تمرين برتوكولي للمخزن

تمرين برتوكولي للمخزن

المغرب اليوم -

تمرين برتوكولي للمخزن

بقلم : توفيق بو عشرين

وقف الرجل الوقور والهادئ، عبد الحق المريني، الناطق الرسمي باسم القصر ومدير التشريفات الملكية والأوسمة السابق، مصدوما من هول المشهد في باب إيغلي بمراكش. لم يستوعب عقله أن يُمنع من دخول قاعة الاجتماعات الرسمية التي يوجد فيها ملوك ورؤساء الدول في اجتماع القمة بـ«كوب22» بمراكش. ظن الناطق باسم القصر في البداية أن هناك خطأ وقع، وأن جنود الأمم المتحدة سيصلحون الأمر سريعا، وسيسمحون للناطق الرسمي باسم القصر الملكي ووزير الفلاحة والصيد البحري بالعبور إلى داخل القاعة المخصصة لرؤساء للدول، لكن شرطة بان كي مون لم تصلح الخطأ، وأصرت على منع أهل الدار من التصرف كما اعتادوا، وطالبتهم بالانصراف، لأن بطاقتي الدخول المعلقتين في صدريهما لا تسمح لهما بالدخول من هذا الباب. هنا بدأت علامات الغضب على المريني ورفيقه، فصرخ فيهما شيخ البروتوكول المخزني بالفرنسية مشيرا إلى أخنوش: «إنه وزير، ولا يعقل أن تتصرفوا معه على هذا المنوال…». لم يقتنع «العلوج» بهذا التبرير من مرجع في البروتوكول الملكي هنا في هذه البقعة، حيث يرفرف علم الأمم المتحدة، والقانون لا يعترف بالبروتوكول المحلي، ولا بالطقوس المرعية، كما لا يعترف بالأسماء والألقاب والأوزان والأرصدة والمكانة الاجتماعية للأفراد… الجميع سواسية أمام القانون الدولي، ولا توجد استثناءات، ولا توجد مواضعات، ولا توجد تعليمات من الأعلى للقفز فوق الترتيبات… في داخل القاعة وقع حدث «جلل».. أحد رعايا صاحب الجلالة يلقب بصلاح الدين مزوار، مولود في مكناس من أسرة متوسطة، وأجره لم يكن يتعدى 6000 درهم عندما بدأ العمل في شركات الحاج ميلود الشعبي في تونس.. هذا المسمى صلاح، الذي يشغل منصب وزير الخارجية، يجلس إلى جانب الملك حول طاولة واحدة، وعلى كرسي مشابه للكرسي الذي يجلس عليه الملك، وفي المستوى نفسه… هذا منظر لم تعتده العين المغربية… أهلا وسهلا إنكم في حضرة الأمم المتحدة، التي اقتطعت بضعة هكتارات من ساحة باب إيغلي بمراكش، وأقامت عليها، لمدة 11 يوما، منطقة دولية تحت سلطتها، حيث بسطت في بلادنا قانونها وثقافتها وتنظيمها وعقليتها. إنه تمرين مفيد جدا لبلادنا التي عاشت قرونا طويلة معزولة عن العالم، منكفئة على نفسها، منعزلة عن مرحلة النهضة، ثم الأنوار، ثم الثورة الصناعية، ثم الثورة التكنولوجية، والآن الثورة الرقمية.
عبد الحق المريني رأى النور في ثلاثينات القرن الماضي، وتعلم أصول البرتوكول على يد الجنرال الراحل مولاي حفيظ العلوي، الذي عرف بتشدده وانغلاقه إلى درجة كانت التقاليد المرعية في عهده، وعهد سيده، تحرج الطبقة السياسية كلها، وتجعل من البروتوكول في دار المخزن عقوبة مرهقة للجميع، تذكر من نسي بأن هناك تراتبية اجتماعية وسياسية ودينية لا يمكن القفز فوقها، وأن زمن المخزن ليس هو زمن العالم، وأن ساعة المملكة واقفة عند القرون الوسطى، وأن الشعب رعية، والحاكم شبه إله.
للحقيقة والتاريخ، فإن عبد الحق المريني لم يرث طباع الجنرال الشخصية، وظل رجلا متواضعا مثقفا كيسا، لكنه ابن زمن ودار وطقوس وأعراف… لم يقترب من تجديد نظام البرتوكول الصارم، بل ساير القطار الذي وضعه أسلافه، من ركوع تحت فرس الملك في طقس للبيعة لا يوجد مثله في العالم، وتقبيل لليد الشريفة، وانتظار لوقت طويل باب القصر… وحتى عندما أدخل الملك الجديد بعض التعديلات على هذه الطقوس العتيقة، كانت دار المخزن تقاوم، وترفض تجديد الشكل، مخافة الوصول إلى الجوهر، لهذا صدم عبد الحق المريني هذا الأسبوع عندما التقت ثقافتان مختلفتان، بينهما خمس قرون ويزيد من الاختلاف والتباين.. ثقافة ابن دار المخزن الذي يعتبر أن سلطة هذا الأخير لا حدود لها، وأن القانون يسري على الرعية ولا يطال الحاكم، وثقافة شرطي الأمم المتحدة القادم من فرنسا أو سويسرا أو إنجلترا أو أمريكا أو كندا، والذي يشتغل تحت مظلة الأمم المتحدة التي يقول ميثاق حقوق الإنسان بها في مادته الثانية: :لكل إنسان حق التمتع بكافة الحقوق والحريات، دون أي تمييز، كالتمييز بسبب العنصر أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الرأي السياسي أو أي رأي آخر، أو الأصل الوطني أو الاجتماعي أو الثروة أو الميلاد، أو أي وضع آخر، دون أي تفرقة بين الرجال والنساء». إنه تمرين مر بسلام، وربح منه المغرب الكثير، والمنى أن يترك «كوب22» بصمات على عقول أهل الدار وثقافتهم، وأن يحثهم على التفكير في مقتضيات العصر ومنطق التطور، فالعالم يتغير، ونحن جميعا يجب أن نركب هذا القطار، وإلا سيصدق علينا وصف الرئيس المحروق، علي عبد الله صالح، الذي صاح في شعبه بعد ثلاثة عقود من الحكم: «فاتكم الگطار» (القطار)، حسب نطق أصدقائنا في اليمن الذين لم يعرفوا القطار بعد.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تمرين برتوكولي للمخزن تمرين برتوكولي للمخزن



GMT 06:02 2018 الأحد ,25 شباط / فبراير

حان وقت الطلاق

GMT 07:26 2018 الجمعة ,23 شباط / فبراير

سلطة المال ومال السلطة

GMT 06:39 2018 الخميس ,22 شباط / فبراير

لا يصلح العطار ما أفسده الزمن

GMT 05:46 2018 الأربعاء ,21 شباط / فبراير

الطنز الدبلوماسي

GMT 05:24 2018 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

القرصان ينتقد الربان..

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 05:15 2018 الأربعاء ,25 تموز / يوليو

واتساب يضيف ميزة نالت إعجاب مستخدميه

GMT 02:06 2018 الخميس ,12 تموز / يوليو

سعر ومواصفات "كيا سبورتاج 2019" في السعودية

GMT 23:49 2018 الثلاثاء ,03 تموز / يوليو

وفاة أب وإبنته غرقا في نهر ضواحي جرسيف‎

GMT 23:59 2018 الأربعاء ,27 حزيران / يونيو

معلول يؤكد أهمية فوز المنتخب التونسي على بنما
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya