حكمة وشجاعة

حكمة وشجاعة

المغرب اليوم -

حكمة وشجاعة

بقلم : توفيق بو عشرين

بكياسة وأدب وشجاعة، رد حزب التقدم والاشتراكية على بلاغ الديوان الملكي الذي كان قاسيا على الوزير نبيل بنعبد الله، عندما اتهمه بالتضليل وخرق الدستور وتشويه سمعة البلاد لمجرد أنه انتقد ما سماه التحكم، وأشار إلى تاريخ تأسيس «البام» المثير للجدل، فيما زاد المغرقون تهمة أخرى لنبيل بنعبد الله، وهي «الخروج من دين الدولة»، والتمرد على النظام، مطالبين برأسه ولا شيء غير رأسه.

حزب علي يعتة تعامل بحكمة مع سوء الفهم الذي وقع بين الأمين العام للحزب والقصر الملكي، وعوض أن يدفن الحزب رأسه في الرمال، أو يسارع إلى الاعتذار، أو يلوذ بالصمت كما فعلت أحزاب أخرى أكبر منه، اختار الرد المكتوب وغير المكتوب، دون أن يتجاوز تقاليد التوقير والاحترام الواجب للجالس على العرش، وفي الوقت نفسه دون التخلي عن حقه في توضيح موقفه من الصراع الديمقراطي بين الأحزاب، والتشبث بأمينه العام، والتحفظ على التمييز بين قيادة الحزب وقواعده، باعتبار الأمين العام للحزب هو الناطق الرسمي باسم اختياراته ومبادئه… في الوقت ذاته ذكر الحزب بمواقفه التاريخية من المؤسسة الملكية التي يعتبرها حجز الزاوية في استقرار البلاد وتطورها. إنه بيان مطروز يعبر عن خبرة سياسية راكمها الحزب على مدى أكثر من نصف قرن.

هذا الموقف الذي عبر عنه حزب التقدم والاشتراكية يعد ثاني مناسبة تستدرك فيها الأحزاب السياسية على قرارات أو بلاغات ملكية في عهد الملك محمد السادس، بعد بيان المنهجية الديمقراطية الذي أصدره الاتحاد الاشتراكي سنة 2002، وكتبه محمد الأشعري بتكليف من اليوسفي، عقب تعيين التقنوقراطي إدريس جطو وزيرا أول خارج نتائج الاقتراع التي أعطت التقدم لحزب الاتحاد الاشتراكي… إنها الصراحة المطلوبة في الحوار مع المؤسسة الملكية.. صراحة تميز بين الاحترام والتوقير الواجب لشخص الملك، ولشخصه فقط، وبين ضرورة الحوار بين المؤسسات، والنقاش الحر والديمقراطي حول مجريات الحياة السياسية دون خوف أو تملق. لقد أظهر التاريخ الحديث للمغرب أن الخروج عن المنهجية الديمقراطية سنة 2002 كان خطأ سياسيا دفعت المؤسسة الملكية ثمنه بعد تسع سنوات، حيث نص الدستور الجديد على وجوب تعيين رئيس الحكومة من الحزب الفائز بالمرتبة الأولى في الانتخابات.

في بداية عهد محمد السادس قال محمد الساسي مقولة ظلت مسطرة في دفتر الأدب السياسي «غير المخزني»، حيث قال: «من يحب الملك عليه أن يقول له الحقيقة». القليلون، للأسف، من أخذوا بهذه النصيحة لأن طبقات سميكة من التقليد والخوف والطمع تغطي العقل السياسي للنخبة السياسية التي تفكر بمصالحها ومواقعها وامتيازاتها، وليس بعقلها وبمصلحة البلد، وترى أن التملق لـ«السلطان» أولى من نصحه، وإذا كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب، وأي ذهب.

لو استمع الملك الراحل الحسن الثاني إلى نصائح عدة كان البعض يهمس بها في محيطه لما واجه خيانة الجنرال أوفقير، ومغامراته التي كانت ستدخل البلاد إلى نفق مسدود… هناك خيط رفيع يريد البعض أن يطمسه بين الحوار مع المؤسسة الملكية وبين الزج بها في أتون الصراع السياسي. الملك فوق الأحزاب، وهو الضامن لتطبيق الدستور، وتوقيره واحترامه أوجب الواجبات، لكن موظفيه والعاملين في ديوانه يصيبون ويخطئون، وهم ليسوا آلات تطبق التعليمات بالحرف، وليسوا «كمبيوتر» يبرمج للعمل وفق نظام لا يخرج عنه. إنهم بشر لهم ميولهم وأفكارهم ومصالحهم ونقاط قوتهم ونقاط ضعفهم، ويجب ألا تحسب أخطاؤهم أو مبادراتهم السابقة أو اللاحقة على المؤسسة التي يشتغلون فيها.

بلاغ التقدم والاشتراكية ما كان سيصدر لو أن مناضلي الحزب لم يشعروا بحرارة التضامن مع أمينهم العام وسط الرأي العام، الذي ظلت قطاعات واسعة منه تعبر عبر «الفايسبوك» عن التعاطف معه لأن ما قاله عن «البام» والتحكم يتقاسمه معه الكثيرون، ويرون أن هناك علاقة ما تربط بين الحزب ومؤسسيه، وأن حل هذا الإشكال ومواجهة هذا الانطباع لا يتمان بالبيانات ولا بالبلاغات، ولكن بوقوف الإدارة على مسافة من الجرار، وعدم تعبيد الطريق أمام عجلاته، وتركه يواجه مصيره بيده… في عالم السياسة الكلام غير قابل للصرف، وحدها الأفعال قابلة للتداول والإقناع والاقتناع.

الديمقراطية، بالتعريف، هي تدبير الاختلاف وليس رعاية الإجماع. الديمقراطية هي ضمان الحق في التعبير والحق في الاعتراض، فالحقيقة المطلقة لا يملكها أحد على وجه الأرض.. كل شيء نسبي.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حكمة وشجاعة حكمة وشجاعة



GMT 06:02 2018 الأحد ,25 شباط / فبراير

حان وقت الطلاق

GMT 07:26 2018 الجمعة ,23 شباط / فبراير

سلطة المال ومال السلطة

GMT 06:39 2018 الخميس ,22 شباط / فبراير

لا يصلح العطار ما أفسده الزمن

GMT 05:46 2018 الأربعاء ,21 شباط / فبراير

الطنز الدبلوماسي

GMT 05:24 2018 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

القرصان ينتقد الربان..

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 15:55 2020 الإثنين ,05 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم الجمعة 30 تشرين الأول / أكتوبر لبرج الميزان

GMT 04:16 2019 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

زكي يوجه رسالة قوية إلى مسؤولي الدفاع الحسني الجديدي

GMT 14:34 2018 الثلاثاء ,02 تشرين الأول / أكتوبر

"بريزنتيشن" تؤكد أن مُبررات "صلة" في شأن فسخ تعاقدها غير الصحة

GMT 08:32 2018 الإثنين ,02 إبريل / نيسان

"الأساور العريضة" تصلح لمختلف مناسبات صيف 2018

GMT 11:37 2018 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

ياسمين جمال ترتدي فستان الزفاف للمرة الثانية بعد الطلاق

GMT 01:48 2016 السبت ,08 تشرين الأول / أكتوبر

علاج الشيب نهائياً وبألوان مختلفة

GMT 17:48 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

تمارين تساعدك في بناء العضلات وخسارة الوزن تعرف عليها

GMT 04:16 2019 الإثنين ,30 كانون الأول / ديسمبر

المغرب يشهد نهضة غير مسبوقة في مجال التنقيب عن النفط

GMT 06:33 2019 الخميس ,24 تشرين الأول / أكتوبر

تعرف على الفوائد المذهلة لثمرة الرمان على الصحة
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya