الملك لم يؤسس البام لكن من باع للدولة هذا المشروع

الملك لم يؤسس البام.. لكن من باع للدولة هذا المشروع؟

المغرب اليوم -

الملك لم يؤسس البام لكن من باع للدولة هذا المشروع

بقلم : توفيق بو عشرين

قال إلياس العماري في ندوة «حركة ضمير»، أمس، إن (حزب الأصالة والمعاصرة لم يؤسسه الملك، وإن الحزب لم يخلق لمواجهة السلطة، لكنه في نفس الوقت حزب حداثي غير محافظ، ويختلف مع توجهات الدولة المحافظة).
كاتب هذه السطور يصدق الجملة الأولى (الملك لم يؤسس البام)، لكنه لا يصدق الجملة الثانية (البام حداثي يعارض التوجهات المحافظة للدولة) كيف ذلك؟
لما خرج فؤاد عالي الهمة من وزارة الداخلية، حيث كانت له مساهمة كبيرة في إدارة البلد وبصمات ظاهرة في إدارة الحكم منذ وصول محمد السادس (صديقه) إلى العرش سنة 1999، وإلى غاية خروجه في ظروف غامضة من وزارة الداخلية سنة 2007، بين قائل إنه سقط نتيجة غضبة ملكية، وقائل إنه خرج ليجرب وصفته في مواجهة الإسلاميين بعد أن أعياه الحديث مع الأحزاب التقليدية وتحفيزها على ضرورة التصدي للإسلاميين، الذين يكتسحون قاعدة المجتمع يوما بعد آخر، وإن هؤلاء الملتحين يهددون (تمغربيت)، أي الطابع التقليدي للدولة حيث يحتكر الحكم استعمال الدين في السياسة، ويزاوج بين الواجهة الديمقراطية والعمق المركزي للحكم، حيث تلعب المؤسسة الملكية الدور الاستراتيجي في تدبير شؤون البلد…
أيا يكن السبب الذي خرج من أجله فؤاد عالي الهمة من (أكواريوم) السلطة إلى الساحة الحزبية، فإنه لم يخف هدفه منذ البداية، وهو التصدي بكل الوسائل لزحف الإسلاميين معتدلين وراديكاليين على الساحة السياسية، وتحجيم نفوذهم كي لا يضطر النظام إلى مواجهتهم بالطرق الخشنة، والتي ستؤثر على شعاراته المعلنة آنذاك، والتي وصلت ـالشعارات- إلى درجة الادعاء أنه (نظام ديمقراطي حداثي)، قبل أن يتراجع هذا الوصف للنظام لأنه مكلف جدا لبنية تقليدانية لا تريد أن تفرط في الوسائل القديمة للحكم…
الذي حصل فيما بعد أن السيد فؤاد عالي الهمة نجح في (بيع مشروع البام) للدولة، باعتبار هذا المشروع يمثل خط الدفاع الأخير لمواجهة حزب العدالة والتنمية الذي تعرف أسهمه صعودا متزايدا في انتخابات بعد أخرى. وهكذا جرى تبني المشروع من قبل الدولة دون الإفصاح عن ذلك، وجرى مد (التراكتور) بكل الوسائل حتى يحقق هدف مواجهة الإسلاميين بدون سجون ولا منافي ولا محاكمات ولا اغتيالات، وفي نفس الوقت المحافظة على الواجهة الديمقراطية التي يحتاجها النظام لتسويق مشروعه الجديد (التنمية بدون ديمقراطية)، ورأسمالية بدون ليبرالية، وأحزاب كثيرة بدون تعددية، ومفهوم جديد للسلطة بدستور قديم ووسائل عتيقة… غير أن الذي جرى هو أن قصف العدالة والتنمية أصاب التجربة الديمقراطية الهشة في مقتل…
في أول خروج إعلامي له على القناة الثانية بسط الهمة مشروعه السياسي الذي يتلخص في (مواجهة الإسلاميين)، مع أن هذا ليس برنامجا ولا مشروعا ولا هدفا تؤسس له الأحزاب، لكن هذا الذي جرى.
ولتحقيق هذا الهدف كان ضروريا اللجوء إلى خدمات بعض الوجوه اليسارية المتقاعدة، والتي كانت تنتظر الفرصة للركوب على الموجة، والمبرر هو تغيير العدو الذي كان هو النظام، فصار هو الإسلاميين. ولتبرير هذا التحول في خارطة الصراع جرى تقديم قراءات اختزالية وتبسيطية كما هي عادة اليسار الراديكالي تقول: (الخطر الآن ليس النظام غير الديمقراطي وغير الشعبي، الخطر الآن هو التيار الأصولي الذي يزحف على قاعدة المجتمع، ويهدد الحريات الفردية، ونمط العيش المفتوح، ثم إن عداواتنا مع النظام انتهت بوفاة الحسن الثاني، أما محمد السادس فلا مشكل لنا معه، إنه كان ضحية والده كما كنا نحن ضحايا البصري، ولهذا سنضع يدنا في يد الملك الشاب وسنغمض أعيننا على طابعه التقليداني لمواجهة عدونا الأصولي، أما الديمقراطية فهي معركة مؤجلة إلى أن ندخل إلى مؤسسات النظام رافعين شعار التصدي للظلامية).
جاء الاختبار الأول في انتخابات 2009 أي أشهرا بعد تأسيس حزب الأصالة والمعاصرة، فحاز الحزب المرتبة الأولى في الانتخابات الجماعية، ورشح أكبر جيش من الأعيان في البوادي والمدن الصغيرة شبه القروية، واتضح أن الأصالة هي الغالبة على المعاصرة في ترشيحات الحزب، وأن السلطوية هي الأداة المستعملة في يد الحزب تجاه خصومه وليس الحداثة. وهكذا نزلت كتائب الداخلية من قياد وعمال وولاة لدعم الجرار وإسناده، وإفشال تحالفات خصمه العدالة والتنمية، وهذا ما شهدت عليه كل وسائل الإعلام في الداخل والخارج، ووثقه السفير الأمريكي بالرباط في وثائق ويكليكس مما بقي محفوظا للتاريخ عندما يحين موعد كتابته.
لما أطل الربيع العربي ذاب الجرار تحت أشعة شمس المظاهرات التي خرجت في 54 مدينة تندد بالبام وعرابه ورموزه، وشكل الأمر صدمة لهذا الحزب ولو كانت له جذور اجتماعية أو خلفية إيديولوجية أو بنية تنظيمية ما اختفى لسنة كاملة… فاضطر صاحبه إلى الرجوع إلى الوراء، فيما غادرت رموزه أرض الوطن. هنا أخرج بنكيران مدفعيته الثقيلة وصفى حسابه مع البام عن طريق خطة برغماتية، فمن جهة رفض النزول إلى الشارع مع حركة 20 فبراير خوفا على النظام، ومن جهة أخرى تبنى شعارات الحراك الشبابي وعرض على النظام صفقة (الإصلاح في ظل الاستقرار) وأوله إبعاد البام عن الطاولة… وكذلك جرى، استقال الهمة من الحزب الذي أسسه ودخل إلى الديوان الملكي، معلنا ضمنيا عن فشل المشروع الذي قاده، وعدل الدستور الذي تخلى بموجبه الملك عن عدة صلاحيات، وأجريت انتخابات مفتوحة أعطت نصرا كاسحا للعدالة والتنمية، ونزل البام إلى المعارضة، معارضة الحكومة وموالاة الحكم، فكان يتجنب الاعتراض على القوانين التي يرى أن النظام يحتاجها (في مسألة الإعدام مثلا عارضها الفريق البرلماني للبام في حق المدنيين، لكنه صوت عليها بالإجماع عندما جاءت في القانون العسكري)، فيما ظل يملأ الدنيا كلما تعلق الأمر بقرارات أخرى هامشية…
هل البام حزب حداثي؟ لا أظن، فهو حزب ولد من عمق التقليد ومن عمق السلطوية، وهو جواب عن ممانعة النظام في التوجه نحو ديمقراطية كاملة. هل سينجح في إعادة بيع المشروع إلى الدولة بعدما فشل في الوفاء بوعوده التي تقاضى ثمنها مقدما؟ لنراقب وسنرى الجواب القاطع يوم 7 أكتوبر.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الملك لم يؤسس البام لكن من باع للدولة هذا المشروع الملك لم يؤسس البام لكن من باع للدولة هذا المشروع



GMT 06:02 2018 الأحد ,25 شباط / فبراير

حان وقت الطلاق

GMT 07:26 2018 الجمعة ,23 شباط / فبراير

سلطة المال ومال السلطة

GMT 06:39 2018 الخميس ,22 شباط / فبراير

لا يصلح العطار ما أفسده الزمن

GMT 05:46 2018 الأربعاء ,21 شباط / فبراير

الطنز الدبلوماسي

GMT 05:24 2018 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

القرصان ينتقد الربان..

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 17:48 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

تمارين تساعدك في بناء العضلات وخسارة الوزن تعرف عليها

GMT 12:09 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

يشير هذا اليوم إلى بعض الفرص المهنية الآتية إليك

GMT 12:01 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

أعد النظر في طريقة تعاطيك مع الزملاء في العمل

GMT 17:49 2020 الإثنين ,21 كانون الأول / ديسمبر

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

GMT 19:23 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

حظك اليوم الأربعاء 2 كانون الأول / ديسمبر لبرج الدلو

GMT 19:31 2020 السبت ,25 كانون الثاني / يناير

مناقشة رواية "غيوم فرنسية" في معرض الكتاب

GMT 04:30 2019 السبت ,26 كانون الثاني / يناير

باتاكي ترتدي بكيني أحمر متوهج وتتباهى بجسدها

GMT 06:55 2018 الإثنين ,08 تشرين الأول / أكتوبر

تعرفي على كيفية معرفة الفرق بين الألماس الحقيقي والصناعي

GMT 02:40 2018 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

الأعمال الفنية الحديثة تخلو من الراقصة الممثلة الموهوبة

GMT 02:42 2017 الخميس ,07 كانون الأول / ديسمبر

استكمال جمال سليمان ومنة فضالي وياسر فرج "أفراح إبليس2"

GMT 13:55 2016 الخميس ,15 أيلول / سبتمبر

استنفار أمني في زايو بعد العثور على فتاة مقيدة

GMT 23:33 2016 الجمعة ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

الفنانة ريم مصطفى تنضم إلى فريق عمل "اللهم إني صائم"
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya