تضارب المصالح

تضارب المصالح

المغرب اليوم -

تضارب المصالح

بقلم - توفيق بو عشرين

يتعلم الإنسان أولا بالتقليد، ثم ينتقل إلى الاعتماد على النفس، وبعدها قد يبدع إن كتب له ذلك. الدول، كما الأفراد، تمر من الطريق نفسه، وتعاني الصعوبات نفسها، إن لم يكن أكثر، لكي تتعلم الممارسات الجيدة والحكامة المتطورة والديمقراطية الحقيقية… إليكم حكاية من بريطانيا حول «تضارب المصالح».. هذا الداء المنتشر بكثرة في المغرب، والذي لا يزعج إلا القليلين، عن حسن نية أحيانا، وعن سوء تقدير في أغلب الأحيان.
قبل أشهر استقالت السيدة شارلوت هوغ من منصب نائبة محافظ البنك المركزي في إنجلترا «بنك أوف إنغلند»، حيث لم تعمر في مكتبها سوى أسبوعين، وذلك نصف ساعة بعد نشر تقرير صادر عن لجنة برلمانية مكلفة بتدقيق تعيينات موظفي البنك المركزي (دركي الأبناك)، المسؤول عن مراقبة المعاملات المالية، والتقيد بقانون المنافسة والشفافية وسط بحر المال، حيث تتصارع الحيتان الكبيرة.
لماذا استقالت السيدة شارلوت نصف ساعة فقط بعد نشر تقرير اللجنة البرلمانية البريطانية المكلفة بتدقيق التعيينات؟ تمالكوا أنفسكم… السيدة شارلوت متهمة بأنها أخفت عن إدارة البنك المركزي يوم انضمت إليه سنة 2013، أي قبل وصولها إلى منصب نائبة المحافظ العام للبنك المركزي، معلومة مهمة، وهي أن شقيقها يشغل منصب المدير المسؤول عن وضع استراتيجية العمل لمجموعة بنك باركليز. وقالت اللجنة في تقريرها إن السيدة شارلوت ذكرت، أمام اللجنة البرلمانية التي استجوبتها حول هذه النقطة، أنها لا تناقش أمور العمل مع شقيقها الذي يشغل منصبه في بنك باركليز منذ سنوات طويلة، وأنها لم يسبق أن جمعتها بأخيها تجارة أو عمل أو عقد استشارة… لكن، مع ذلك، فإن إحجام السيدة شارلوت عن ذكر هذه المعلومة يوم دخولها إلى البنك المركزي فيه مخالفة لمدونة السلوك «Code of conduct»، ولم تشفع للسيدة شارلوت شهادة اللجنة البرلمانية في حقها، عن كونها أدت مهامها في كل المناصب التي تدرجت فيها بكفاءة عالية ونزاهة لا يمكن التنكر لها، لكن إخفاء معلومة أن شقيقها موظف كبير في بنك تقع مراقبته تحت سلطة البنك المركزي أمر يمس الأخلاق، حتى وإن لم يمس القانون.
نائبة مدير البنك المركزي لم تتأخر في تقديم الاستقالة، وكان في استطاعتها أن تقوم بحملة علاقات عامة وتواصل مع الإعلام، وتقول إنها لا ترى تضاربا للمصالح بين عملها وعمل شقيقها، وإنها، في كل الأحوال، مجرد نائبة مدير البنك المركزي، وإن فوقها رئيسا يراقب أعمالها، وإنها أخبرت اللجنة البرلمانية بأن أخاها يشتغل في باركليز يوم تعيينها في منصب نائب المدير، وإنها نسيت أن تكتب هذه المعلومة يوم دخولها إلى البنك في استمارة التوظيف، ولم يكن آنذاك ميثاق الأخلاقيات يشترط هذا الأمر (شارلوت هي من وضعت مدونة السلوك بعدما دخلت إلى البنك المركزي)، وكان يمكن أن تقول إن تقرير اللجنة البرلمانية ليس له طابع الإلزام، وإنه استشاري فقط. وإذا كانت شارلوت «جبهتها قاسحة شوية»، ستقول إن تقرير اللجنة البرلمانية مسيس، ومعادٍ للمرأة، ويستهدف التمييز الجنسي ضد بنات حواء، وكان يمكن أن تقول إن أخاها ليس من أقارب الدرجة الأولى، كأبيها أو زوجها أو ابنها، بل هو فقط أخوها غير الشقيق «من الفوق».. لم تنهل شارلوت من أدب التبرير هذا، ولا لجأت إلى الحيل الكلامية، بل قدمت استقالتها من منصب رفيع، وذهبت إلى بيتها دون أن يطلب منها أحد ذلك، ليس بالضرورة لأنها قديسة، وليس لأن داخل رأسها ضميرا يطرد النوم من عينيها، وليس بالضرورة أن تكون شارلوت على قدر كبير من التربية والنزاهة، لكنها تعرف حساسية البريطانيين من آفة تضارب المصالح، وشبهة الاقتراب من هذا الخلط بين الخاص والعام، بين المصلحة الذاتية والمصلحة العمومية، بين المنصب واستغلال النفوذ، بين الخلط بين السلطة والبزنس، وإذا استمرت في المنصب ستستمر ضعيفة وفوق رأسها شبهة.
يمكن تعريف «تضارب المصالح» بأنه كل تصرف أو موقف أو قرار أو معلومة تحقق مصلحة مادية أو معنوية خاصة لهيئة أو شخص بأي شكل من الأشكال، يقوم بها مسؤول عمومي (رئيس حكومة أو وزير أو رئيس جماعة أو جهة أو موظف أو مدير)، حيث يستفيد هو أو أقاربه من وضع غير متاح للآخرين.
هل هناك حاجة إلى القول إن الدستور المغربي، لأول مرة، جرم «تضارب المصالح»؟ لا داعي إلى ذلك مادامت القوانين التي جاءت بعد ذلك، خاصة القانون التنظيمي لعمل الحكومة، قد أفرغت المبدأ الدستوري من روحه، ولا داعي إلى الحديث عن الدستور والقانون مادام الواقع في واد والنصوص في واد آخر، وأن النص المكتوب في لوح الدستور، إذا لم يحترم، لا يساوي ثمن المداد الذي كتب به.
في الحكومة الحالية والسابقة شواهد عديدة على تضارب المصالح، وخروقات بالجملة في تجاوزات وزراء ومديرين وموظفين للقانون، وسقوطهم في تضارب مصالح صارخ، لكن، لا حياة لمن تنادي، وإذا تجرأ أحد واقترب من الضيعات المحمية لهؤلاء، فإنهم يخرجون أسنانهم وأظافرهم وألاعيبهم ومؤامراتهم لحماية الريع الذي يسبحون فيه من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، لذلك، فإن قصة شارلوت من بريطانيا تظهر لهم هنا وكأنها ضرب من الخيال العلمي.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تضارب المصالح تضارب المصالح



GMT 00:03 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

إذا كانت إيران حريصة على السنّة…

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يطرد المدعي العام

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

نَموت في المجاري ونخطىء في توزيع الجثث!

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

فى واشنطن: لا أصدقاء يوثق بهم!

GMT 00:02 2018 السبت ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

استعدوا للآتى: تصعيد مجنون ضد معسكر الاعتدال

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 15:03 2014 الخميس ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

فوائد الجوز " عين الجمل " لا يعلمها إلا القليلون

GMT 12:28 2018 الجمعة ,26 تشرين الأول / أكتوبر

الفرسان يتطلعون للفوز بثاني جولات بطولة "هذاب"

GMT 06:07 2017 الإثنين ,18 كانون الأول / ديسمبر

سيت الأفضل لقضاء شهر عسل لتميزها بالمناظر الجذابة

GMT 03:45 2017 الإثنين ,11 كانون الأول / ديسمبر

مديرة الأزياء جين ماكفارلاند تستعرض مجموعة كافالي

GMT 06:22 2017 الأربعاء ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

إسرائيل تصنف المغرب أبرز مُصدّري اليهود منذ استقلال المملكة

GMT 00:00 2014 الجمعة ,12 كانون الأول / ديسمبر

" أوراق بوكافر السرية " جديد الكاتب ميمون أم العيد

GMT 23:10 2017 الثلاثاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

رشيد غفلاوي سعيد بانضمامه إلى فريق الساحل النيجيري

GMT 23:08 2017 السبت ,14 تشرين الأول / أكتوبر

المهاجم فيصل عجب يثبت جدارته مع نادي التضامن

GMT 17:14 2016 الجمعة ,01 إبريل / نيسان

سر إغماض العيون أثناء تبادل القبل على الشفاه

GMT 10:51 2017 الإثنين ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

الفنان أمير كرارة يفاجئ المعجبين بإطلالة مختلفة تمامًا

GMT 17:38 2015 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

عبدالفتاح الجريني يحضر لديو غنائي مع العالمي مساري

GMT 03:16 2015 الجمعة ,22 أيار / مايو

شاطئ مرتيل يلفظ أحد ضحايا موسم الاصطياف

GMT 08:17 2017 الأربعاء ,30 آب / أغسطس

إخلاء السفارة الكندية في برلين
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya