عظم الله أجركم…

عظم الله أجركم…

المغرب اليوم -

عظم الله أجركم…

بقلم - توفيق بو عشرين

للباحث الفرنسي الراحل كلود بلزولي كتاب قيم، رصد فيه، قبل 46 سنة، حكاية الموت البطيء للأحزاب السياسية المغربية المنحدرة من الحركة الوطنية، من خلال رصد مسلسلات انشقاقاتها وانقساماتها، والتي لم تنفع معها «كتلة وطنية» ولا «كتلة ديمقراطية»، وأحيانا القدير حتى أصبحنا ليس فقط أمام الموت البطيء للأحزاب النازلة من شجرة الوطنية، بل صرنا أمام الموت السريع للأحزاب الجديدة، إسلامية وإدارية وسلطوية، لترك الحقل السياسي فارغا إلا من جماعة العدل والإحسان، وشباب الشارع الذي يخرج وقتما أراد وكيفما أراد دون سابق إشعار، كما حصل في الربيع المغربي قبل ست سنوات وكما حدث أخيرا في الريف وزاكورة، وغيرها من بؤر التوتر الاجتماعي.
تيار الاستوزار في حزب العدالة والتنمية استيقظ مسرورا يوم الاثنين بانتصاره على بنكيران وصحبه، وذهب العثماني إلى القصر الملكي بالدار البيضاء مزهوا «بقتل الزعيم»، ولو بنسبة 1,8% التي فاز بها على غريمه الأزمي، بعدما هدد الطبيب النفسي أعضاء حزبه بالاستقالة من الحكومة إذا لم يعطه المناضلون أصواتهم. العثماني يشبه لاعب كرة قدم يسجل ضد مرماه، وعوض أن يتأسف على النيران الصديقة هذه، راح يلوح بشارة النصر، دون أن ينتبه إلى أن فريقه هو الخاسر، وأن تسجيل الأهداف كان يجب أن يكون في مرمى الخصم لا في مرمى الصديق.
الاتحاد الاشتراكي لم يعد أحد يتحدث عنه، لا بالخير ولا بالشر، لأنه ببساطة خرج من المعادلة، وأصبح مجرد «طفيلي» في موائد الأعراس الانتخابية، يحضر دون دعوة وينصرف دون سلام. حزب الاستقلال عاد إلى ثلاجة «التيار التقليدي» في الحزب ومع بركة وولد الرشيد. لن يعود لحزب الاستقلال مجده القديم، ولن يجد مجدا جديدا، سيكون مثل العجين في يد الخباز سيصنع به ما يشاء في خريطة سياسية وحزبية تنزل من الأعلى، وتطلب من الجميع أن يتأقلم معها جبرا أو اختيارا. البام الذي كان «فلتة» العهد الجديد، مات قبل أن يبلغ العاشرة من عمره، أصابه بنكيران في مقتل بعدما ألصق به وصف التحكم، وأصابه أصحابه باللعنة عندما سلموا مفاتيحه إلى الأخ «جبلووون»، فأخرجوه من الحقل السياسي إلى حقل الفكاهة والتندر، أما التقدم والاشتراكية فإنه سيضع كل ما ربحه مع بنكيران من مكاسب في شباك الزلزال السياسي الذي عصف بأمينه العام، وحوله من زعيم سياسي إلى مشتبه فيه بالتقصير في إنزال منارة المتوسط من السماء إلى الأرض، كما لو كان موظفا في السلك الإداري. أما أحرار أخنوش وحركة العنصر ودستوري ساجد فإنها أصفار على الشمال، أفضل ما يمكن أن تقوم به أن تكون عجلات احتياط لعربة معطلة، أما أن تقود هذه الأحزاب المشهد السياسي وهي غائبة عن القاعدة الاجتماعية فهذا ضرب من الخيال، وادعاء لا يقول به حتى أصحاب هذه الدكاكين السياسية لأنهم غرقى، ولا يتشبث غريق بغريق.
ماذا بقي من قوى سياسية يمكن أن تلعب دور الزعامة والتأطير والوساطة والاقتراح، وامتصاص ارتدادات الاصطدام بشارع فقير وغاضب ويائس، يمكن أن يميل مع أي صوت يبشره بالخبز والحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، في بلاد توزع الندرة ولا توزع الوفرة في كل شيء.
اليوم حق لجماعة العدل والإحسان أن تدق الدفوف، وأن تنشد الأناشيد، لأن الأطروحة التي رفعها عبد الإله بنكيران وحزبه تذوب تحت أشعة فصل الخريف. إنها نهاية أطروحة «التغيير من الداخل، والإصلاح عن طريق التوافق، ومصالحة الناس مع السياسة تحت سقف الاستقرار»، وهلم شعارات صاغها بنكيران وباها تحت تأثير أحلام البدايات، والآن تحولت إلى عبء على كاهل الطبيب النفسي الذي تخلص من كل أنصار بنكيران في الأمانة العامة وكأنه صعد بـ99%، ويريد أن يهدي الحزب على طبق من ذهب إلى السلطة التي ضاقت ذرعا بشعبية المصباح وكاريزمية بنكيران، فجاءت بالعثماني «سانديك سياسي» ليصفي هذه التركة، ويدخل الحزب إلى بيت الحكومة الضيق، وإذا بقي منه شيء خارج هذا الصندوق، فأرض الله واسعة.
المرشح الأوفر حظا لاستغلال هذا الفراغ السياسي الحاصل اليوم، بعد انتهاء فصل تجريف الأحزاب السياسية وقطع أشجارها… تياران؛ الإسلام السياسي والغضب الشعبي، والذي يقول خلاف ذلك فإما أنه يسقط رغباته على الواقع، وإما أنه يبيع الوهم لمن يريد أن يصدقه.
كانت أحزاب الحركة الوطنية تتصارع مع القصر من أجل تقليص سلطات واختصاصات الجالس على العرش في الدستور والواقع، واليوم تتصارع الأحزاب السياسية مع الدولة لاسترجاع بعض من استقلاليتها الداخلية وبعض اختصاصات وصلاحيات زعمائها. لو عاش الحكيم بلزولي إلى اليوم ربما غير من عنوان كتابه من الموت البطيء إلى الموت السريع… عظم الله الأجر في السياسة والديمقراطية والإصلاح، والله يبدل «الفقصة» بالصبر.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عظم الله أجركم… عظم الله أجركم…



GMT 00:03 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

إذا كانت إيران حريصة على السنّة…

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يطرد المدعي العام

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

نَموت في المجاري ونخطىء في توزيع الجثث!

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

فى واشنطن: لا أصدقاء يوثق بهم!

GMT 00:02 2018 السبت ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

استعدوا للآتى: تصعيد مجنون ضد معسكر الاعتدال

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 11:14 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم الإثنين 9 تشرين الثاني / نوفمير لبرج القوس

GMT 15:51 2020 الإثنين ,05 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم الجمعة 30 تشرين الأول / أكتوبر لبرج العذراء

GMT 11:04 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم الإثنين 9 تشرين الثاني / نوفمير لبرج العذراء

GMT 00:58 2020 الثلاثاء ,28 كانون الثاني / يناير

دراسة تحدّد الأطفال الأكثر عرضة لخطر السكري من النوع الثاني

GMT 19:55 2019 السبت ,07 أيلول / سبتمبر

رشيد دلال مساعدا للكيسر في تدريب أولمبيك آسفي

GMT 05:10 2016 السبت ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران تستضيف أعمال الفن العربي الحديث في متاحفها

GMT 07:35 2020 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

غوايدو يدعو الفنزويليين للاحتجاجات ضد مادورو

GMT 17:50 2019 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

وهبي يراسل وزير الصحة بشأن غياب دواء مرضى السرطان

GMT 01:40 2018 السبت ,10 آذار/ مارس

رجل يشكو زوجته لسوء سلوكها في طنجة
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya