وماذا إذا نزل بنكيران إلى المعارضة

وماذا إذا نزل بنكيران إلى المعارضة؟

المغرب اليوم -

وماذا إذا نزل بنكيران إلى المعارضة

بقلم : توفيق بو عشرين

هذا احتمال لا يجب استبعاده من فوق الطاولة، فلا يوجد حزب يحترم نفسه وناخبيه وبرنامجه يسعى إلى الحكومة بدون قيد أو شرط. صحيح أن حزب المصباح حصل على المرتبة الأولى في انتخابات أكتوبر، وصحيح أيضا أنه حصل على تفويض من قبل مليوني ناخب لقيادة الحكومة، وصحيح، ثالثا، أن الملك كلّف بنكيران بتشكيل الحكومة احتراما لمنطوق الفصل 47، لكن، لا يجب تغطية الشمس بالغربال: هناك إرادة سياسية لإضعاف الحكومة المقبلة في الحد الأدنى، وإفشال مهمة بنكيران في الحد الأقصى، وإليكم المؤشرات التي تعرفونها.

اجتماع الثامن من أكتوبر، الذي ضم البام والاتحاد والاستقلال والأحرار والحركة.. هذا الاجتماع الذي أفشله هو انسحاب شباط، والهدف منه كان هو قطع الطريق على بنكيران حتى قبل تعيينه يوم 10 أكتوبر… بعد حكاية «الانقلاب الناعم على نتائج الاقتراع»، جاء تغيير قيادة حزب الأحرار، وطُلب من عزيز أخنوش أن يتسلم قيادة الحمامة، وأن يركب الحصان ويضع السنبلة والوردة في جيبه، ويتجه إلى فرض شروط تعجيزية على بنكيران لدخول الحكومة. كان الشرط الأول هو إبعاد حميد شباط حتى قبل زلة موريتانيا، ثم لما قبل بنكيران بإنزال الميزان من العربة الحكومية، طلبوا منه قبول الحركة الشعبية التي حولها العنصر إلى «بياسة» في آلة البلوكاج، فلما قبل بنكيران بالعنصر في الحكومة، أخرجوا له شرطين جديدين: إدخال الاتحادين الدستوري والاشتراكي إلى الحكومة، بدعوى البحث عن أغلبية مريحة، فلما قبل ضمنا بحصان ساجد، قالوا له إن هذا لا يكفي.. المطلوب إدخال «المحنك» أيضا، فهو شريك في الطبخة، ولا يعقل أن يبقى في صقيع المعارضة. ولما طلبوا من بنكيران افتتاح البرلمان حتى قبل تشكيل الأغلبية، قال: «نعم أسيدي»، ولما أخرجوا له المالكي مرشحا لرئاسة البرلمان، قال رئيس الحكومة «ماكاين باس»، لكن بشرط أن يأخذ رئاسة الغرفة الأولى ويترك أمر الحكومة الآن على الأقل، وأن تعلن الوردة المساندة النقدية للحكومة دون المشاركة فيها. حتى هذا الحل «الوسط» رُفض، وقالوا لبنكيران: «لا، لشكر وخنافرك في الأرض»، انتقلنا من السياسة إلى الكرامة…

المرجح أن لا أحد يعرف قائمة الشروط المتبقية، وظني أنها لن تتوقف عند إشراك لشكر في الحكومة جزاء له على الالتفاف على المنهجية الديمقراطية، فحتى لو قبل بنكيران بالاتحاد ضمن فريقه، فإنه سيصطدم بشهية مفتوحة لأخنوش للاستيلاء على الوزارات المهمة، المالية والتجهيز والنقل والفلاحة والتجارة والصناعة، بدعوى احتكار القطب المالي، وعندها سنصبح في «النسخة الجديدة من البلوكاج»، ودائما بأدوات ناعمة يبدو فيها الانقلاب على نتائج الاقتراع وكأنه مجرد مشاكل عادية تعترض جميع الحكومات الائتلافية، لكن الحقيقة أن بنكيران أصبح شخصا غير مرغوب فيه، «persona non grata». هذه العبارة اللاتينية تعني أن الشخص المعني غير مرحب به ومطلوب مغادرته، وهي عبارة يستعملها الدبلوماسيون، ولها مفهوم قانوني محدد.

كيف وصلنا إلى هذا الوضع؟ هذه قصة فيها المعلوم والمكتوم، لكن ملخصها أن قوة بنكيران في الشارع هي نفسها قوة ضعفه وسط النظام، وقوة تنظيمه هي العائق وراء إدماجه.

الآن، ما العمل؟ هل يقبل بنكيران بلعب دور «الكومبارس»، وقيادة حكومة بدون سلطة في انتظار أن يلفظه الشارع، أم يوقف هذا المسلسل الهزلي، ويعلن فشل محاولته لتشكيل حكومة الإصلاحات الكبرى، وينزل إلى المعارضة ليلعب دوره الطبيعي، ويستأنف من موقع آخر مشروع الإصلاح في ظل الاستقرار؟

هذه الفكرة ليست جديدة، لقد بدأت تروج وسط قادة الحزب الإسلامي، لكنها تجابه بمبررين؛ الأول شخصي، حيث هناك من وزراء العدالة والتنمية من استحلى حرارة الكرسي وامتيازاته، ويحاول أن يلبس هذا الطموح الشخصي جبة تحليل سياسي متهافت يقول باستكمال الأوراش المفتوحة (المبررات نفسها التي ساقها الاتحاد الاشتراكي عندما شارك في حكومة إدريس جطو، وكانت هذه المشاركة هي رصاصة الرحمة للحزب الذي مات، والآن يجهزه لشكر للدفن)، وهناك مبرر آخر يسوقه الرافضون لفكرة نزول المصباح إلى المعارضة، يقول بخطورة السقوط في القطيعة مع القصر مرة أخرى، فإذا كان الحزب يعاني سوء فهم مع الملكية وهو في الحكومة، فكيف سيكون الأمر إذا نزل إلى المعارضة وهو بهذه القوة والتجربة؟ المبرر الأول والثاني، رغم ما بينهما من اختلاف، يلتقيان في «موقف أناني» لا يهتم إلا بمصلحة الأشخاص في المبرر الأول، ومصلحة الحزب في المبرر الثاني، أما المصلحة الوطنية ومعركة الديمقراطية فغائبتان لدى الاثنين. المصلحة اليوم تقتضي نزول بنكيران وحزبه إلى المعارضة، من جهة، لمواجهة «الموجة السلطوية الآتية»، ومن جهة أخرى، لتأطير الحركات الاحتجاجية في الشارع، وعقلنتها، وجعل مخرجاتها تمر عبر الأطر المؤسساتية للدولة، وليس عبر الشارع، الذي يمكن أن يقود إلى تهديد الاستقرار وزعزعة السلم الاجتماعي «la paix sociale». النزول إلى المعارضة، التي لا يوجد أحد يقوم بها اليوم، سيقوي جبهة الدفاع عن الدستور والإصلاحات العميقة، وسيقوي الحزب أكثر. وهذا التحول في الموقع لا يتناقض مع الرؤية الإصلاحية لحزب محافظ غير ثوري.. حزب اختار الاشتغال داخل المؤسسات وليس خارجها، حتى عندما كانت هذه المؤسسات تلفظه وتقصيه.

ستغضب السلطة من بنكيران وحزبه، لكنها ستعرف، بعد سنتين أو ثلاث، أنه كان على حق، وأن المشاركة في الحكومة بأي ثمن معناه غرق الجميع في بحر بلا قرار، وعندها لن ينفع بنكيران نفسه ولا غيره. فعلى الأقل إذا اندفع الطرف الآخر إلى مغامرة الانقلاب على «نتائج الاقتراع»، فليبق العاقل على الشط، فقد يكون مفيدا في خطة الإنقاذ.. والله أعلم.

المصدر : صحيفة اليوم 24

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

وماذا إذا نزل بنكيران إلى المعارضة وماذا إذا نزل بنكيران إلى المعارضة



GMT 06:02 2018 الأحد ,25 شباط / فبراير

حان وقت الطلاق

GMT 07:26 2018 الجمعة ,23 شباط / فبراير

سلطة المال ومال السلطة

GMT 06:39 2018 الخميس ,22 شباط / فبراير

لا يصلح العطار ما أفسده الزمن

GMT 05:46 2018 الأربعاء ,21 شباط / فبراير

الطنز الدبلوماسي

GMT 05:24 2018 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

القرصان ينتقد الربان..

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 17:14 2018 الأحد ,21 كانون الثاني / يناير

اتحاد كرة القدم يكشف رغبة ريال مدريد في ضم محمد صلاح

GMT 04:38 2017 الأربعاء ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

فساتين سهرة للمحجبات من أحدث صيحات موضة الشتاء
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya