توبة أم مقلب جديد

توبة أم مقلب جديد؟

المغرب اليوم -

توبة أم مقلب جديد

بقلم : توفيق بو عشرين

بدون مقدمات، خرج الأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة ليعلن «التوبة» من محاربة الإسلاميين الذين وضعهم حزب الجرار في مرمى مدفعيته منذ اليوم الأول لتأسيسه سنة 1998، وكتب إلياس العماري، في ما يشبه بيان مراجعات سياسية، مقالا في جريدة «هيسبريس» يقول: «رغم كل العوائق والاستفزازات، فنحن، في حزب الأصالة والمعاصرة، متشبثون بتجسير مطلب المصالحة تجاه الجميع، في وطن يتسع للجميع، ويشرئب إلى الأعلى بسواعد وهامات كل بناته وأبنائه». ولأنه يعرف أن هذه المصالحة المزعومة مع الجميع لا أساس يدعمها في توجه الحزب ولا في سلوكه، فإنه طفق يبحث عن جمل إنشائية من وثائق الحزب المأخوذة عن تقرير الإنصاف والمصالحة، الذي يتحدث عن المصالحة بين الجلاد والضحية في سياق حقوقي لا علاقة له بالصراع السياسي بين الأحزاب، وكتب الأمين العام للجرار يقول: «وتشهد الوثائق التأسيسية لحزب الأصالة والمعاصرة بمرجعيات «تقرير الخمسينية» وتقرير هيئة الإنصاف والمصالحة، وباختيارات برنامجنا الانتخابي، على أن المصالحة من أجل الإنقاذ تعبر، بجدارة، عن إرادتنا الطوعية في الإسهام في تقعيد ورش المصالحة، كمفتاح منهجي وقيمي ثمين لتجاوز عقلاني وشجاع للانتكاسات والخصومات».
لم يصدق أحد أن إلياس العماري الذي خسر رهانه الأساس يوم السابع من أكتوبر الماضي، والذي حاول، حتى آخر لحظة، الوقوف في وجه بنكيران محاولا إبعاد أربعة أحزاب عن التحالف معه لخلق أزمة سياسية، وربما دستورية في البلاد.. لم يصدق أحد أن إلياس العماري قد تحول في ظرف أيام إلى «غاندي مغربي» يحمل راية المصالحة والإخاء والود والسلام، ويبشر بمغرب يتسع للجميع، وهو الذي نشأ وكبر في مناخ إقصائي ووسط حزب يتغذى كل يوم على حلفائه وخصومه دون تمييز، وكأنه مصاص دماء لا يشبع، ويريد أن يصبح عملاقا سياسيا بين عشية وضحاها.
قبل هذا المانيفستو الحزين الذي وقعه إلياس، كان هو نفسه قد خط افتتاحية نارية في الموقع الرسمي للحزب، أياما بعد ظهور نتائج الاقتراع، يتهم فيها العدالة والتنمية بـ«الانخراط في مشروع دعوي متوحش العقيدة.. مشروع أممي جبار فائق الوسائط التواصلية والموارد اللوجستيكية والمادية، وله قدرة على تجنيد شبكات التواطؤ والعمالة الداخلية والخارجية»، فكيف يمد إلياس العماري اليوم يد المصالحة إلى وحش يحمل مشروعا إخوانيا جبارا يلعب دور العميل للخارج في بلاده؟ هذا تناقض ما بعده تناقض، وهو تعبير عن الصدمة أكثر من كونه تعبيرا عن فكرة.
الجميع يعرف أن جل السياسيين عندنا مصابون بفقدان الذاكرة، وأنهم مثل العصافير لا يتحملون الوقوف على شجرة واحدة، وأن هوايتهم هي القفز من غصن إلى آخر، لكن هناك حدودا لفن القفز على الذاكرة، وهناك تقاليد في العمل السياسي، حتى مع وجود كم كبير من البرغماتية الحربائية في سيرة السياسيين. لقد ترك إلياس العماري رفاقه في الجرار، قبل غيرهم، محتارين يضربون الخط الزناتي لمعرفة سر هذا الانقلاب في خطاب أمينهم العام بمقدار 180 درجة، وما إذا كان استراتيجية جديدة للحزب، أم مقلبا من مقالب ابن الريف الكثيرة، حتى إن جل أعضاء المكتب السياسي للجرار أغلقوا هواتفهم يوم أمس وأول أمس حتى لا تحرجهم الصحافة بأسئلة لا يتوفرون على جواب عنها، وحتى لا يقولوا للناس «إننا كومبارس في فيلم لا يعرف السيناريو فيه إلا واحد، والبقية مشاركون وليسوا مقررين».
إذا كان إلياس العماري جادا في مراجعة مشروع الحزب الذي ولد من رحم الخوف من الديمقراطية، والخوف من فقدان الدولة السيطرة على الأحزاب السياسية، وفي مقدمتها حزب العدالة والتنمية، وقدم نفسه كأداة لإعادة تصريف السلطوية في الحقل السياسي.. إذا كان الجرار جادا في القطع مع ماضيه السياسي، فما عليه إلا أن يعلن حل نفسه، إن لم يكن قانونيا فليكن سياسيا، وأن يلجأ إلى الاندماج في حزب الأحرار، وإنهاء حياة الجرار الذي كلّف الدولة غاليا، فيما لم تستفد منه شيئا تقريبا، مادام الإسلاميون يزدادون قوة كلما انبرى الجرار لمحاربتهم بطرق سلطوية، إلى درجة أن أصبح البام أجود وقود للمصباح.
أما إذا كانت قيادة البام تريد أن تحتج على الدولة بإعلان تخلي الجرار عن محاربة الإسلاميين تحت عنوان المصالحة، وإذا كان إلياس يريد قلب الطاولة على مهندسي الحزب لأنهم قبلوا أن يستسلموا لإرادة الناخب، وأن يسلموا بنكيران زمام الحكومة، وأن يتركوا الجرار وحيدا في معارضة لا يتقنها.. إذا كانت هذه هي النية من وراء هذا البيان، فإن هذه اللعبة ستعقد أوضاع البام أكثر، ولن توقف بحث السلطة عن بديل للبام في القيادة الجديدة للأحرار أو في غيرها، ففي نهاية المطاف المخزن لا ينظر إلى أتباعه إلا على أنهم قطع غيار في آلة كبيرة، دائمة البحث عن قطع جديدة لكي تستمر في العمل.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

توبة أم مقلب جديد توبة أم مقلب جديد



GMT 06:02 2018 الأحد ,25 شباط / فبراير

حان وقت الطلاق

GMT 07:26 2018 الجمعة ,23 شباط / فبراير

سلطة المال ومال السلطة

GMT 06:39 2018 الخميس ,22 شباط / فبراير

لا يصلح العطار ما أفسده الزمن

GMT 05:46 2018 الأربعاء ,21 شباط / فبراير

الطنز الدبلوماسي

GMT 05:24 2018 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

القرصان ينتقد الربان..

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 17:48 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

تمارين تساعدك في بناء العضلات وخسارة الوزن تعرف عليها

GMT 12:09 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

يشير هذا اليوم إلى بعض الفرص المهنية الآتية إليك

GMT 12:01 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

أعد النظر في طريقة تعاطيك مع الزملاء في العمل

GMT 17:49 2020 الإثنين ,21 كانون الأول / ديسمبر

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

GMT 19:23 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

حظك اليوم الأربعاء 2 كانون الأول / ديسمبر لبرج الدلو

GMT 19:31 2020 السبت ,25 كانون الثاني / يناير

مناقشة رواية "غيوم فرنسية" في معرض الكتاب

GMT 04:30 2019 السبت ,26 كانون الثاني / يناير

باتاكي ترتدي بكيني أحمر متوهج وتتباهى بجسدها

GMT 06:55 2018 الإثنين ,08 تشرين الأول / أكتوبر

تعرفي على كيفية معرفة الفرق بين الألماس الحقيقي والصناعي

GMT 02:40 2018 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

الأعمال الفنية الحديثة تخلو من الراقصة الممثلة الموهوبة

GMT 02:42 2017 الخميس ,07 كانون الأول / ديسمبر

استكمال جمال سليمان ومنة فضالي وياسر فرج "أفراح إبليس2"

GMT 13:55 2016 الخميس ,15 أيلول / سبتمبر

استنفار أمني في زايو بعد العثور على فتاة مقيدة

GMT 23:33 2016 الجمعة ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

الفنانة ريم مصطفى تنضم إلى فريق عمل "اللهم إني صائم"
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya