سجال هادئ مع الطبيب العثماني

سجال هادئ مع الطبيب العثماني

المغرب اليوم -

سجال هادئ مع الطبيب العثماني

بقلم - توفيق بو عشرين

لا يخلو أي خطاب أو تصريح أو مقابلة لرئيس الحكومة، سعد الدين العثماني، من حديث عن الإشاعات التي تلاحقه، والأخبار الكاذبة التي تشوش عليه، والمؤامرات التي تحاك ضده… بعض من هذه الشكاوى صحيح، والكثير منها مفتعل، والسبب أن الطبيب النفسي لا يريد أن يجابه الحقائق، ويفضل أن يعيش في فقاعة سياسية تتجاهل مرحلة «الجزر السياسي» التي تعيشها البلاد، وحالة الضعف التي توجد عليها حكومة جاءت إلى الوجود بطريقة «يدي ويد القابلة».
العثماني يخوض حربا في الجبهة الخطأ، ويعتبر أن جزءا من مناضلي حزبه، وجزءا من الصحافة المستقلة، وجزءا من الرأي العام، هم خصومه، والحال أن أعداءه الحقيقيين يوجدون في مكان آخر تماما، ولأنه عاجز عن مواجهتهم لأن ذخيرته محدودة، فإنه يفضل الحائط القصير، الذي لن يربح من وراء القفز عليه أي شيء.
في آخر ظهور للدكتور على شاشة قناة pjd في اليوتيوب، رجع العثماني إلى الدروس النظرية ليذكر بها إخوانه، وهي دروس لا يمكن الاختلاف عليها مادامت محصورة بين الكلمات، لكن، عندما ننزلها إلى أرض الواقع السياسي نواجه تعقيدات بلا حصر.
قال الأمين العام الجديد للحزب: “العدالة والتنمية له رؤية ومشروع ومنهج… الرؤية هي خدمة البلد وفق ثوابته الدستورية، والمشروع هو الإصلاح الديمقراطي كما اتفق عليه عموم أعضاء الحزب، والمنهج هو التدرج والتوافق والمشاركة مع الآخرين في أوراش التغيير بكل تواضع”… هذا كلام جميل، ولا يمكن أن يختلف حوله الإصلاحيون الديمقراطيون (الثوريون حكايتهم حكاية أخرى)، لكن المشكل يقع في تنزيل الرؤية والمشروع والمنهج على أرض الواقع. هذا التنزيل الذي يعتبر قطاع واسع من الرأي العام أن خللا كبيرا وقع فيه، وأن حزب العدالة والتنمية بقبوله عملية «الانقلاب الناعم على نتائج الانتخابات، والمشاركة في حكومة هجينة وضعيفة، والإسهام في توفير تغطية سياسية لمحاولات إعادة انتشار التحكم في المشهد السياسي والحزبي»، يكون قد انزلق عن الرؤية والمشروع والمنهج، وأصبح حزبا كباقي الأحزاب المعطوبة اليوم في الحقل السياسي… هل هذه فرضية أم حقيقة؟ لنعِد ترتيب الأوراق، بحيث نحصر الخلاف في الرأي وليس في الأحداث.
مرة وقف عضو ديمقراطي في الكونغرس الأمريكي يخاطب زملاءه فقال: «من حق أي عوض أن يكون له رأي خاص به، لكن، لا يجب أن تكون لكل واحد حقائقه الخاصة به». ماذا تقول الحقائق منذ يوم إعلان نتائج انتخابات السابع من أكتوبر إلى اليوم:
1- السلطة لم تقبل بفوز العدالة والتنمية في انتخابات 2015 الجماعية و2016 التشريعية، وتعرض الناخبون لضغوط شتى للتصويت للبام، لكنهم صمدوا ومنحوا بنكيران وحزبه مليوني صوت، في سابقة في كل تاريخ المغرب.
2- البلوكاج، الذي قاده حزبا الأحرار والاتحاد الاشتراكي، كان عنوان انقلاب سياسي على نتائج الاقتراع، وعملا مقصودا ومخططا له لإخراج حكومة لا تشبه مخرجات الصندوق، وما اختيار رئيس لمجلس النواب من الحزب الذي حصل على 20 مقعدا.. حزب عاقبه الناخب فوجده يتصدر غرفة التشريع، إلا دليل على هذه الحقيقة.
3- إزاحة بنكيران عن رئاسة الحكومة كانت الفصل الثاني من البلوكاج، وكان الهدف من الإطاحة بالأخير هو إضعاف البيجيدي، وزرع بذور «الشقاق» وسطه، في ما سماه بنكيران نفسه بالزلزال السياسي والرجة القوية، لذلك، فإن مرحلة ما بعد بنكيران لن تكون هي نفسها ما قبل إزاحة بنكيران.
4- بنكيران لم يكن يدير المفاوضات حول تشكيل الحكومة وحده، بل بإشراك الأمانة العامة التي مازالت بياناتها شاهدة على رفض ابتزاز الأحرار والاتحاد، وبالتالي، فإن المشكل لم يكن مع بنكيران، بل مع نهج حزبي يقاوم التلاعب بأصوات الناس.
5- العثماني عندما خرج من القصر وذهب إلى المجلس الوطني لحزبه، كان يعرف أن مشاركة الاتحاد الاشتراكي شرط واقف على تشكيل الحكومة، ومع ذلك لم يخبر برلمان الحزب، ولم يعط أعلى هيئة تقريرية بعد المؤتمر المعلومة المهمة لاتخاذ قرار المشاركة في الحكومة من عدمه، وهذا ما اضطر العثماني إلى خرق الشروط التي وضعها بيان الأمانة العامة يوم 16 مارس، والذي جاء فيه: «تؤكد الأمانة العامة أن الأخ الأمين العام رئيس الحكومة (بنكيران) لا يتحمل، بأي وجه من الأوجه، مسؤولية التأخر في تشكيل الحكومة، وأن المسؤولية عن ذلك ترجع إلى الاشتراطات المتلاحقة خلال المراحل المختلفة من المشاورات من قبل أطراف حزبية أخرى، ما جعل تشكيل حكومة تتوفر فيها مواصفات القوة والانسجام والفاعلية، كما ورد في الخطاب الملكي لدكار، متعذرا، وتعتبر الأمانة العامة أن مثل تلك الاشتراطات هي التي ستجعل تشكيل الحكومة -في حال استمرارها- متعذرا أيا كان رئيس الحكومة المعين».
6- طريقة توزيع الحقائب في الحكومة كانت مختلة تماما، ولا تعكس الوزن الحقيقي لكل حزب، فقد استولى حزب الأحرار على أكثر من وزنه الحقيقي، ومعه التقنوقراط، بعدما صدم الرأي العام بدخول الاتحاد إلى الحكومة، والذي كان يعني أن صلاحيات رئيس الحكومة الدستورية في اختيار أغلبيته قد خرقت، وهذا ما فتح للضعف بابا كبيرا لدخول بيت العثماني.
7- أول اختبار كان أمام الحكومة هو طريقة معالجة حراك الريف، وهنا ارتكبت الحكومة ورئيسها أخطاء قاتلة عندما اتهما، صراحة أو ضمنا، شباب الريف، من داخل بيت العثماني في سلا، بالسعي إلى الانفصال والعمالة للخارج، وبعدها توالت الأخطاء والارتباكات وعدم الانسجام، وصولا إلى استعمال سلاح «الخوف من الاصطدام بالدولة» من أجل تصفية تركة بنكيران في الحزب، ونهاية بالعجز عن ترميم الحكومة بعد مضي ثلاثة أشهر.
هذه ليست آراء ولا قراءات ولا تأويلات.. هذه حقائق تجمعت كلها لتخلق أكبر أزمة سياسية في حزب العدالة والتنمية. أزمة أضعفت الحزب الذي خرج فائزا في الانتخابات، ودخل مهزوما إلى الحكومة، لأن نخبته لم تعرف كيف توظف الأوراق الرابحة التي أعطاها الناخبون إياها، فلا هم ربحوا حزبا قويا، ولا هم ربحوا حكومة قوية… إذن، بمَ تنفع الرؤية والمشروع والنهج؟

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

سجال هادئ مع الطبيب العثماني سجال هادئ مع الطبيب العثماني



GMT 00:03 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

إذا كانت إيران حريصة على السنّة…

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يطرد المدعي العام

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

نَموت في المجاري ونخطىء في توزيع الجثث!

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

فى واشنطن: لا أصدقاء يوثق بهم!

GMT 00:02 2018 السبت ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

استعدوا للآتى: تصعيد مجنون ضد معسكر الاعتدال

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 17:48 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

تمارين تساعدك في بناء العضلات وخسارة الوزن تعرف عليها

GMT 19:14 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

حظك اليوم الأربعاء 2 كانون الأول / ديسمبر لبرج العقرب

GMT 11:55 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

كن هادئاً وصبوراً لتصل في النهاية إلى ما تصبو إليه

GMT 15:33 2020 الإثنين ,05 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم الجمعة 30 تشرين الأول / أكتوبر لبرج الجوزاء

GMT 19:14 2019 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

جون تيري يكشف مميزات الفرعون المصري تريزيجيه

GMT 17:27 2017 الإثنين ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

وضع اللمسات الأخيرة على "فيلم مش هندي" من بطولة خالد حمزاوي

GMT 22:05 2019 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

إليك كل ما تريد معرفته عن PlayStation 5 القادم في 2020

GMT 05:54 2017 الأربعاء ,12 إبريل / نيسان

بسمة بوسيل تظهر بإطلالة العروس في أحدث جلسة تصوير

GMT 09:38 2017 الخميس ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

خلطات منزلية من نبات الزعتر الغني بالمعادن لتطويل الشعر

GMT 16:41 2020 الجمعة ,24 كانون الثاني / يناير

لمحة فنية رائعة من صلاح تسفر عن هدف

GMT 12:21 2020 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

محمد يتيم يعود للكتابة بالدعوة إلى "إصلاح ثقافي عميق"

GMT 13:01 2019 الثلاثاء ,10 كانون الأول / ديسمبر

رودريجو يكشف عن شعوره الأول لحظة مقابلة زين الدين زيدان

GMT 16:29 2019 الجمعة ,04 تشرين الأول / أكتوبر

مغربي يقدم على قطع جهازه التناسلي لسبب غريب

GMT 09:59 2019 الإثنين ,26 آب / أغسطس

"رئيس الوصية"..على أبواب قصر قرطاج
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya