بقلم : توفيق بو عشرين
أشعل بلاغ الديوان الملكي، أول أمس الثلاثاء، التعليقات في الفايسبوك، وأخرج الناشطين الزرق من أجواء العطلة والحديث عن الخروف وما يحيط به، إلى التعليق على السياسة والأحزاب والانتخابات، ودلالات نقطة النظام الملكية هذه… وكالعادة، انقسم شعب الفايسبوك بين مؤيد ومعارض، بين من رأى أن نبيل بنعبد الله ارتكب خطأ عندما صعد لهجته ضد «الأصالة والمعاصرة» إلى درجة الوصول إلى مستشار الملك، فواد عالي الهمة، وبين من يرى أن نبيل كان محقا في ما ذهب إليه، وأن القوة السياسية والتنظيمية والمالية التي يتمتع بها الجرار ليست نابعة من قوة «فلول اليسار المحبط» الذي جاء يطلب اللجوء عند حزب «المخزن»، وأن القصر الملكي ما كان عليه أن يتدخل في هذا الموضوع، وكان عليه أن يبقى على مسافة من «القيامة الانتخابية»، خاصة أن أسبوعية «الأيام»، التي أجرت الحوار مع وزير السكنى وسياسة المدينة، نشرت توضيحا واعتذارا عن تحوير جرى لمفردات التصريح المثير للجدل الذي أدلى به نبيل بنعبد الله، وبالتالي، فإن هذا الأخير كان يتحدث بصفة عامة عن مؤسسين للبام وليس بصفة خاصة عن مؤسس واحد.
كالعادة، التزمت الطبقة السياسية بقانون إغلاق الأفواه، ولم يعلق حزب علي يعتة ولا حزب البام ولا أي طرف آخر معني بهذه النازلة، فالتقاليد المرعية تمنع النخب التقليدية من الخوض في شؤون «السياسة الكبيرة» أو التعليق على بيانات القصر… لكن الرأي العام علق وعبر وأبدى وجهة نظره، وردود الأفعال هذه تكشف، من جهة، عن وعي سياسي متقدم لدى الشباب خاصة، ومن جهة أخرى عن حجم الهوة التي تتسع يوما بعد آخر بين النخب السياسية وقاعدة المجتمع.
كاتب هذه السطور يعتقد أن الديوان الملكي ما كان عليه أن يدخل إلى حقل ألغام معقد مثل هذا في توقيت مثل هذا، معرضا مضمون البلاغ ورسالته لتأويلات متضاربة. كان يكفي أن يخرج المستشار الملكي، فواد عالي الهمة، في تصريح صحافي أو «بريفينغ» إعلامي، كما كان يفعل أيام كان في وزارة الداخلية، ويوضح موقفه مما نسب إليه في كلام نبيل بنعبد الله من استمرار وقوف المؤسسين للبام (والهمة واحد منهم) خلف الجرار إلى يومنا هذا، وأن يدلي برأيه في حدود توضيح حياده، وابتعاده عن الحزب الذي أسسه قبل ثماني سنوات… أما أن ينزل الديوان الملكي بكل ثقله في هذه النازلة، وأن يتهم وزيرا في الحكومة بالتضليل والإساءة إلى البلاد، وخرق الدستور والقانون على بعد ثلاثة أسابيع من ذهاب المواطنين إلى صندوق الاقتراع، فهذا أمر قد لا يفهم على الوجه المقصود منه.
الآن لنمر إلى عمق المشكلة، وهي استقلالية حزب الأصالة والمعاصرة عن مؤسسيه، وعن الإدارة، وعن مراكز القوى في الدولة. قطاعات واسعة من الرأي العام، بمن فيهم جزء من المنتسبين إلى هذا الحزب، يعتقدون أن الجرار مشمول برعاية خاصة، وأن خيوطا تربطه بالدولة، وإلا كيف يحصل على تذكرة ذهاب إلى الصين ضمن الوفد الملكي دون أن يكون موجودا على اللائحة الرسمية، وكيف يحصل على كل هذه القوة والتأثير، وهو لم يبلغ بعد سنته الثامنة، وكيف يحصل على المرتبة الأولى في انتخابات 2009 ولم تكن قد مرت على تأسيسه سوى بضعة أشهر؟ وكيف يتوسط لأسماء كثيرة لدخول الوزارات والسفارات والعمالات والولايات ومناصب المسؤولية، حتى إن نكتة تروج بين وزراء حكومة بنكيران تقول إن «قادة البام يجب أن يقدموا هم أيضا حصيلة تدبير الشأن العام للناخبين ماداموا يشتركون في قرارات عدة وتعيينات عدة وسياسات عدة، لأن الجرار لم يكن في كراسي المعارضة طيلة الخمس سنوات الماضية».
في 2011 جاء أحد الأعضاء النشيطين في حزب العدالة والتنمية، واقترح على الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، عبد الإله بنكيران، أن يتقدم بطلب إلى القصر الملكي يقضي بحل حزب الأصالة والمعاصرة، باعتبار أن هذا المطلب كان أحد شعارات حركة 20 فبراير، وكبادرة لإخماد نار الاحتجاجات في الشارع، فكان رد بنكيران أنه يجد حرجا في المطالبة بحل حزب سياسي مهما كانت ظروف ميلاده، ثم هو يتخوف من تقديم طلب حل البام فيتم حل الحزبين معا، الأصالة والمعاصرة والعدالة والتنمية… بعد ذلك رجع بنكيران، وهو رئيس حكومة، إلى مطالبة البام بحل نفسه، ومراجعة ذاته، وإعادة النظر في دوره، لكن كان هذا جزءا من المناوشات الإعلامية، وليس موقفا مبدئيا.
منذ المصادقة على دستور 2011 والقصر الملكي يبعد نفسه عن شؤون الأحزاب، وحتى عندما تقدمت الأحزاب الثلاثة (الاتحاد الاشتراكي والاستقلال والأصالة والمعاصرة) بشكوى إلى الديوان الملكي ضد رئيس الحكومة سنة 2015، تتهمه باستعمال اسم الملك في خطابه، أخذ الملك علما بالموضوع، لكنه بقي على مسافة من هذه الشكاية. عقب كل مؤتمر حزبي كان الجالس على العرش يستقبل الأمين العام الجديد، ويبعث رسالة إلى مناضليه بالتهنئة والدعاء، تعبيرا منه عن أن العرش يظلل الجميع، حتى إن رئيس الحكومة نقل عن محمد السادس قوله: «لا تلتفت إلى أي شيء خارج الدستور حتى لو صدر عن أحد مستشاري»، وقال يومها بنكيران: «لو علم المغاربة بفحوى هذا التوجيه لجعلوا منه عيدا وطنيا»… هذه الروح يجب أن تستمر وتصبح من تقاليد الحكم، مهما كانت الرياح عاتية والأمواج متقلبة.