الوخز بالإبر

الوخز بالإبر

المغرب اليوم -

الوخز بالإبر

بقلم : توفيق بو عشرين

امتطى بنكيران دراجة رئاسة الحكومة، فوضع «البلوكاج» عصيا كثيرة في عجلته، وقالوا له: «تحرك، لماذا أنت عاجز عن الحركة؟». قال لهم: «هناك عصي تمنع الدراجة الهوائية من التقدم». قالوا له: «وهل العصي موجودة في المقود الذي يسوق الدراجة؟ قل إنك عاجز عن السياقة، اعترف أمام الناس ولا تختبئ خلف العصي». نزل بنكيران من الدراجة، ورمى بها إلى قارعة الطريق، وقال: «انتهى الكلام.. ما لعبش».

هذه الصورة المجازية تختصر الكثير من الكلام حول وقائع ثلاثة أشهر من «سير واجي» لتشكيل الحكومة، وتفضح اللعبة التي أعدت بعناية حتى قبل إجراء الانتخابات في حال خروج نتائج الاقتراع عن الخطاطة التي وضعتها السلطة لإنجاح الجرار الذي مني بالهزيمة قي واقعة السابع من أكتوبر.

يريد البعض أن يجعل المعركة إيديولوجية تحت عنوان أن «الأحزاب الليبرالية» تريد أن تقف في وجه المد المحافظ الذي يمثله العدالة والتنمية وحزب الاستقلال. هل أخنوش والعنصر وساجيد ولشكر أصبحوا أقطاب الليبرالية الجديدة، ومبشرين بالحداثة في نسختها المغربية؟ يحتاج الإنسان إلى جرعات كبيرة من البلادة لكي يمرر هذه الإشاعة فوق رؤوس الناس في الداخل والخارج. الرباعي المذكور خليط هجين من أحزاب السلطة، مضاف إليهم قيادة حزبية ضلت الطريق، وأصبحت لاجئة سياسية في محطات مول الغاز. الأحزاب الأربعة منيت بخيبة أمل يوم 7 أكتوبر، حيث عاقبهم الناخب، وأنزل من حصصهم في البرلمان، ولولا نمط الاقتراع، وشكل التقطيع، واستعمال المال السياسي، لما شكلوا مجتمعين فريقا برلمانيا واحدا في مجلس النواب، وهؤلاء هم أدوات السلطوية في المغرب، والذين يعرضون خدماتهم على المخزن مقابل امتيازات ومواقع وبقع أرضية في الكيلومتر التاسع وداكشي…

بعد فشل عملية الضغط على بنكيران لإدخال «المعارضة إلى الحكومة»، اتجه سحرة السياسة لاختراع حجة جديدة، وهي فتح أبواب البرلمان، وعدم تعطيل مجلس النواب، والمرور إلى انتخاب رئيس للمجلس دون الوصول إلى توافق سياسي لميلاد أغلبية. هذا له معنى واحد هو: خلق أغلبية برلمانية في مجلس النواب لا علاقة لها بالأغلبية الحكومية التي يسعى رئيس الحكومة إلى جمعها، وهذا سيؤدي، عمليا، إلى سد الباب أمام بنكيران، وسيقود طبيعيا إلى استقالته من مهمة البحث عن أغلبية لحكومته، ما سيقود إلى أزمة سياسية غير مسبوقة، سيعقبها حل مجلس النواب، والاتجاه نحو انتخابات سابقة لأوانها… إذا كان السبب الظاهر لضرورة استعجال فتح أبواب البرلمان وانتخاب رئيس مجلس النواب للنظر في مشروع قانون اتفاقية الانضمام إلى الاتحاد الإفريقي، فالأحرى هو التسريع بميلاد الحكومة الجديدة القادرة على النهوض بأعباء معركة دبلوماسية وقانونية معقدة تنتظر المغرب في المحافل الدولية الإفريقية والأممية. (أستغرب غياب النقاش القانوني والسياسي حول انضمام المغرب إلى الاتحاد الإفريقي، وطرق التعامل مع المادتين الثالثة والرابعة من ميثاق الاتحاد الإفريقي، وغياب الإشارة إلى تحفظ المغرب على بند احترام الحدود الموروثة عن الاستعمار، وبند الدفاع عن سيادة الدول الأعضاء، مع أن اتفاقية فيينا المتعلقة بالانضمام إلى المنظمات الدولية تعطي الأعضاء حق التحفظ على ما يرونه مخالفا لدساتيرهم أو لمصالحهم). لا يجب، بأي حال، أن يصبح موضوع الانضمام إلى الاتحاد الإفريقي وموضوع المصالح العليا للبلاد أداة من أدوات الصراع الداخلي بين الأحزاب. هذا موضوع «إجماع» وليس موضوع «مزايدات»، ويجب على الجميع أن يسهم، كل من موقعه، في دخول آمن إلى الاتحاد الإفريقي الذي لعبت الجزائر في ميثاقه حتى تسد باب الرجوع على المغرب.

لقد أشعل بيان «انتهى الكلام» الحرارة في الحقل الحزبي الذي كان يعيش في قطب متجمد، ولعب بنكيران دور الحكيم الصيني الذي يعالج الجسد المريض بوخز الإبر (تداوي وإن كانت تؤلم)، وها نحن نشهد تفاعلات غير مسبوقة في الحقل الحزبي الذي يعرف فرزا جديدا على قاعدة الأحزاب المستقلة والأحزاب التابعة.. الأحزاب التي تدافع عن المنهجية الديمقراطية، والأحزاب التي تساند عودة السلطوية لكي تأكل من الفتات الذي يسقط من مائدتها… على بنكيران أن يقف في مكانه، وأن يستفيد من الدعم السياسي الكبير الذي تدفق إليه بعدما رفض الخضوع وقاوم «الأخنشة» (على وزن الأخونة، كما قال المعطي منجب)، فلا وجود لليل طويل لا نهار فيه.

المصدر : جريدة اليوم 24

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الوخز بالإبر الوخز بالإبر



GMT 06:02 2018 الأحد ,25 شباط / فبراير

حان وقت الطلاق

GMT 07:26 2018 الجمعة ,23 شباط / فبراير

سلطة المال ومال السلطة

GMT 06:39 2018 الخميس ,22 شباط / فبراير

لا يصلح العطار ما أفسده الزمن

GMT 05:46 2018 الأربعاء ,21 شباط / فبراير

الطنز الدبلوماسي

GMT 05:24 2018 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

القرصان ينتقد الربان..

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 05:15 2018 الأربعاء ,25 تموز / يوليو

واتساب يضيف ميزة نالت إعجاب مستخدميه

GMT 02:06 2018 الخميس ,12 تموز / يوليو

سعر ومواصفات "كيا سبورتاج 2019" في السعودية

GMT 23:49 2018 الثلاثاء ,03 تموز / يوليو

وفاة أب وإبنته غرقا في نهر ضواحي جرسيف‎

GMT 23:59 2018 الأربعاء ,27 حزيران / يونيو

معلول يؤكد أهمية فوز المنتخب التونسي على بنما
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya