لعبة الانتظار القاتلة

لعبة الانتظار القاتلة

المغرب اليوم -

لعبة الانتظار القاتلة

بقلم : توفيق بو عشرين

غدا ستكمل المملكة الشهر الرابع بدون حكومة، أي بدون جهاز تنفيذي، وبالتبعية، بدون جهاز تشريعي، والنتيجة المباشرة هي تعطيل عجلة الاقتصاد والاستثمار والتشغيل، وشل المؤسسات الدستورية، والدخول في فراغ سياسي لا تعرف تبعاته.

خرج رئيس الحكومة غير الموجودة، عبد الإله بنكيران، أول أمس، من اجتماع الأمانة العامة لحزبه غاضبا ويائسا، وقال للصحافيين، الذين سألوه عن تطورات المفاوضات لتشكيل الحكومة: «أي مفاوضات؟ ماكاين مع من نتفاوض؟»، في إشارة إلى غياب مخاطب لبنكيران، سواء في الدولة أو الأحزاب.

لا حاجة اليوم إلى الرجوع إلى خلفيات البلوكاج الذي تحول إلى أزمة سياسية عميقة. الجميع بات يعرف السبب الحقيقي لهذا «المسلسل المكسيكي» الذي دخلته مشاورات تشكيل الحكومة، وعلى رأس هذه الأسباب قطع الصِّلة بين نتيجة اقتراع السابع من أكتوبر وتشكيل الحكومة المقبلة، وإرجاع زمام المبادرة إلى أهل الحل والعقد، والباقي كله تفاصيل وجزئيات ومفرقعات وضباب لحجب الرؤية.

حتى لو تشكلت الحكومة اليوم، فإنها ستكون ضعيفة ومفككة، لأن «الطاجين برد»، والناس ملوا من الانتظار، وإرادة التراجع عن مكتسبات الربيع المغربي ظهرت للعيان، وضعف الأحزاب وترهلها باتا أوضح من الشمس في نهار صيفي (الليلة الفضيلة باينة من العصر).

الجميع اليوم في ورطة لا يعرفون كيفية الخروج منها. الدولة، التي دفعت الأحرار والحركة والاتحادين الدستوري والاشتراكي إلى وضع العصا في عجلة بنكيران، لا تريد أن تتخلى عن لشكر وساجد حتى لا تظهر بمظهر الذي خسر الرهان، وبنكيران، الذي يرفض دخول الوردة والحصان إلى الحكومة، لا يرغب في أن يظهر بصورة من تعرض لخدعة كبيرة بعدما منحه المواطنون ثقتهم، وبأنه يجازي لشكر وساجد على الدور القذر الذي لعباه لتعطيل خروج الحكومة.. والنتيجة أن الأطراف جميعها استسلمت للانتظار، كل طرف ينتظر من خصمه أن يستسلم أو أن يتعب، أو أن يرتكب خطأ يبرر تنازله عما يعتبره جوهريا… أما تكلفة الجلوس في قاعة الانتظار هذه فيؤديها المواطنون من جيوبهم ومن استقرارهم، ومن ثقتهم في المسلسل الإصلاحي.

إذا كانت الانتخابات لا تفرز أغلبية تحكم وأقلية تعارض، فما الجدوى من إجرائها أصلا؟ وإذا كانت كلمة الشعب لا وزن لها في ميزان السياسة، فلماذا نستدعي الناخبين ليدلوا بأصواتهم كل خمس سنوات؟ وإذا كان الدستور لا يسعف في إيجاد حلول للأزمات السياسية، فماذا نصنع به؟ وإذا كانت البلاد تستطيع أن تمشي لمدة أربعة أشهر بدون جهاز تنفيذي، فلماذا لا تسير أربع سنوات بدون حكومة، وبدون أحزاب، وبدون مؤسسات، وبدون برلمان، وبدون مظاهر ديمقراطية؟

هل يتصور عاقل اليوم أن هناك بلادا مثل المغرب تحتمل كلفة كل هذا الفراغ السياسي، وكل هذا التدمير للأحزاب السياسية، وكل هذا القصف للدستور، وكل هذا الدمار الذي يطال البناء الديمقراطي الهش، في دولة لا غاز فيها ولا نفط.. دولة تصنفها كبريات مراكز البحث في العالم على أنها ذات نظام هجين، لا هو سلطوي ولا هو ديمقراطي، معلق بين خطاب يسوق وعود الإصلاح، وواقع يتحلل من التزامات البناء الديمقراطي كلما وجد إلى ذلك طريقا.

لقد جرب بنكيران أسلوب التوافق والانحناء للعاصفة، وإعطاء الوقت للوقت، كما كان يردد الرئيس الفرنسي الراحل فرانسوا ميتران، ولم يبق أمامه إلا أن يجرب علاج الأزمة بالصدمة، وأن يعلن فشله في تشكيل الحكومة لغياب إرادة سياسية لاحترام نتيجة صناديق الاقتراع، وأن يرجع المفاتيح إلى الملك محمد السادس، ويشكره على الثقة التي وضعها فيه ولم يجدها لدى غيره من الفرقاء السياسيين الذين تآمروا عليه وعلى التجربة الديمقراطية الفتية. هكذا يسهم بنكيران في جعل المشهد السياسي أكثر وضوحا، وتعرية غطاء المناورات، ووضع جميع الأطراف أمام مسؤولياتهم، أما لعبة الانتظار هذه، فإنها أصبحت لعبة قاتلة لروح السياسة ولمغزى الإرادة الشعبية.

المصدر : جريدة اليوم 24

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لعبة الانتظار القاتلة لعبة الانتظار القاتلة



GMT 06:02 2018 الأحد ,25 شباط / فبراير

حان وقت الطلاق

GMT 07:26 2018 الجمعة ,23 شباط / فبراير

سلطة المال ومال السلطة

GMT 06:39 2018 الخميس ,22 شباط / فبراير

لا يصلح العطار ما أفسده الزمن

GMT 05:46 2018 الأربعاء ,21 شباط / فبراير

الطنز الدبلوماسي

GMT 05:24 2018 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

القرصان ينتقد الربان..

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 19:20 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

حظك اليوم الأربعاء 2 كانون الأول / ديسمبر لبرج الجدي

GMT 06:36 2018 السبت ,08 أيلول / سبتمبر

تمتع بمغامرة فريدة في أجمل مدن "مولدوفا"

GMT 11:44 2017 الثلاثاء ,19 كانون الأول / ديسمبر

المؤجلات… موت التشويق

GMT 22:25 2015 السبت ,12 كانون الأول / ديسمبر

المانجو فاكهة النشاط والتفاؤل

GMT 15:47 2018 الثلاثاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

أفكار مميزة لتجديد حديقة منزلك بدون تكاليف في الشتاء

GMT 18:25 2018 الأربعاء ,27 حزيران / يونيو

لمسات بسيطة تضفي مزيدًا من الجمال على شرفات منزلك

GMT 05:02 2017 الجمعة ,29 كانون الأول / ديسمبر

شخص يضرم النار داخل مسجد أثناء صلاة العشاءفي شيشاوة

GMT 23:52 2017 الأربعاء ,27 كانون الأول / ديسمبر

متصرفو المغرب يعتصمون أمام وزارة المال في الرباط

GMT 14:10 2017 الأحد ,24 كانون الأول / ديسمبر

جريمة قتل بشعة تهزّ حي التقدم في الرباط

GMT 21:47 2017 الأحد ,17 كانون الأول / ديسمبر

إيقاف عداء مغربي لأربعة أعوام بسبب المنشطات

GMT 18:28 2017 الإثنين ,11 كانون الأول / ديسمبر

الرجاء يواجه الدفاع الجديدي في الرباط رسميًا

GMT 21:04 2017 الجمعة ,08 كانون الأول / ديسمبر

أولمبيك خريبكة يستعيد نغمة الانتصارات ويؤزم وضعية تطوان

GMT 20:54 2016 الإثنين ,14 آذار/ مارس

إنشاء 3 شواطئ صناعية في كورنيش مدينة الناظور
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya