومة، الذي يشبه بيت العنكبوت، أن المناضل الكبير إدريس لشكر هو أيضا غاضب من بنكيران، لأنه شبهه بمصارعي السومو اليابانيين، وقال عنه إنه بلطجي يبتز الحكومة في موضوع تقاعد البرلمانيين، لذلك، دعا لشكر إلى اجتماع طارئ للأغلبية، وطالب العثماني بأن يتعهد للحلفاء بإغلاق فم بنكيران من هنا إلى 2021، وإلا «ما يعجبو حال»، وعندما ذكره العثماني بما يكتب منذ 11 شهرا في جريدة الاتحاد من «حشيان الهضرة» في حق البيجيدي، قال له لشكر: «هذا شيء، وكلام بنكيران شيء آخر» (وفي هذه عندو الحق).

الأزمة الثالثة التي تشغل حكومة أبريل هي «البولميك» الذي نشب بين وزير الشباب والرياضة والناطق الرسمي باسم الحكومة، فالطالبي العلمي انتهى من كل مشاكل القطاع، وأصبح منظرا في علم التربية، فاتخذ قرار عدم إيقاظ الأطفال لصلاة الفجر في مخيمات وزارته في الصيف المقبل، كما منع السيد الوزير جلوس الأطفال يوم الجمعة تحت الشمس للاستماع إلى خطبة الجمعة، في غمز ولمز لا يخفى على أحد لمخيمات حركة التوحيد والإصلاح، التي تستفيد من برامج التخييم التي تشرف عليها وزارة الشباب وقلة الرياضة. الخلفي رد على سؤال طرح عليه عقب انتهاء أشغال المجلس الحكومي، وقال: “ما دخل الصلاة في السياسة وعمل الأحزاب؟”، فغضب العلمي، واتهم زميله الخلفي باستغلال منبر الناطق الرسمي باسم الحكومة لتصفية الحساب معه، وأضاف سوء الفهم هذا إلى قائمة تصريحات بنكيران ضد الأحرار. الخلفي لم ينتظر، وقال إن جوابه كان للصحافي وليس للوزير. هذا هو الجو الساخن الذي يجري في حكومة باردة وضعيفة ومفككة، تركت المشاكل الكبرى وغرقت في «بولميك سياسي» فارغ، لا يقوم به إلا من بقي بلا شغل. لنطل الآن على المشاكل الحقيقية للبلد، وهي ثلاث، على الأقل، لا تهتم بها الحكومة لفظا ولا فعلا.

الأزمة الأولى هي «القنبلة» التي رماها المندوب السامي للتخطيط في وجه الحكومة، والتي تقول إن المعدل العام للبطالة ازداد سنة 2017 مقارنة بسنة 2016 حيث قفز من 9,9% إلى 10,2%، وإن معدل البطالة في صفوف الشباب أقل من 25 سنة وصل إلى 26,5٪،‏ ويرتفع هذا الرقم أكثر إذا حصرنا البطالة في صفوف الشباب الحضري ليصل إلى أكثر من 30%. تصوروا ثلث الشباب في المدن أقل من 25 سنة لا هو في المدرسة، ولا هو في التكوين المهني، ولا هو في المقاولة، ولا حتى في القطاع غير المهيكل، ماذا يأكل؟ ماذا يشرب؟ وماذا يلبس؟ وكيف يفكر الآن في المستقبل؟

في سنة 2017 لم يخلق القطاعان العام والخاص مجتمعين سوى 86000 منصب شغل (32000 في الوسط الحضري و54000 في الوسط القروي)، في حين يدخل إلى سوق العمل كل سنة أكثر من 160 ألف طالب شغل، لذلك، يجلس اليوم في قاعة البطالة الكبيرة أكثر من مليون و 216 ألف «شومور» بدوام كامل، دون احتساب أصحاب الشغل الناقص وغير المنتظم.

المشكلة الثانية التي تشغل المغاربة هذه الأيام، والحكومة لا تعلم أو لا تهتم بها، هي موجة الرعب التي اجتاحت الشارع بعد إقدام السلطات في بعض المدن على اعتقال مواطنين في ذمتهم غرامات للدولة على مخالفات للسير بعضها لا يتجاوز 200 درهم، ذلك أن النيابة العامة، ودون سابق إنذار، بدأت تطبق مسطرة الإكراه البدني في حق المواطنين «وكأن إكراه العيش في وسط الأزمات غير كافٍ»، وذلك دون احترام الإجراءات القانونية التي تبدأ بالتبليغ أولا، ويتبعها الحجز على ممتلكات الملزم بالأداء ثانيا، ويلحق بها حكم حائز قوة الشيء المقضي به ثالثا، وصولا إلى تطبيق مسطرة الإكراه البدني بعد الانتهاء من كل هذا المسار، لذلك، شعر الوكيل العام للملك، المسؤول عن النيابة العامة، محمد عبد النبوي، بخطورة الأمر، وحرر مذكرة توجيهية لوكلاء الملك، يحذرهم فيها من مغبة تجاوز القانون، وإلزامية احترام المساطر، وذلك بعدما دب الرعب في قلوب المواطنين الذين لا تعرف أغلبيتهم الساحقة نوع الغرامات التي في ذمتهم ولا تفاصيلها ولا أين يؤدونها، لأن أحدا لم يخبرهم قبل وقوف الشرطة عند رؤوسهم.

الأزمة الثالثة التي يعانيها مواطنو الجبال وجل سكان القرى، وحتى بعض المدن، مصدرها الثلوج التي تحاصر البشر، والبرد الذي يفتك بالناس، في موجة صقيع لم يعرفها المغرب منذ نصف قرن. الناس بدؤوا يرسلون نداءات استغاثة عاجلة وسط بيوت الطين وبراريك القصب عبر الفايسبوك وفيديوهات اليوتيوب، والدراسة تعطلت في عدد كبير من المدارس التي لا تتوفر على أي بنية للتدفئة، والطرق انقطعت، وبدأ الناس يرفعون أكفهم إلى الله، أما الحكومة فهي عاجزة عن القيام بما يلزم، ولا تتوفر على الإمكانات ولا الخبرة ولا للوجستيك لإنقاذ البشر، ولا أعرف لماذا لم تعلن حالة استنفار عام، وطلب مساعدة الدول الصديقة في أوروبا لمواجهة موجة البرد والثلوج… هل رأيتم الآن أن الحكومة في واد والشعب في واد آخر.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الحكومة فين والشعب فين الحكومة فين والشعب فين



GMT 06:02 2018 الأحد ,25 شباط / فبراير

حان وقت الطلاق

GMT 07:26 2018 الجمعة ,23 شباط / فبراير

سلطة المال ومال السلطة

GMT 06:39 2018 الخميس ,22 شباط / فبراير

لا يصلح العطار ما أفسده الزمن

GMT 05:46 2018 الأربعاء ,21 شباط / فبراير

الطنز الدبلوماسي

GMT 05:24 2018 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

القرصان ينتقد الربان..

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 15:03 2014 الخميس ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

فوائد الجوز " عين الجمل " لا يعلمها إلا القليلون

GMT 12:28 2018 الجمعة ,26 تشرين الأول / أكتوبر

الفرسان يتطلعون للفوز بثاني جولات بطولة "هذاب"

GMT 06:07 2017 الإثنين ,18 كانون الأول / ديسمبر

سيت الأفضل لقضاء شهر عسل لتميزها بالمناظر الجذابة

GMT 03:45 2017 الإثنين ,11 كانون الأول / ديسمبر

مديرة الأزياء جين ماكفارلاند تستعرض مجموعة كافالي

GMT 06:22 2017 الأربعاء ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

إسرائيل تصنف المغرب أبرز مُصدّري اليهود منذ استقلال المملكة

GMT 00:00 2014 الجمعة ,12 كانون الأول / ديسمبر

" أوراق بوكافر السرية " جديد الكاتب ميمون أم العيد

GMT 23:10 2017 الثلاثاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

رشيد غفلاوي سعيد بانضمامه إلى فريق الساحل النيجيري

GMT 23:08 2017 السبت ,14 تشرين الأول / أكتوبر

المهاجم فيصل عجب يثبت جدارته مع نادي التضامن

GMT 17:14 2016 الجمعة ,01 إبريل / نيسان

سر إغماض العيون أثناء تبادل القبل على الشفاه

GMT 10:51 2017 الإثنين ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

الفنان أمير كرارة يفاجئ المعجبين بإطلالة مختلفة تمامًا

GMT 17:38 2015 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

عبدالفتاح الجريني يحضر لديو غنائي مع العالمي مساري

GMT 03:16 2015 الجمعة ,22 أيار / مايو

شاطئ مرتيل يلفظ أحد ضحايا موسم الاصطياف

GMT 08:17 2017 الأربعاء ,30 آب / أغسطس

إخلاء السفارة الكندية في برلين
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya