ترامب صعد على موجة الغضب

ترامب صعد على موجة الغضب

المغرب اليوم -

ترامب صعد على موجة الغضب

بقلم : توفيق بو عشرين

قال الأديب البرتغالي الحاصل على نوبل للآداب، جوزيه ساراماغو (1920/ 2010)، عن الشعب الأمريكي: «إنه شعب كبير يميل غالبا إلى انتخاب رؤساء صغار». هذا التعليق الصغير يختصر آلاف الصفحات من التحليلات والتعليقات والآراء حول صدمة انتخاب دونالد ترامب، أول أمس الثلاثاء، رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية.
ركب ترامب موجة السخط الشعبي، والتقط، بحس تاجر العقارات، فرصة لاحت أمامه ولم يرها الكثيرون منذ مدة. الناخبون في الولايات المتحدة يبدون امتعاضهم، سنة بعد أخرى، من المؤسسة السياسية التي لا تهتم بهم، ونخبة واشنطن المتعالية على مشاكلهم، ومن عولمة الاقتصاد التي لا تخدم إلا الأقوياء، ورفاهية الشركات التي تتحرر من كل القيود، وسطوة السوق التي حولت الإنسان إلى مستهلك، والمجتمع إلى «سوبر ماركت»، وتراجع دخل الفئات الوسطى… التقط ترامب هذا الكم الكبير من الغضب، وصاغه في رسالة بسيطة تقول: «أنا أستطيع التغيير. أنا أستطيع أن أقلب الطاولة على كل شيء في أمريكا، على المؤسسات، وعلى الاقتصاد، وعلى الخطاب، وعلى التواصل، وعلى كل القواعد والتقاليد، حتى الأخلاقية منها. هيا أيها الرجل الأبيض، أنا فرصتك لتنتقم. أعطني صوتك، والباقي أنا سأتكفل به».
في آخر استطلاع للرأي قامت به وكالة رويترز قال ستة من بين كل عشرة أمريكيين إنهم يشعرون بأن البلاد تسير في الاتجاه الخاطئ، وقال 58٪‏ إنهم «لا يستطيعون، على نحو متزايد، التعرف على الصورة التي أصبحت عليها أمريكا»، وقال 75 ٪‏ إن «أمريكا تحتاج إلى زعيم قوي لاسترداد البلاد من الأثرياء.
نجح دونالد ترامب، رغم عيوبه الكثيرة، في إغراء الناخبين الساخطين، واستقطاب الأصوات التي تريد معاقبة نخبة المؤسسة السياسية التقليدية، وبهذا صار ترامب خيار الناخب الأبيض الغاضب الذي يعيش في الريف، والذي لا يحب المهاجرين، ويخشى تأثيرهم على التركيبة السكانية والثقافية والعرقية في بلاد العم سام.
دونالد ترامب هزم ثلاثة خصوم في ليلة واحدة: هزم هيلاري كلينتون ووراءها الحزب الديمقراطي، وهزم أقطاب الحزب الجمهوري الذين شكوا في قدرته على قيادة البلاد، وهزم آلة الإعلام التقليدي التي شنت حربا شعواء عليه من أجل «شيطنته» لدى الرأي العام، وتكبير أخطائه، وإعطاء الانطباع بأن خسارته محققة، لكن الملياردير الشعبوي تصدى لكل هذا بثلاثة أسلحة أنقذت رأسه، وهي: تحويل المعركة من البرنامج إلى الشخص (نحن في مواجهتهم)، واستعمال وسائل التواصل الحديثة (تويتر والفايسبوك)، والتركيز على عيوب كلينتون، وفضيحة رسائلها الإلكترونية، والأموال التي جمعتها لمؤسستها في مناخ أمريكي أصبح حساسا من تضارب المصالح في سلوك السياسيين.
ترامب، كأي سياسي شعبوي، يعزف جيدا على وتر المشاكل التي يعانيها المواطنون، لكنه عندما ينتقل من تشخيص الداء إلى وصف الدواء يرتكب كارثة. خذ، مثلا، موضوع البطالة، حيث وعد الناخبين بتوفير مناصب شغل كبيرة، لكن كيف؟ الجواب بسيط ومباشر، ويغري الناخب غير المتعلم. يقترح ترامب استرداد الصناعات التي رحلت إلى خارج البلاد، ومعاقبة كل شركة أمريكية تنقل نشاطها الصناعي إلى الصين أو الهند، لأنها تضيع على الأمريكي فرصة عمل… هذا أمر مستحيل أن يتحقق في بلاد بنيت على شعار: «دعه يعمل دعه يمر».. بلاد يعتمد اقتصادها على المنافسة في الداخل والخارج، وعلى تقليل كلفة الإنتاج، ففي الوقت الذي يدعو العقلاء إلى خلق مناصب شغل جديدة في اقتصاد جديد يعتمد الابتكار والتجديد، وخلق فرص عمل جديدة غير تلك التي تعتمد على السواعد، يعمد الشعبوي إلى إعطاء حلول سهلة لمشاكل معقدة.
لقد سبق لدونالد ترامب أن أدلى بتصريحات مثيرة وغريبة تصب كلها في هذا المنحى الشعبوي، فمثلا، اقترح أساليب جديدة للتعامل مع تنظيم الدولة الإسلامية، منها قتل عائلات الجهاديين! واستخدام تقنيات تعذيب قاسية كالإيهام بالغرق. وقال ترامب، الذي سبق أن شارك في برنامج لتلفزيون الواقع ولم يعرف عنه اهتمامه بالسياسة قط، إنه كان يجب على الولايات المتحدة سرقة النفط العراقي كثمن لحربها التي استمرت تسع سنوات في هذا البلد، بعد الإطاحة بصدام حسين عام 2003! هذا هو الرئيس الذي سيدخل في مطلع السنة المقبلة إلى أقوى غرفة قرار في العالم.. البيت الأبيض.
نعم، أمريكا بلد مؤسسات، والرئيس لا يحكم وحده، والحملة الانتخابية ليست غرفة اتخاذ القرارات، وإنما مكبر صوت للدعاية، لكن، مع ذلك، للرئيس تأثير مهم على توجهات الإدارة، خصوصا إذا كان مدعوما بأغلبية مريحة في الكونغرس. الثلاثاء الكبير صار صغيرا، والخوف لا يصنع الأمل، والشعبوية تقود إلى كوارث، رأينا بعضها، وسنرى أسوأها في المقبل من الأيام.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ترامب صعد على موجة الغضب ترامب صعد على موجة الغضب



GMT 06:02 2018 الأحد ,25 شباط / فبراير

حان وقت الطلاق

GMT 07:26 2018 الجمعة ,23 شباط / فبراير

سلطة المال ومال السلطة

GMT 06:39 2018 الخميس ,22 شباط / فبراير

لا يصلح العطار ما أفسده الزمن

GMT 05:46 2018 الأربعاء ,21 شباط / فبراير

الطنز الدبلوماسي

GMT 05:24 2018 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

القرصان ينتقد الربان..

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 05:15 2018 الأربعاء ,25 تموز / يوليو

واتساب يضيف ميزة نالت إعجاب مستخدميه

GMT 02:06 2018 الخميس ,12 تموز / يوليو

سعر ومواصفات "كيا سبورتاج 2019" في السعودية

GMT 23:49 2018 الثلاثاء ,03 تموز / يوليو

وفاة أب وإبنته غرقا في نهر ضواحي جرسيف‎
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya