محنة الأحزاب

محنة الأحزاب

المغرب اليوم -

محنة الأحزاب

بقلم : توفيق بو عشرين

تتعرض الأحزاب السياسية، منذ مدة، لتدمير مريع، بمعاول السلطة تارة، وفؤوس أهل الدار تارة أخرى. لنتأمل نماذج أربعة أحزاب تتعرض منذ أشهر لإطلاق نار شديد لم يحدث حتى في زمن الرصاص، حيث كانت الدولة تكره الأحزاب الوطنية، وأقصى ما وصلت إليه في حربها ضد الأحزاب الحقيقية أنها فبركت أخرى اصطناعية، وزورت انتخابات لم يعترف أحد بشرعيتها. اليوم هناك أساليب جديدة لإفراغ الأحزاب من مضمونها، وتحويلها إلى قطع غيار في آلة السلطة، التي تحتاج إلى تجديد نفسها بين مرحلة وأخرى.

لنبدأ بأبي الأحزاب السياسية، حزب الاستقلال، الذي يبلغ من العمر أكثر من 80 سنة، ومع ذلك لم يشفع له كل هذا العمر في الحصول على التوقير من قبل السلطة، وعلى الاحترام من قبل أبنائه. صار الحزب كله يختزل في حميد شباط، وصار حزب علال الفاسي مثل الشاة الجرباء، لا أحد يريد أن يقترب منه. يعلن رغبته في المشاركة في الحكومة، فيقال له لا، ويسأل: لماذا؟ فلا يحصل على جواب صريح، اللهم الجواب إياه ومفاده: ‘‘إنك خرجت من الصف يوم السبت 8 أكتوبر بعدما شاركت في «البطولة الوطنية» للإطاحة برأس حكومة بنكيران’’.. البطولة التي شارك فيها كثيرون، ومن بينهم ولد زروال في التظاهرة إياها… عندما تشبث الميزان بالتحالف مع المصباح، بعدما خرج من مولد البام بلا حُمُّص، دفعا معا الثمن غاليا، مرة بسبب الخريطة التاريخية التي أشهرها شباط في وجه موريتانيا، ومرة عندما أطيح برأس بنكيران من منصب رئيس الحكومة… بعدها خرجت الخلايا النائمة في الحزب تتمرد على الأمين العام، الذي بايعته قبل أربع سنوات باسم «مناضل القرب»، فوجد الحزب نفسه لا هو في المعارضة ولا هو في الحكومة، بل إنه لم يستطع أن يعقد مؤتمرا تأخر عن موعده أكثر من سنة، لأن الحرب الأهلية داخله لا تتوقف نيرانها لكي يلتقط الحزب أنفاسه. اختلطت الأوراق حتى لم يعد المناضل الاستقلالي يعرف هل يقف مع شباط أم مع بركة، وهل حمدي وقيوح والأنصاري وغلاب وياسمينة واحجيرة مناضلون في الحزب، أم طابور خامس ينتظر الوقت لإشهار سلاحه دفاعا عن مصالحه الخاصة؟

الاتحاد الاشتراكي قصة أخرى، فبعد سقوط قلاعه في يد إدريس لشكر، تحول 180 درجة، بعدما تخلص من القوات الشعبية، ومن تراث بوعبيد وبنبركة وبنجلون واليوسفي… ها هو يرسم فصلا جديدا في حوليات الأحزاب السياسية، وكيف يمكن لحزب عتيد أن يصير حزبا في خدمة السلطة، وفي خدمة أجندة تدمير المنهجية الديمقراطية لتشكيل الحكومات. لم يتصور قادة الاتحاد وزعماؤه أن يأتي يوم على الوردة يصبح كفيلها هو عزيز أخنوش، وأن تسبغ الدولة رعايتها على حزب بوعبيد، وتتعهد بإدخاله الحكومة حتى لا يموت في المعارضة. إن هذه السابقة لا تمس، فقط، بسمعة الاتحاد ومكانته في المشهد السياسي، بل إن نازلة الحال تعطي درسا سيّئا للأحزاب الأخرى التي تطمح إلى الحفاظ على استقلاليتها، وتنحو نحو الفطام عن بزولة الدولة.

النموذج الثالث هو حزب التجمع الوطني للأحرار، الذي سلم مفاتيح قيادته إلى شخص تبرأ من الانتماء إليه قبل أربع سنوات، وصرح بأنه لن يرجع إليه، حتى إنه في الانتخابات الأخيرة دعم مرشحين من البام، لكن، لما نودي عليه صعد إلى المنصة مرشحا وحيدا، وتسلم حزب الأعيان والتجار. هذا الحزب عرف بعض التقدم على مسار بناء حياة ديمقراطية داخلية، حين اختار مصطفى المنصوري، لأول مرة، في انتخابات مفتوحة وتعددية أمام الراحل عكاشة، وكان يمكن أن يتطور ليصبح حزبا ليبراليا يتموقع في الوسط، ويحافظ على استقلالية ولو نسبية تجاه السلطة، لكن المحاولة أجهضت لما رفض المنصوري تحويل الأحرار إلى عبيد عند البام، فأُسقط بانقلاب أبيض من قبل «المفعفع»، وبقية القصة معروفة، وأطرف مشهد كان فيها هو نزول ياسر الزناكي من الطائرة، وانضمامه إلى حركة تصحيحية في الحزب لم يعرف عنها وعن الأحرار أكثر مما يعرفه السياح عن بلد يزورونه لأول مرة… الآن، وبعد تراجع نفوذ الأعيان الذين يقتلون السياسة والانتماء الحزبي، ها هو «مول الغاز» يعيد تجميع الأعيان وسماسرة الانتخابات لإحياء دورهم الذي تراجع بفعل توسع خريطة التصويت السياسي، وبذلك يضرب المعنى الحقيقي للأحزاب في العمق.

النموذج الرابع هو حزب العدالة والتنمية، الذي يصارع من أجل استقلالية قراره الحزبي وقوة تنظيمه السياسي، فقد وجد هذا الحزب، الذي يعد اليوم أكبر حزب منظم في المغرب، نفسه أمام رئيس حكومة جديد يقول للمناضلين: «إن إدخال الاتحاد الاشتراكي إلى الحكومة قرار سيادي»، أي أن السيد العثماني لم يفرط فقط في صلاحياته الدستورية كرئيس حكومة أعطاه المشرع حق اختيار الأحزاب التي يراها مناسبة لتشكيل ائتلاف حكومي، بل إنه يتنازل حتى عن السقف الذي حدده الأمين العام للحزب، عبد الإله بنكيران، كحد أدنى للتنازلات التي يمكن تقديمها، وبذلك أوقع العثماني مناضلي حزبه في حرج شديد، حيث التزم البعض الصمت، فيما عبر آخرون عن عدم اتفاقهم مع هذا المنحى الذي يهدد صورة الحزب وتماسكه الداخلي، الذي طالما افتخر به.

الديمقراطية، بالتعريف، هي دولة الأحزاب. صحيح أن أحزابنا مريضة، وأوضاعها لا تسر صديقا ولا تغيظ عدوا، لكن الأحزاب تعالج باحترام استقلاليتها، والحفاظ على كرامتها، وتوقير صورتها لدى الجمهور، وإلا فإننا نقتلها، ونترك الدولة أمام الشعب بلا وسائط ولا وسطاء. الأحزاب مثل الحزام حول بطن الدولة، يقيها أخطارا عدة.

المصدر : جريدة اليوم 24

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

محنة الأحزاب محنة الأحزاب



GMT 06:02 2018 الأحد ,25 شباط / فبراير

حان وقت الطلاق

GMT 07:26 2018 الجمعة ,23 شباط / فبراير

سلطة المال ومال السلطة

GMT 06:39 2018 الخميس ,22 شباط / فبراير

لا يصلح العطار ما أفسده الزمن

GMT 05:46 2018 الأربعاء ,21 شباط / فبراير

الطنز الدبلوماسي

GMT 05:24 2018 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

القرصان ينتقد الربان..

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 17:14 2018 الأحد ,21 كانون الثاني / يناير

اتحاد كرة القدم يكشف رغبة ريال مدريد في ضم محمد صلاح

GMT 04:38 2017 الأربعاء ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

فساتين سهرة للمحجبات من أحدث صيحات موضة الشتاء

GMT 01:05 2012 الإثنين ,29 تشرين الأول / أكتوبر

حناج عيين با بنيه - نقوش بحرينية يتناول انواع نقوش الحناء

GMT 13:28 2015 الأربعاء ,18 شباط / فبراير

أفضل ستة فنادق في مراكش للاستمتاع بالرفاهية

GMT 03:24 2017 الجمعة ,27 تشرين الأول / أكتوبر

قواعد الإتيكيت الخاصة بالتعامل مع زملاء العمل

GMT 00:53 2017 السبت ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

أحمد سعد يعود للغناء مرة أخرى بعد ثبوت صحة موقفه
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya