زلزال أمريكي يضرب البيت السعودي

زلزال أمريكي يضرب البيت السعودي

المغرب اليوم -

زلزال أمريكي يضرب البيت السعودي

بقلم : توفيق بو عشرين

المعاهدة التي وقعها الملك عبد العزيز آل سعود في 14 فبراير 1945 مع الرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت، على ظهر المدمرة الأمريكية «كوينسي» في عرض البحر، انتهت صلاحيتها مساء الأربعاء الماضي مع انتهاء التصويت على قانون «جاستا» في الكونغريس الأمريكي، في تحد صارخ للفيتو الذي أشهره الرئيس الأمريكي أوباما، ظاهريا، في وجه مشروع القانون الذي يعطي عائلات ضحايا 11 شتنبر إمكانية رفع دعاوى قضائية للمطالبة بالتعويض أمام المحاكم الأمريكية من كل دولة (السعودية تحديدا) ثبت أنها تقف وراء عمليات إرهابية ماليا أو لوجستيكيا، بطريقة مباشرة أو بطريقة غير مباشرة.

ليلة الأربعاء كانت ليلة طويلة في الرياض، حيث تعرض بيت الحكم السعودي لأخطر هزة سياسية ودبلوماسية واقتصادية منذ تأسيس المملكة سنة 1932.

القانون الذي يسمح لأكثر من 3000 أمريكي برفع دعاوى قضائية على المملكة العربية السعودية، لأن 15 من مواطنيها تورطوا في الهجوم على مبنى البنتاغون ومركزي التجارة العالمية في نيويورك قبل 15 سنة، هذا القانون سيكون له ما بعده، وهو جزء من خطة كاملة لإعادة خلط أوراق الشرق الأوسط المبعثرة أصلا، فهذا الزلزال الذي ضرب أرض الحرمين ليس مجرد مبادرة تشريعية، وليس فقط ثمرة لوبي التعويضات الذي يريد ابتزاز المملكة، ووضع اليد على أكثر من 800 مليار دولار من أموالها الموضوعة في استثمارات وسندات في أمريكا، كما تحاول الصحف السعودية أن تصور الأمر، قانون «جاستا» أعمق من هذا بكثير.. إنه إعلان صريح لنهاية الصفقة الأمريكية السعودية التي ظلت قائمة لمدة أكثر من 62 سنة، وبمقتضاها كانت أمريكا تحمي السعودية ونظامها، وهذه الأخيرة تضمن تدفق النفط إلى الأسواق الغربية بأسعار معقولة. هذه الصفقة جرى تمزيق وثيقتها في أعلى سلطة للشعب بواشنطن (مجلسا البرلمان والشيوخ)، حيث صوت الديمقراطيون والجمهوريون معا، في شبه إجماع، لصالح هذا القانون، في إشارة ولا أوضح لوجود قرار بفك الارتباط الأمريكي مع السعودية، ومعاقبتها، وتحميلها مسؤولية الإرهاب، إنها سياسية عليا لأمريكا، وليست موقف حزب أو لوبي أو إدارة.

إليكم السيناريو الذي من المحتمل أن يبدأ في الأسابيع المقبلة: آلاف الدعاوى القضائية ستتقاطر على المحكمة الاتحادية الأمريكية لعائلات ضحايا 11 شتنبر، وللشركات الكبرى التي تضررت من أكبر عمل إرهابي يضرب أمريكا منذ نشأتها. وكل هؤلاء مسلحون بجيش من المحامين والخبراء القانونيين، الذين سيضعون أرقاما فلكية لما يعتقدون أنها تعويضات مدنية عن خسائرهم في الأرواح والأموال والبنايات والمصالح، ولكي يثبتوا التهمة على الحكومة السعودية، سيطالبون بالإفراج عن كل الوثائق السرية التي جاءت في لجنة تحقيق الكونغرس حول 9/11، أو في أرشيف المخابرات الأمريكية، في محاولة لكشف كل الخيوط التي يحتمل أن تكون موجودة بين بعض الانتحاريين السعوديين وهيئات حكومية أو مالية أو دبلوماسية سعودية.

إن الجهد الذي قام به السفير الأسطوري السابق للرياض في واشنطن، بندر بن سلطان، مع عائلة بوش للملمة الموضوع، وإخراج العلاقات السعودية من طائرات ابن لادن، ستجري إعادة بحثه وتفكيكه، ولأن الإعلام جله متأثر برواية وجود أيادٍ سعودية في 9/11، أو على الأقل وجود فكر وهابي خلف إيديولوجيا القاعدة التي استهدفت مواطنين أمريكيين، فإن المعركة ستكون حامية جدا، وستلقي بثقلها على نواحٍ كثيرة في السياسة الأمريكية تجاه الرياض وتجاه المنطقة.

هناك، أولا، رفع الحماية الأمريكية عن النظام السعودي، وهذا سيضعف الرياض كثيرا أمام خصمها اللدود إيران، خاصة إذا استمرت أسعار النفط في التدني، وهي ستستمر في النزول حسب تقديرات جل الخبراء، لأن الفوضى المنتشرة في الدول المصدرة للنفط تجعل من التحكم في الإنتاج مهمة شبه مستحيلة، فهناك النفط العراقي والليبي والسوري والنيجيري… الذي يغرق السوق السوداء، ولا يمكن التحكم فيه، علاوة على أن ارتفاع ثمن البرميل من النفط إلى ما فوق السبعين دولارا، يعني رجوع الرهان على النفط الصخري الأمريكي الذي سينزل إلى السوق لأنه آنذاك سيتحمل كلفة الإنتاج المرتفعة، وسينافس بترول العرب، ومن ثم ستنخفض الأسعار من جديد.

وضع اليد الأمريكية على ثروة السعودية في أمريكا وأوروبا معناه، أولا، حرمان الرياض من مورد مهم في ميزانية المملكة، ومعناه، ثانيا، ضرب اقتصاد الريع الذي كان النظام السعودي يقايض به مواطنيه، ويدفعه إلى التنازل عن حقوقه السياسية والاجتماعية، وحتى الفردية، مقابل رفاهية العيش (المال مقابل الديمقراطية). 24 ساعة فقط قبل أن يكسر النواب الأمريكيون فيتو أوباما على القانون، أصدر العاهل السعودي أمرا ملكيا بتخفيض أجور الوزراء وأعضاء مجلس الشورى وكبار الموظفين، وهذا معناه بداية سياسة تقشفية في مملكة كانت تصرف بلا قيد أو خوف، شد الحزام هذا له تبعات سياسة واجتماعية عميقة في مملكة النفط، أولها أن المواطن السعودي سيطالب بحق المشاركة السياسية، وحق محاسبة من يحكم ومن يتصرف في ثروة هائلة.

هذا عن الداخل السعودي، أما عن الخارج، فإن زلزال يوم الأربعاء الماضي سيضعف من مكانة السعودية في الإقليم، ومن تأثيرها السياسي والمالي على حلفائها، خاصة أنها مع الإمارات العربية المتحدة شكلتا عمود الخريف العربي المناهض لأي انفتاح ديمقراطي في العالم العربي، وهما معا من مولتا انقلاب السيسي على التجربة الديمقراطية في مصر.

عندما صادق الكونغرس الأمريكي على قانون «جاستا»، قبل أسابيع، أصدرت عدة دول صديقة للسعودية، مثل المغرب والإمارات والبحرين وقطر وتونس والكويت وغيرها، بيانات شديدة اللهجة ضد السياسة الجديدة لأمريكا تجاه حليفها التقليدي، وجرى إشهار ورقة محاربة الإرهاب في وجه المشرع الأمريكي لدفعه إلى التراجع عن إصدار هذا القانون الذي يستهدف الرياض، لكن الرسالة لم تصل، أو بالأحرى لم تمتلك القوة التي تجعلها تعبر الأطلسي لتصل إلى آذان المشرع الأمريكي، ولهذا، عندما رجع القانون إلى الكونغرس، بعد استعمال أوباما الفيتو، ازداد عدد النواب الذين صوتوا لصالحه من الحزبين الديمقراطي والجمهوري لكي يقفز على الفيتو الرئاسي. إنها مناسبة لتقيس كل البلدان العربية وزنها في القرار الأمريكي الذي اتجه إلى جنوب شرق آسيا يبحث عن مصالحه الجديدة، تاركا حلفاءه القدامى لمصيرهم المجهول.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

زلزال أمريكي يضرب البيت السعودي زلزال أمريكي يضرب البيت السعودي



GMT 06:02 2018 الأحد ,25 شباط / فبراير

حان وقت الطلاق

GMT 07:26 2018 الجمعة ,23 شباط / فبراير

سلطة المال ومال السلطة

GMT 06:39 2018 الخميس ,22 شباط / فبراير

لا يصلح العطار ما أفسده الزمن

GMT 05:46 2018 الأربعاء ,21 شباط / فبراير

الطنز الدبلوماسي

GMT 05:24 2018 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

القرصان ينتقد الربان..

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 15:55 2020 الإثنين ,05 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم الجمعة 30 تشرين الأول / أكتوبر لبرج الميزان

GMT 04:16 2019 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

زكي يوجه رسالة قوية إلى مسؤولي الدفاع الحسني الجديدي

GMT 14:34 2018 الثلاثاء ,02 تشرين الأول / أكتوبر

"بريزنتيشن" تؤكد أن مُبررات "صلة" في شأن فسخ تعاقدها غير الصحة

GMT 08:32 2018 الإثنين ,02 إبريل / نيسان

"الأساور العريضة" تصلح لمختلف مناسبات صيف 2018

GMT 11:37 2018 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

ياسمين جمال ترتدي فستان الزفاف للمرة الثانية بعد الطلاق

GMT 01:48 2016 السبت ,08 تشرين الأول / أكتوبر

علاج الشيب نهائياً وبألوان مختلفة

GMT 17:48 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

تمارين تساعدك في بناء العضلات وخسارة الوزن تعرف عليها

GMT 04:16 2019 الإثنين ,30 كانون الأول / ديسمبر

المغرب يشهد نهضة غير مسبوقة في مجال التنقيب عن النفط

GMT 06:33 2019 الخميس ,24 تشرين الأول / أكتوبر

تعرف على الفوائد المذهلة لثمرة الرمان على الصحة
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya