وحش خارج السيطرة

وحش خارج السيطرة

المغرب اليوم -

وحش خارج السيطرة

بقلم : توفيق بو عشرين

رسم الملك صورة سوداء عن الإدارة المغربية التي يعاني ظلمها وتخلفها وجهلها وفسادها، الفقير والغني، الشاب والكهل والشيخ، ودعا محمد السادس، من أعلى منصة البرلمان في افتتاح مجلس النواب الجديد، الحكومة والبرلمان والأحزاب والنقابات، إلى النهوض بهذه الإدارة، وإصلاح أعطابها، وجعلها في خدمة المواطن وليس المواطن في خدمة موظفيها. وفي لقطة مؤثرة قال الجالس على العرش: «يقال كلام كثير بخصوص لقاء المواطنين بملك البلاد، والتماس المساعدة منه في حل العديد من المشاكل والصعوبات.. أنا بطبيعة الحال أعتز بالتعامل المباشر مع أبناء شعبي، ولكن، هل كان المواطنون سيطلبون مني التدخل لو قامت الإدارة بواجبها؟». الجواب طبعا هو لا، لكن السؤال الأكثر إيلاما هو: لماذا لا يوجد أي مشروع على طاولة الدولة المغربية لإصلاح الإدارة وتحديثها، وجعلها في خدمة المواطن؟ هل صارت الإدارة عصية على الإصلاح، أم إن فسادها واختلالاتها وتخلفها وبيروقراطيتها ومركزيتها تتغذى على أعطاب نظامنا السياسي، الذي ورث الجهاز الإداري الحديث عن الاستعمار، فلم يغير روح هذا الجهاز، بل استعملته الدولة المستقلة ضد مواطنيها، مثلما كان الاستعمار يستعمل الإدارة ضد الأهالي خدمة لمصالحه.
لقد أصبح الملك، وهو أعلى سلطة في البلاد، يشتكي عدم جدوى الكلام المتكرر عن الإصلاح دون أن يجد هذا الإصلاح طريقه إلى أرض الواقع. قال محمد السادس في هذا السياق: «ما جدوى الرسالة التي وجهتها إلى الوزير الأول منذ 2002؟ وما فائدة الجهوية واللامركزية واللاتمركز إذا استمر الوضع القديم واستمرت المشاكل السابقة؟». قبل خطاب المفهوم الجديد للإدارة، كان هناك خطاب المفهوم الجديد للسلطة، الذي ألقاه الملك الشاب أسابيع بعد توليه العرش سنة 1999، لكن هذا الخطاب النقدي للسلطة صار قديما، فيما المفهوم القديم للسلطة مازال يتجدد.
لقد أعطى الملك أمثلة عن «ظلم الإدارة للمواطن»، ومن ذلك نزع الملكية لفائدة المصلحة العامة، حيث أصبحت الإدارة تستعمل هذا الحق من أجل الباطل، وتستعمل هذا المبدأ العام من أجل الوصول إلى مصالح خاصة، دون مراعاة للقانون ولا لمبادئ العدل والإنصاف والتعويض عن الضرر… كل سنة يتقدم آلاف المواطنين إلى المحكمة لمقاضاة الإدارة التي استولت على أراضيهم دون تعويض ملائم، وحتى عندما يصدر الحكم النهائي عن محاكم المملكة ترفض الإدارة أن تنفذ الأحكام، وقرار عدم تنفيذ الأحكام هذا ليس سلوكا فرديا من مسؤول هنا أو هناك، بل هو سياسة عمومية تعتمدها وزارة المالية تحت مبرر غياب الاعتمادات المالية لتنفيذ الأحكام القضائية، حيث تعمد سنويا إلى تخصيص ميزانية متواضعة جدا لتنفيذ أحكام قليلة، وترك الباقي يتراكم سنة بعد أخرى، حتى إن غرور الإدارة وصل بوزير المالية، محمد بوسعيد، أنه قدم قبل سنتين مقتضى غير قانوني في مشروع القانون المالي لسنة 2015 (المادة 8)، يمنع المواطن من الحجز على حسابات الخزينة عندما تمتنع الإدارة عن تنفيذ حكم قضائي حائز قوة الشيء المقضي به، وكان هذا البند سيمر لولا الضجة التي أقامتها الصحافة (وأولها «أخبار اليوم») حول هذه النقطة، وتحرك المحامين ورجال القانون لقول: اللهم إن هذا منكر، كيف تمتنع الإدارة عن تنفيذ حكم قضائي، وتمنع فوق هذا المواطن من استخلاص حقه عن طريق الحجز على ما لدى الغير؟
نصت المادة الثامنة من مشروع القانون المالي على أنه «في حالة ما إذا صدر حكم قضائي اكتسب قوة الشيء المقضي به يدين الدولة بأداء مبلغ معين، يتعين الأمر بصرفه داخل أجل شهرين من تاريخ تبليغ المقرر القضائي المذكور سالفا، ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن تخضع وأموال وممتلكات الدولة للحجز لهذه الغاية».
هذا المقتضى جاء في مشروع القانون المالي لسنة 2015، ولم يجد رجلا ولا امرأة في المجلس الحكومي يقول لوزير المالية إن في البلاد فصلا في الدستور رقمه 126 يقول بالحرف: «يجب على الجميع احترام الأحكام النهائية الصادرة عن القضاء»؟ كاتب هذه السطور مازال مصرا على البحث عن أصل انحراف الإدارة في السياسة وليس في القانون الإداري، في جوهر ممارسة السلطة وليس في عقليات الموظفين، ولهذا، يجب استعمال أسلحة كثيرة لإعادة السيطرة على الإدارة المغربية، وإخضاعها لإرادة الشعب ومصالحه، وأولها حل تكتل التقنوقراط الموجود في المرتكز الحساس للإدارة.. هذا المركب الذي يعرض خدماته السلطوية على الدولة مقابل أن تتركه يمر ويعمل ويربح ويتنفذ في غابة الإدارة ودهاليز القرار، مستفيدا من جهل السياسيين، وضعف الحزبيين، وتملق الوزراء لهؤلاء السادة الذين يشتغلون في الظلام خارج القانون. لا بد من تفكيك هذا المركب بتطبيق متقدم لقانون التعيين في المناصب العليا (لحد الآن وزارتا المالية والداخلية، مثلا، لا تطبقان هذا القانون في تعيين المديرين الكبار). ثانيا، لا بد من ربط المسؤولية بالمحاسبة، واعتماد قانون واضح يحدد المدة الزمنية التي يقضيها كبار التقنوقراط في مواقعهم (أربع أو خمس سنوات لا غير). ثالثا، لابد من تقليص عدد المؤسسات والمقاولات العمومية التي تتحكم في قطاعات واسعة من اقتصاد البلد. نحن البلاد الوحيدة التي تعلن أنها رأسمالية، لكنها تشتغل كدولة شيوعية تحتكر فيها الدولة قطاعات إنتاجية عدة، والواقع أن الدولة لا تحتكر شيئا، بل التقنوقراط هم من يوسعون حجم المرفق العام ليخدم المرفق الخاص. رابعا، لا بد من اعتماد وزارة قوية في الهيكلة المقبلة للحكومة يعهد إليها بإصلاح الإدارة، وتتبع تنفيذ البرنامج الحكومي، وتعطاها ولوزيرها صلاحيات حقيقية للتدخل في سير كل الإدارات، بما في ذلك الإدارة الترابية/وزارة الداخلية التي يجب فصل الجماعات الترابية عنها، وترك الداخلية تهتم بالأمن وتبتعد عن السياسة والاقتصاد وإدارة المرافق العامة… خامسا، لا بد من اعتماد الإدارة الإلكترونية، وتقليل تدخل البشر، وتحديث أساليب تسيير المرفق العمومي، وهو ما أصبح اليوم سهلا ورخيصا وذا فائدة كبيرة، لكن، قبل هذا، لا بد من إرادة قوية لإبعاد الإدارة عن الصراع على السلطة، ومصالحتها مع الشعب، وجعل القضاء سلطة فوق الجميع.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

وحش خارج السيطرة وحش خارج السيطرة



GMT 06:02 2018 الأحد ,25 شباط / فبراير

حان وقت الطلاق

GMT 07:26 2018 الجمعة ,23 شباط / فبراير

سلطة المال ومال السلطة

GMT 06:39 2018 الخميس ,22 شباط / فبراير

لا يصلح العطار ما أفسده الزمن

GMT 05:46 2018 الأربعاء ,21 شباط / فبراير

الطنز الدبلوماسي

GMT 05:24 2018 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

القرصان ينتقد الربان..

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 17:48 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

تمارين تساعدك في بناء العضلات وخسارة الوزن تعرف عليها

GMT 12:09 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

يشير هذا اليوم إلى بعض الفرص المهنية الآتية إليك

GMT 12:01 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

أعد النظر في طريقة تعاطيك مع الزملاء في العمل

GMT 17:49 2020 الإثنين ,21 كانون الأول / ديسمبر

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

GMT 19:23 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

حظك اليوم الأربعاء 2 كانون الأول / ديسمبر لبرج الدلو

GMT 19:31 2020 السبت ,25 كانون الثاني / يناير

مناقشة رواية "غيوم فرنسية" في معرض الكتاب

GMT 04:30 2019 السبت ,26 كانون الثاني / يناير

باتاكي ترتدي بكيني أحمر متوهج وتتباهى بجسدها

GMT 06:55 2018 الإثنين ,08 تشرين الأول / أكتوبر

تعرفي على كيفية معرفة الفرق بين الألماس الحقيقي والصناعي

GMT 02:40 2018 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

الأعمال الفنية الحديثة تخلو من الراقصة الممثلة الموهوبة

GMT 02:42 2017 الخميس ,07 كانون الأول / ديسمبر

استكمال جمال سليمان ومنة فضالي وياسر فرج "أفراح إبليس2"

GMT 13:55 2016 الخميس ,15 أيلول / سبتمبر

استنفار أمني في زايو بعد العثور على فتاة مقيدة

GMT 23:33 2016 الجمعة ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

الفنانة ريم مصطفى تنضم إلى فريق عمل "اللهم إني صائم"
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya