انتهى الأمل

انتهى الأمل

المغرب اليوم -

انتهى الأمل

بقلم : توفيق بو عشرين

أغلبية الثامن من أكتوبر رأت النور، فيما أغلبية السابع من أكتوبر مازالت في علم الغيب، هذا ما توحي به أولى الصور التي التقطت للحبيب المالكي من على منصة مجلس النواب، حيث فاز بأصوات البام والحمام والسنبلة وأصوات عرشان وحزب المعطي بوعبيد، فيما فضل الاستقلال، ولأول مرة في التاريخ، الانسحاب من جلسة الزُّور هذه حتى لا يكون شاهدا عليها، أما بنكيران فرفع الراية البيضاء وامتنع عن الترشيح والتصويت، متوهما أن ذلك سيفتح طريقا للخروج من البلوكاج الذي عمر 100 يوم.

سبحان مبدل الأحوال، كان الاتحاد الاشتراكي في الماضي يفوز في الانتخابات ويجد نفسه خاسرا عند إعلان النتائج، اليوم، بقدرة قادر، صار يخسر الانتخابات عن جدارة واستحقاق، فيجد نفسه فائزا عند إعلان النتائج. هذه الصورة تلخص آلاف الكلمات، فلا داعي لتعذيب الضمير الاتحادي، أو ما بقي منه، باسترجاع ذكريات الزمن النضالي المحترم، من مات مات، ومن بقي على قيد الحياة سيموت.

مرة سألت وزير الداخلية السابق، إدريس البصري، وقد تحول إلى مهاجر سري بباريس بدون أوراق إقامة، عن تهمة تزوير الانتخابات التي ألصقت به، وعن التلاعب الذي كان يقوم به لصالح أحزاب الإدارة وضد أحزاب الحركة الوطنية، وفي مقدمتها حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، فقال: «هذه كلها افتراءات الإعلام الاتحادي الذي كان يكرهني»، فقلت له: «جل المغاربة يعتقدون أنك كنت تزور الانتخابات، وهم كانوا يشاهدون كل هذا بالعين المجردة، حيث كانت الصناديق تسرق، والأرقام تتغير، والمال يوزع، والقياد يقومون بشرع يديهم»، فرد قائلا: «لا، لا، كل ما في الأمر أننا كنا في وزارة الداخلية نتصرف في توزيع حصة كل حزب في الانتخابات، فمثلا، إذا أخذنا من الاتحاد مقعدا في أكادير نعطيه مقابله مقعدا آخر في أبي الجعد، هذا كل ما في الأمر، ولدواعٍ كانت تتصل بالمصلحة الوطنية، أما حصة كل حزب وتمثيليته في المجتمع، فهذه نسبة نحترمها، لأن باني المغرب الحديث، جلالة الملك الحسن الثاني، كان يعتبر التعددية الحزبية ضرورية للمغرب». رددت عليه بالقول: «لكنك بهذه الطريقة تجعل التزوير يطال الفائز والخاسر معا، الفائز لأنه أخذ مقعدا في البرلمان لا يستحقه، والخاسر لأنه فقد مقعدا في البرلمان يستحقه، فتصير العملية كلها تزويرا في تزوير»… اليوم، إدريس البصري سيكون مرتاحا في قبره وهو يرى أحد زبنائه وقد صار رئيسا لمجلس النواب بدون نواب.

ما هي دلالات صعود الحبيب المالكي إلى رئاسة مجلس لا يملك فيه سوى 20 مقعدا، وجلهم لا يعرفون للاتحاد تاريخا ولا عنوانا ولا نضالا؟

أولا: صعود الحبيب إلى منصة مجلس النواب هو الدليل على أن السياسة في المغرب لا تعترف بالرياضيات ولا بالأرقام ولا بالنسب، وأن كلمة «المخزن» تسري على الجميع، سواء الحزب الأول أو العاشر، ولهذا، لا داعي لإعطاء نتائج الاقتراع أهمية كبيرة، ولا داعي لتصنيف الأحزاب إلى كبيرة وصغيرة ومتوسطة. كل الأحزاب في ميزان السلطة سواسية، الفرق هو من هو الحزب الذي يسمع الكلام، ويقرأ اتجاه الأحداث، ويعرف المطلوب منه حتى قبل توجيه الأمر إليه، ومن هو الحزب الذي يريد أن يتمرد، وأن يصنع لنفسه مكانا خارج الدار.

ثانيا: رئاسة مجلس النواب أعطيت للحبيب كعربون في صفقة البلوكاج الحكومي، وجزء من ثمن مشاركة لشكر في إيقاف عجلة بنكيران الذي ظل، لأسابيع، يمني النفس بتشكيل حكومة مع أحزاب الكتلة، حتى استيقظ على حقيقة أن الكتلة مجرد شبح، وأن أجزاءها معروضة للبيع في محطات الغاز التابعة لأخنوش، ولهذا، مازال إدريس لشكر ينتظر الباقي استخلاصه، وهو المشاركة في الحكومة ولو بمقعد أو اثنين، المهم هو المشاركة، وإنقاذ ما بقي من الحزب الذي أجرى له لشكر عملية تغيير كلي، فأصبح مخلوقا لا يعيش بعيدا عن مياه السلطة.

ثالثا: منح رئاسة الغرفة الأولى للحبيب، بمقاعد البام والأحرار والحركة والدستوري وعرشان، معناه أن هذه هي الأغلبية الحقيقية، وأن ما يسعى إليه بنكيران ما هو إلا أغلبية ممنوحة، أي إذا رغبت السلطة أعطت، وإذا رفضت منعت، فلا داعي للتصرف بأوهام السابع من أكتوبر، وروح الدستور، ومنطق الديمقراطية. السياسة هي ميزان القوى على الأرض، والدستور مجرد كلمات، القوة على الأرض هي التي تعطيها معناها أو تجعلها رواية ركيكة، على حد قول إلياس العماري.

رابعا: هدية الدولة للاتحاد رسالة إلى شباط، الذي لم يختر جبهته جيدا، ولم يفكر مليا قبل التمرد على حكومة الثامن من أكتوبر، التي اجتمعت في بيت لشكر، وحضرها العماري ومزوار والعنصر وساجيد وشباط، وكان جدول أعمالها ثلاث نقاط؛ أولاها إعطاء رئاسة مجلس النواب للحبيب المالكي. ثانيا، إعلان عدم الاستعداد للتحالف مع البيجيدي، وذلك لعزله. وثالثا، إبعاد رئاسة الحكومة عن بنكيران. إلى الآن، أنجز هذا المخطط نقطتين من جدول العمل، الأولى هي رئاسة مجلس النواب، والثانية هي منع بنكيران من تشكيل الحكومة، فيما الثالثة على الأبواب، لكن كل شيء في وقته وزمنه.

عندما تسلم الحبيب رئاسة المجلس ظهرت على محياه ابتسامة ساخرة، ربما من كل أولئك الذين كانوا يحلمون بميلاد برلمان يشبه نتائج الاقتراع… انتهى، ليس الكلام فقط، انتهى الأمل بغد ديمقراطي أفضل.

المصدر : جريدة اليوم 24

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

انتهى الأمل انتهى الأمل



GMT 06:02 2018 الأحد ,25 شباط / فبراير

حان وقت الطلاق

GMT 07:26 2018 الجمعة ,23 شباط / فبراير

سلطة المال ومال السلطة

GMT 06:39 2018 الخميس ,22 شباط / فبراير

لا يصلح العطار ما أفسده الزمن

GMT 05:46 2018 الأربعاء ,21 شباط / فبراير

الطنز الدبلوماسي

GMT 05:24 2018 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

القرصان ينتقد الربان..

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 17:14 2018 الأحد ,21 كانون الثاني / يناير

اتحاد كرة القدم يكشف رغبة ريال مدريد في ضم محمد صلاح

GMT 04:38 2017 الأربعاء ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

فساتين سهرة للمحجبات من أحدث صيحات موضة الشتاء
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya